يسجل على العاملين في السياسة العراقية بعد نيسان 2003 أنهم كانوا دائما يقدمون مصالحهم الشخصية والعائلية والعشائرية والحزبية وامتيازاتهم المالية على الشعب العراقي فلم يمشوا خلف الشعب ولاحتى بجانبه في كل هذه الجوانب. ومن المفارقات القانونية الهزيلة الغريبة ان يخصص لكل عضو برلمان ووزير ومسؤول ثلاثة مقاعد quot;معلنة quot; سنويا ومحجوزة مسبقا بشكل قانوني للذهاب الى البيت العتيق لاداء مناسك الحج!! ولست متحمسا لتصور حالهم وهم يقفون امام الكعبة المشرفة والامين المصطفى quot;صquot; وأئمة أهل البيت quot;عquot;، وذلك لسبب بسيط ان حالهم لايسر حتى وان تخيل لغالبيتهم غير ذلك. فان الله سبحانه وتعالى ورسوله الامين وآل بيته الاطهار لايجاملون في الحق ولاتاخذهم لومة لائم وأن عماد الاسلام هو العدل والمساواة، وان الله سبحانه وتعالى يعلم مافي الصدور، لذلك مافي البنوك ومافي الجيوب وماشيد على الارض يبقى اكثر وضوحا مما يعتمر في الصدور.
لكن يبدو ان تجربة الحج الى البيت العتيق راقت للعاملين في السياسة العراقية فتم اقتباس الفكرة وتسخيرها في جانب آخر من خلال الحج السياسي الى دول الجوار وبشكل يبدو في أحيان كثيرة من نوع quot; المضحك المبكي quot; لكل عراقي يعرف ويقدر قيمة بلده وثقله الانساني والسياسي وعمقه التاريخي والديني.
لذلك هذا التوافد الحزبي والسياسي العراقي على دول الجوار وبشكل مكثف ومكرر اثناء الانتخابات و بعد اعلان نتائج الانتخابات وقبل تشكيل الحكومة العتيدة لايثير اكثر من سؤال واكثر من دهشة واستغراب فحسب، بل يثير الحزن والاستهجان ويستفز المشاعر العراقية الكامنة داخل كل مواطن عراقي، فالعراقيون ورغم المصائب المزمنة التي تمر عليهم فهم أكثر من صعبين بل عصيين وتستفزهم ان يكونوا في موقع التابع الى هذه الدولة او تلك دون استثناء. فكيف الحال والامور اصبحت بشكل علني فلم تكاد طائرة عراقية تقلع من طهران حتى ونزلت اخرى في الرياض ومثلها في أنقرة ودمشق وعمان بل وحتى الدوحة والمنامة ودبي! ماسر هذا التدافع الغريب؟ وماهي الاسباب الموجبة لتزاحم الجميع لزيارة دول الجوار الاقليمي بهذا الشكل المستفز لمشاعر ابناء العراق وقبل تشكيل الحكومة!
بداية ان بناء ثقافة العراقي التابع الى دول الجوار هي الاخطر على الاطلاق وسيتم مقاومة صداها واسقاط نتائجها في العراق حتى ولو بعد حين، وثم محاولة نقل تجربة لبنان الى العراق من خلال مصالحة دمشق والرياض تتشكل الحكومة في بيروت، مثل هكذا بضاعة ليس لها سوق في العراق اطلاقا حتى وإن انعزل العامل في السياسة العراقية في فكره وسلوكه عن أبسط تركيبة سايكلوجية ونفسية لابسط مواطن في الشارع العراقي.
واذا كان البعض مازال يتصرف بطريقة المعارض السابق الذي يبحث عن ملاذ ودعم خارجي فعليه ان يفيق من سباته. ومن جانب اخر اذا كان البعض الاخر يتصور ان حكم الاقلية ممكن ان يتم إرجاعه من خلال دول الجوار فعليه ان يغادر هذا الكهف المظلم الطويل، وكلاهما تجمعهما حقيقة واحدة كبرى تقول ان عقارب الساعة لم ولن تعود الى الوراء.
ثم هناك سؤال منطقي: هل تاخذ كل هذه الدول راينا كعراقيين بتشكيل حكوماتهم مثلا؟ وايضا وانتم تمثلون وتشحذون التأييد الاقليمي لاحزابكم وقوائمكم الانتخابية هل ذهبتم بطائرات على حسابكم الخاص او من خزينة الدول واموال الشعب العراقي؟
ونفس السؤال ينطبق على مئات من رواتب وامتيازات ومخصصات السفر التي صرفت الى حماياتكم وطواقمكم المرافقة لكم في هذه الزيارات؟
نعم لعلاقة مميزة وجيدة مع كل دول الجوار لكن ليس في هذا التوقيت الخطأ والمكان الخطأ والذي يعطي اكثر من رسالة خطيرة ومهينة لاتليق بابناء العراق وبثقل ومكانة بلدهم الكبير، فالعراقيون هم من جعل الاخرين يستقبلونكم في دول الجوار استقبال المسؤولين الكبار، فلماذا تحجمون العراقي بهذا السلوك وهذه الزيارات الغريبة!
لذلك كان الاجدر ان تذهبوا قبل تشكيل الحكومة الى ابن الكحلاء والمجر وميسان بدلاً عن طهران والى ابن سوق الشيوخ والناصرية بدلاً عن الرياض والى ابن دهوك والسليمانية بدلاً عن اسطنبول والى ابن الكرمة والفلوجة والرمادي بدلاً عن دمشق، والى ابن ربيعة والموصل وبعقوبة بدلاً عن الدوحة، والى أبن الجمهورية والعشار والبصرة بدلاً عن دبي، والى ابن الشطرة و الكوت والحلة وبلد وسامراء بدلاً عن عمان، والى ابناء شعلة الصدرين وصدر الثورة وبغداد العظيمة بدلاً عن المنامة والدوحة وابو ظبي. لان ابناء هذه المدن العراقية الاصيلة هم من انتخبوكم وليس أبناء اصفهان واسطنبول وجدة والزرقاء والكرك والسيلية وحلب. فاي حج سياسي آخر خائب هذا الذي وضعتم أنفسكم به؟
[email protected]
التعليقات