لن أتطرق هنا إلى الحديث عن أهمية أو عدم أهمية وجود الجامعة العربية، والدور الذي لعبته وتلعبه أو يمكن أن تلعبه في خدمة القضايا العربية، ومدى قدرتها في ظل الانقسام العربي على تحقيق ذلك، فهذا بحث آخر تتعدد فيه الآراء وتتنوع، ولكني سأتحدث عن منصب الأمين العام الذي استأثرت به مصر منذ تأسيس الجامعة العربية.

منذ خمس وستين عاما(1) ومصر تستأثر بمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، تعين من تشاء من موظفيها، وتمدد له ما شاءت أن تمدد، أو تعزله وتستبدله بشخص آخر ساعة ما تشاء، القرار قرارها، ولا حق لغيرها بالاعتراض، فقد كفل لها هذا الامتياز، الملحق الخاص بالأمين العام للجامعة، والمرفق بميثاق جامعة الدول العربية (2).

عندما تأسست جامعة الدول العربية في (22/03/1945) كان عدد الأعضاء المؤسسين سبع دول فقط هم (مصر وسوريا ولبنان والأردن والعراق والسعودية واليمن)، ولم تكن بعض هذه الدول في ذلك الوقت قد أنجزت استقلالها بالكامل، وبعضها الآخر غير المستعمر عسكريا كان في حالة جنينية، إذ لم تكن الملامح التي ترسم شكل الدولة- لدى هذا البعض- قد بدأت بعد في التكون والظهور. أما باقي الدول العربية التي لم تشارك في التأسيس فكانت ترزح تحت نير الاستعمار الفرنسي والبريطاني والايطالي، ولم تستطع الانضمام للجامعة حينها.

وكانت مصر آنذاك أكبر الدول العربية، وأقواهم عسكرياً واقتصادياً، وأكثرهم ظهورا على المستوى العربي والعالمي، وأكثرهم أيضا تأثيرا في محيطها، وتمرسا في السياسة، وأوفرهم حظا في مجالي الصناعة والزراعة، وأغناهم- وكان ذلك هو الأهم- ثقافة وفكرا وفنا وشخصيات، إذ كانت أرضها تذخر بكوكبة من العلماء والمفكرين والمبدعين قل نظيرهم، كما كانت رائدة في مجال الحريات والصحافة والمسرح والسينما والتأليف والترجمة والنشر، وكانت الدولة العربية الوحيدة آنذاك التي ترسل بعثات العلم إلى أوروبا، فكانت عن حق جديرة بقيادة البلاد العربية.

لقد مر خمس وستون عاما، والأحوال تغيرت كثيرا مذ ذلك الحين، ومصر لم تعد مصر القادرة كما في السابق على قيادة البلدان العربية، فقد فقدت كثيرا من نجوميتها وبريقها السياسي إن في عمقها العربي، أو في أفريقيا، وزاد الأمر في الآونة الأخيرة ما استجد من علاقات بينها وبين دول حوض النيل. عدا عما تعانيه مصر الآن من ضغوط داخلية، وأخرى خارجية، بدءا من التضخم المتزايد والمتسارع لعدد سكانها وما يترتب على هذا من توفير فرص عمل، وبناء بنية تحتية، ومؤسسات خدمية لتلبية الحاجات المتزايدة لمواطنيها، إضافة إلى الفساد المالي والإداري الذي لا تنفرد فيه مصر وحدها، لكنه قد يكون الأكبر قياسا لعدد سكانها.

يضاف إلى ذلك التنامي المطرد لقوة الجماعات الدينية التي تشدها للخلف والتخلف، وتسعى للقطيعة بينها وبين أسباب الحضارة، فتنشر فيها فكر القرون الوسطى والطائفية والكراهية، ولا تألو- هذه الجماعات- جهدا، أو توفر وسيلة للاستيلاء على السلطة. وانتهاء بالعلاقات المصرية الفلسطينية، والعلاقات المصرية الإسرائيلية والأمريكية.

لقد آن الأوان لإعادة النظر في الملحق الخاص بالأمين العام للجامعة العربية، وعلى مصر أن تراعي الوضع الجديد، خاصة أن جميع دول الجامعة أشقائها، وقد أصبح عدد أعضاء الجامعة العربية اثنان وعشرين عضوا، ولم يعد سبعة أعضاء كما كانوا عند التأسيس، وكثير من هذه الدول تملك ما تملك مصر من شخصيات وقدرات سياسية واقتصادية ومؤسساتية. فلماذا يبقى منصب الأمين العام حكرا على بلد بذاته؟ ولماذا لا يكون بالتناوب بين الأعضاء جميعا، كما يجري في كل المنظمات الدولية والعالمية. أو لماذا لا يكون بالاتفاق أو بالأكثرية بين أعضاء الجامعة، ولمدة محددة، تمدد لفترة واحدة لا أكثر، إن رغب الأعضاء بالتمديد، خاصة وأن أعضاء الجامعة العربية كلهم أشقاء، ومتساوون في الحقوق وفي الواجبات.

[email protected]

هوامش

1 ndash; باستثناء الفترة (1979-1990) التي انتقل فيها مقر الجامعة العربية إلى تونس وتعيين السيد الشاذلي القليبي أمينا عاما لها.

2 - للجامعة العربية- عند التأسيس- ميثاق يتضمن عشرين مادة، وثلاثة ملاحق يتعلق أولها بفلسطين، والثاني بالدول غير المشاركة بالمنظمة، والثالث بالأمين العام.