أكبر فضيحة طائفية فى تاريخ الخارجية المصرية
سمعنا عن العديد من الشخصيات القبطية، سواء كان ذلك داخل مصر أو فى المهجر، تم استقطابهم للعمل مع أجهزة الأمن والمخابرات المصرية لنقل كل ما يحدث داخل المجتمع القبطى والكنائس القبطية إلى هذه الأجهزة بالإضافة إلى مهام أخرى عديدة... وهذا امر طبيعى ولا غرابة فيه فى دولة توصف بأنها أمنية بوليسية مخابراتية ثيوقراطية عسكرية مستبدة. ولكننى لم أسمع طوال حياتى عن الحالة العكسية، أى تجنيد شخصية قبطية للتجسس على مؤسسات الدولة المصرية لصالح الكنيسة ولصالح البابا شنودة كما فى حالتنا هذه، وخاصة إذا كان هذا التجسس المزعوم على وزارة سيادية مثل وزارة الخارجية ويقوم به شخص على درجة نائب سفير كما فى هذه الحالة التى سوف اتناول تفاصيلها.
وزارة الخارجية ذاتها لا تختلف عن المؤسسات الأخرى فى مصر، فهى مسرح للمحسوبية والنفوذ وسيطرة اهل الثقة وتوريث المناصب، فهى جزء من دولة تصنف بأنها من أعلى دول العالم فى معدل الفساد والتمييز الدينى، والفساد وسوء استخدام الموارد مش بس للركب فى المحليات فقط كما قال السيد زكريا عزمى وإنما فى كافة مؤسسات الدولة المصرية، ووزارة الخارجية تتميز عن المحليات بأن مراقبة أبناء الجاليات لصالح أجهزة الأمن بديلا عن تدعيم وتقوية العلاقات مع الدول المضيفة هو سمة من سمات العمل الدبلوماسى فى الخارج، والعمل كمرافق ومرشد للتسوق للمسئولين وذويهم القادمين من مصر يتصدر مهام الدبلوماسى المصرى وخاصة فى الدول الغربية. وقد تناولت العديد من الصحف المصرية بعض أوجه هذا الفساد، ووصل الإستهتار لحد تصنيف بعثة مصر فى نيويورك بأنها من اسوأ البعثات الدبلوماسية فى مدينة نيويورك فيما يتعلق بالمخالفات والمشاكل المرورية وفقا لتقرير بلدية نيويورك...أما عن التعصب ضد الأقباط فى هذه الوزارة فحدث ولا حرج، وهو سمة عامة فى كافة مؤسسات الدولة لدرجة أن تقرير منظمة العمل الدولية لعام 2007 قد وصفه بأنه quot; من أكثر أشكال التمييز صلافة ذلك الذى يستهدف الأقباط فى مصرquot;.
بدون مبالغة فان حكاية السفير الدكتور دوس سوريال عدلى دوس، سليل عائلة دوس الشهيرة باسيوط، هى أكبر فضيحة طائفية فى تاريخ وزارة الخارجية كله وأكثر قضايا الإضطهاد الدينى فجاجة فى تاريخ الدبلوماسية المصرية، وقد قمت بالاطلاع على أكثر من 300 صفحة من الوثائق أمدنى بها محاميه وأتحدى أن يناظرنى أى شخص حول هذه القضية الفضيحة، او يشكك فى كلمة مما جاء فى هذا التقرير.
تبدأ حكاية الدكتور دوس عقب تخرجه من جامعة عين شمس بتفوق وعمله كمعيد وحصوله على الماجستير فى الأقتصاد بمرتبة الشرف من جامعة عين شمس، ولأنه يتحدث خمسة لغات ويجيد تماما الإنجليزية والفرنسية وبالطبع العربية فقد تقدم للعمل كدبلوماسى بوزارة الخارجية والتحق بها بالفعل عام 1987. فى عام 1988 حصل على المركز الأول فى مسابقة عقدتها السفارة السويسرية بالقاهرة، وحصل بناء على ذلك على منحة لدراسة الماجستير فى الدبلوماسية الدولية متعددة الاطراف، وحصل على الدرجة بتفوق عام 1990، وقد أهله ذلك للعمل فى البعثة الدائمة لمصر فى مقر الأمم المتحدة بجنيف حتى عام 1996.فى خلال وجوده فى جنيف حصل على الدكتوراة فى العلاقات الاقتصادية الدولية مع مرتبة الشرف من المعهد العالى للدراسات الدولية بجنيف وعلى نفقته الخاصة.
فى عام 1996 طلبته المنظمة العالمية للملكية الفكريةWIPO، وهى أحدى وكالات الأمم المتحدة المتخصصة، للعمل كخبير بها، وقد وافقت الخارجية المصرية على ذلك.. واستمر بالعمل بها حتى عام 2003. عاد بعدها للعمل فى إدارة التعاون الدولى من آجل التنمية بوزارة الخارجية حتى ديسمبر 2004، تم نقله بعد ذلك إلى سفارة مصر بسريلانكا على درجة مستشار وهى الدرجة التى حصل عليها عام 2002. ثم فى أغسطس عام 2006 تم نقله كنائب للسفير المصرى فى نيقوسيا بقبرص السفير محمد عبد الحكم.
تبدأ قصة دوس الحقيقية، أو بمعنى أوضح متاعبه الحقيقة فى سفارة مصر بقبرص.أما لماذا تم نقله إلى قبرص تحديدا فذلك لوجود خلافات كانت ملتهبة بين الأقباط من ناحية وبين السفير محمد عبد الحكم ومدير مكتب المخابرات هناك عمرو حسين من ناحية اخرى، وهى قصة تحتاج إلى مقالة اخرى توضح كيف يخطط جهاز المخابرات العامة سياساته بشكل عدائى ضد الأقباط سواء فى الداخل أو الخارج. وكان نقل قبطى لقبرص كنوع من تخفيف هذا التوتر الشديد فى علاقة الكنيسة القبطية بسفارة فى الخارج.
كانت المفاجأة الصاعقة بعد وصول الدكتور دوس بشهرين فقط إلى قبرص، حيث ارسل الوزير احمد ابو الغيط السفير احمد راغب، معاون وزير الخارجية فى ذلك الوقت، للتحقيق معه فى شكوى قدمها ضده السفير محمد عبد الحكم، وكانت الاتهامات الأربعة المذهلة وغير المسبوقة فى تاريح الدبلوماسية المصرية كالآتى:
● تسريب أسرار السفارة إلى الكنيسة القبطية فى نيقوسيا.
● تسريب الأسرار إلى الأقباط فى قبرص
● وجود علاقات بينه وبين البابا شنودة وكبار رجال الكنيسة
● الكنيسة تنهى له جميع اعماله وتقوم بمساعدته فى كل شئ بما يؤيد فكرة هذا التعاون.
تلخيص هذه الاتهامات المشينة أن الكنيسة وعلى رأسها البابا شنودة تتجسس على الدولة المصرية ومؤسساتها السيادية، وأن هناك طابور خامس قبطى يفشى أسرار الدولة للكنيسة.!!!
قام السفير المحترم احمد راغب بالتحقيق مع السيد دوس فى كافة هذه الاتهامات، وقابل كاهن الكنيسة والكثير من أبناء الجالية القبطية هناك وتبين له أن هذه الاتهامات ملفقة ومغرضة ومعيبة، والاخطر انها تهدد الوحدة الوطنية. وكانت نتيجة التحقيق هى الحفظ وعدم توقيع أى عقوبة. وبعد عام تم استدعاء السفير محمد عبد الحكم للقاهرة وإرسال السفير احمد راغب ليحل محله( هو نفس السفير الذى حقق مع دوس، وهو أيضا سفيرنا فى قبرص حتى كتابة هذه السطور)، بل أن السفير الجديد احمد راغب أرسل خطابا ممتازا للخارجية المصرية بعد وصوله بثلاثة أشهر أمتدح فيه وطنية الدكتور دوس ونزاهته وشرفه وكفاءته، وفى نهاية السنة ارسل تقريره السنوى عنه بتقدير ممتاز مكررا الإشادة بنزاهته وكفاءته وبأنه شخصية مشرفة للدبلوماسية المصرية كما أن زوجته، كما جاء فى خطابه: سيدة محترمة ومشرفة وعضو بارز فى مجتمع زوجات الدبلوماسيين التى ترأسها حرم السيد الرئيس.
ما هى المشكلة إذن؟.
كان من المتصور أن هذا الكلام المنصف، وهذا التقرير الممتاز، وبقاء دوس فى منصبه فى السفارة بقبرص وعدم الإستجابة لطلب السفير عبد الحكم بنقله إلى الديوان العام بالقاهرة، يعنى تراجع الخارجية عن الاتهامات الحمقاء التى وجهتها له بالتجسس لصالح الكنيسة القبطية، ولكن هذا للأسف لم يحدث!!!
فى يناير 2008 تم تخطى الدكتور دوس فى الترقية إلى درجة وزير مفوض، وفى يناير 2009 تم تخطيه مرة أخرى فى الترقية، وتكرر نفس الكلام فى يناير 2010... مع كم هائل من المضايقات الصبيانية وتصرفات الحوارى معه بعد رجوعه إلى ديوان عام الوزارة بالقاهرة بعد انتهاء مدته بقبرص.
لم تترك الوزارة له طريق سوى مجلس الدولة للتظلم من هذا الإضطهاد، فقام برفع دعوى قضائية رقم 38635 لسنة 62 ق أمام محكمة القضاء الإدارى، وقد جاء تقرير مفوض الدولة الذى كتبه السيد نبيل صلاح السماك فى أغسطس 2009 ناصا على قبول الدعوى شكلا ومضمونا وترقيته حيث أن وزارة الخارجية لم تقدم سوى كلام مرسل واتهامات غير مثبتة، ولم تقدم أية وقائع محددة تنال من كفاية المدعى وصلاحيته للترقية، وحيث أنها اقوال مرسلة ولم يثبت فى حقه على وجه القطع واليقين الأتهامات الموجهة اليه. ولكن المفاجأة جاءت فى حكم المحكمة الصادر بتاريخ 22 نوفمبر 2009 الذى جاء ضاربا عرض الحائط بكل المستندات وبتقرير مفوض الدولة وجاء فى نص الحكم: أن المدعى يقوم بتهريب الأسرار للكنيسة وللبابا شنودة وكبار رجال الدين وللجالية القبطية. وكانت هذه هى الفضيحة الكبرى، من أين جاء القاضى بهذا الكلام؟ وما هى المستندات التى اعتمد عليها حتى يخرج نص الحكم بهذه التهمة الحمقاء؟. فما كان من محامى المدعى السيد احمد فؤاد ابراهيم، وهو سفير سابق بالخارجية أيضا، سوى مقابلة رئيس مجلس الدولة واخباره بأن هذا حكم شاذ ويدمر الوحدة الوطنية علاوة على عدم وجود أى سند يؤيده. فماذا حدث؟. تم التحفظ على الحكم فورا لمدة شهر، واعيد مرة اخرى ولكن بتهمة جديدة وهى كما جاء بنص الحكم quot; أن المدعى لا يمكن الثقة فيه ولا يؤتمن على قيامه بمهام أعمال سكرتير الرمز والأمن الاحتياطى بالسفارة حيث يقوم بتهريب المعلومات الخاصة بعمل السفارة لأعضاء الجالية وللقبارصةquot;.... هذه تهمة أخطر، معناها التجسس لصالح دولة اجنبية وأيضا لصالح أعضاء الجالية المصرية كلهم فى قبرص وليس البابا شنودة والأقباط فقط، أى جملة من الاتهامات بالعمالة والخيانة!!!يا للهول كما قال وبحق يوسف باشا وهبى!!!....وهى تهم كما هو واضح لا تستدعى حرمان المدعى من الترقية فحسب بل تستوجب أعدامه أو الحكم عليه بالمؤبد من جراء هذا العمل الشنيع الذى اتهمته به المحكمة!!!... من أين جاءت المحكمة بهذا الكلام وهذه الافتراءات المختلقة؟ الأجابة لا نعرف؟.
وإذا كان المتهم بهذا السوء فعلا فلماذا تأتمنه الدولة فى منصبه الحالى على أهم ملف للأمن القومى وهو ملف مياه النيل؟، حيث يشغل حاليا الرجل الثانى فى مكتب نائب مساعد وزير الخارجية لشئون مياه النيل، فكيف لا يؤتمن على الشفرة السرية وهو مسئول عن ملف مفاوضات مياه النيل؟، وكيف لشخص بهذا السؤء يحصل على 18 تقرير ممتاز خلال مدة عمله وتقرير واحد بدرجة كفء؟ ويحصل على 12 تقرير ممتاز خلال مدة عمله فى المنظمة العالمية للملكية الفكرية؟، وكيف يتجرأ القاضى على مثل هذه التهمة والمدعى لم توقع عليه أى عقوبة أو جزاء طوال مدة خدمته كلها الممتدة منذ عام 1987؟ وكيف يستند القاضى على ما جاء فى مذكرة السفير محمد عبد الحكم والتى سبق التحقيق فيها وتبرئة المدعى مما جاء بها من اتهامات كيدية مغرضة؟.
على العموم حكم المحكمة وتقرير مفوض مجلس الدولة والعديد من الوثائف التى اودعها الشاكى موجودة فى ملف القضية بمجلس الدولة ويمكن لأى صحفى الاطلاع عليها.
فى محاولة لفك لغز هذه القضية لم يكن أمامى وانا اقرأ ملفات هذه القضية سوى الاتصال بكبار الشخصيات القبطية فى قبرص لمعرفة خفايا هذه القضية، وقد علمت منهم أن المستشار دوس ليس له أى دخل فى خلاف السفير عبد الحكم مع الجالية القبطية بقبرص، وإنه جاء على هذه الخلافات، وقد استقبله السفير اسوء استقبال لدرجة إرسال السائق جورج حبشى بسيارة نصف نقل لإحضاره من المطار، نائب سفير يستقبل فى سيارة نصف نقل؟؟؟!!!، كما أنه لم يعهد اليه بأى مسئولية حتى ينقل اسرارها إلى الكنيسة، وعلاوة على ذلك أن المستشار دوس نفسه لا يحضر اصلا للكنيسة للصلاة حتى يحتك بأحد، ودوره فقط هو توصيل زوجته إلى باب الكنيسة بدون الدخول إلى داخل الكنيسة كما قال لى الكاهن زكريا الأنبا بولا. وقد علمت أن السيد رئيس المخابرات عمر سليمان قد تصرف بمسئولية رجل الدولة وقام بسحب السيد عمرو حسين واغلق مكتب المخابرات بالسفارة من آجل لملمة الفضيحة، كما قامت الخارجية باستبدال السفير عبد الحكم بشخصية متميزة وهو السفير احمد راغب... وقد عادت علاقة الكنيسة والجالية القبطية بالسفارة إلى وضعها الطبيعى كعلاقة يسودها الود والمحبة، بل قامت الكنيسة وابناء الجالية القبطية بقبرص بنشر اعلان شكر بجريدة الأهرام شكراوا فيه السفير احمد راغب على روحه السمحة الطيبة، وشكروا معه جميع السفراء السابقين فى قبرص واستثنوا فقط من الشكر السفير محمد عبد الحكم.... وهى رسالة لها معناها ومغزاها.
يبقى من ذيول الموضوع مشكلة المستشار دوس عدلى دوس، وعلى وزارة الخارجية المسارعة بغلق هذا الملف الشائك وترقية السيد دوس وإعادة مستحقاته باثر رجعى قبل أن يتطور الموضوع وتصل الفضيحة إلى المجتمع الدولى...فالتشكيك فى وطنية الأقباط علاوة على حماقته ومخالفته لتاريخهم الوطنى المشرف، هو المسمار الأخير فى نعش العلاقة المتوترة بين المسلمين والأقباط، كما أنه يشكل أكبر خطر على الأمن القومى المصرى وعلى الوحدة الوطنية والسلام الإجتماعى، فقد يتحمل ويصبر القبطى على التمييز والإضطهاد الواقع عليه ولكنه يرفض وبإصرار أن يمس أحد وطنيته واخلاصه لبلده.
[email protected]
التعليقات