مازلنا نستعرض كتاب quot;التعليم والمواطنةquot; الصادر فى يناير 2010 عن أوراق وابحاث المؤتمر الثانى لمناهضة التمييز الدينى.فى المقال الأول أستعرضنا أختراق الإسلام السياسى للعملية التعليمية على كافة مستوياتها ، وفى المقال الثانى تناولنا المناهج التعليمية وما تحويه من مواد ضد العقل والعلم وضد غير المسلم وضد شركاء الإنسانية جمعاء.وفى هذا المقال الأخير نستكمل الأضلاع الثلاثة بتناول المناخ المحيط بالعملية التعليمية فى المدارس والجامعات وبين أساتذة الجامعات من خلال ثلاثة أوراق مهمة. نبدأ بالمدرسة بورقة الأستاذة هالة طلعت عن quot; المناخ التعليمى بالمدرسة وتعزيز التطرفquot;، والعنوان نفسه يكشف ما تحتويه الورقة وتلخصه بحقيقة مؤلمة عن تفشى جميع مظاهر التطرف فى المدرسة طلابا ومعلمين،وموجهين،وإدارة تعليمية، ومناخ مدرسى عام لا ينتج سوى التطرف والتمييز. وتحذر هالة من أن هذا الخطر يهدد نسيج الوطن المترابط والمتداخل منذ آلاف السنين بخلق جيل جديد عنصرى ومتطرف لا يستطيع التعامل مع من يختلف معه فى الرأى أو العقيدة. وتسرد هالة فى ورقتها بعض مظاهر الأسلمة الفجة التى تدمر تماما الغرض من العملية التعليمية برمتها حيث تفتخر المدارس بأن أهم الانجازات هى الفوز فى مسابقة تحفيظ القرآن، وحينما يتصدر النشاط المدرسى نشاط حفظ وتجويد القرآن، وحينما تتحول الإذاعة المدرسية إلى منبر دينى مثل المسجد، وحينما يتبع تحية العلم ترديد أدعية دينية إسلامية، وعندما تكون الاحتفالات المدرسية خاصة بالمناسبات الدينية الإسلامية فقط، وعندما يحاصر المدرسون الطالبات والمدرسات غير المحجبات ويلححن عليهن بلا كلل بالمواعظ الدينية لإجبارهن على أرتداء الحجاب،ويصل الأمر لإطلاق الشائعات المشينة على غير المحجبات كنوع من الإرهاب لكى ترضخ وتضع الطرحة على رأسها، وتعلق على ذلك بقولها من ملاحظتى أنه من جراء ذلك أن كثير من الفتيات يلتزمن بالمظهر الدينى ويفعلن ما يريدون خلاف ذلك فى الخفاء مما يخلق حالة من الازدواجية وعدم التوازن يبنى عليها كل اختياراتهم المستقبلية.... بأختصار كما تقول يغلب الخطاب الدينى على كل جوانب العملية التعليمية بالمدرسة بداية من طريقة تنظيم العمل إلى العلوم التى تحولت إلى حرام وحلال كما يحرم المدرسون العداسات الطبية الملونة كمثال، وليس نهاية بالامتحانات والتى لا تخلو من حشر أسئلة دينية خارج السياق حتى فى العلوم التطبيقية.
ونترك ورقة هالة طلعت إلى ورقة الدكتور سالم سلام عن المناخ الجامعى وظاهرة السى اتش،أى تجمع الطلاب المسيحيين فى ركن من أركان الجامعة لوحدهم ،ويعلل ذلك بأن الأنشطة الوحيدة المسموح بها هى أنشطة تيار الإسلام السياسى والتى فى مجملها تركز على التدين الشكلى وتدعو لفصل الطلبة عن الطالبات ولإرتداء الحجاب وتحرم الأنشطة الثقافية والفنية،بالإضافة إلى الأنشطة التى يقوم بها طلاب الإدارة والأمن ولجنة السياسات مثل حفلات سعد الصغير وحماقى ومهرجانات رياضية بالطبل والزمر فى حالة فوز مصر أو النادى الأهلى... والمطلوب من الطلبة الأقباط أن يتعاونوا مع الجماعات الإسلامية أو مع الأمن، فاختاروا الأكثر لياقة وهو التجمع لوحدهم.
وينقل دكتور سالم سلام عن مراسلة الواشنطن بوست فى القاهرة إلين نيك ماير فى تحليلها لظاهرة عزلة الأقباط والتى لخصتها فى ثلاثة عوامل رئيسية وهى العنف المتزايد ضدهم مما جعلهم لا يحسون بالأمان فاتجهوا للعزلة،والسبب الثانى صعود تيار الأخوان المسلمين والأفكار الوهابية التى تؤكد على أن أهم ما يميز الإنسان هو ديانته وطبعا ديانته الإسلامية، والسبب الثالث دور البابا شنودة الثالث فى حياة الأقباط ومحاولته خلق مناخ جاذب للأقباط داخل الكنائس بعيدا عن هذا المناخ الدينى الملوث بعوامل الفرز والتمييز. ويرجع الدكتور سالم سلام تاريخ ظهور ظاهرة السى أتش داخل الجامعات إلى عصر السادات الذى أعلن أن مصر دولة مسلمة فيها أقلية مسيحية وأن الدين هو أهم ما يميز حياة الإنسان ولهذا سمى نفسه بالرئيس المؤمن، وما ترتب على ذلك من تنامى دور الإسلام السياسى الوهابى من مظاهر التدين الشكلى فى الملابس والممارسات. ويسلط الدكتور سلام الضوء على دور الأمن فى خلق المناخ الطائفى بحيث يبدو أن التنافس الوحيد بين الجماعات المتطرفة والأمن هو فى كيفية تدمير الوحدة الوطنية والسلام الإجتماعى. ويسرد دكتور سلام واقعة معبرة عن دور الأمن فى الأحداث بأنه أثناء زيارة قداسة البابا لبنى مزار عمل الطلبة الأقباط بجامعة المنيا على تنظيم حفل أستقبال ضخم لقداسته ولكن الأمن عكر على الحفلة بأن أعلن عن أحداث طائفية فى المدينة الجامعية،وأن طالبة مسيحية كتبت سباب للرسول والإسلام على الحائط، وكان هذا حادثا مفتعلا خلقه الأمن للتعكير على صفو الزيارة ومن ثم الغاء الحفلة.
كما يذكر د. سلام فى ورقته حقيقة خطيرة يعرفها المتابعون وأنا هنا أنقلها بالنصquot; أن سمير لولى الذى ذكر أسمه فى أحداث أبو فانا، فى الحقيقة ليس شيخا ولكنه نصاب وبلطجى وكان مرشدا للأمن،والأمن هو الذى دبر معه الأحداث بكل تفاصيلهاquot;. هذا ما يقوله أستاذ جامعى مرموق وهو الأستاذ الدكتور سالم سلام أستاذ طب الأطفال بجامعة المنيا والملم بكافة الأحداث هناك.
ويختتم الدكتور سلام ورقته بعبارة للدكتور حسام عيسى يقول فيها: أن الدولة التى يزدهر فيها الدينى لا بد أن تعود للماضى وتتخلف،أما الدولة التى يزدهر فيها السياسى دائما تتقدم،أى أنه كلما كانت الصراعات مدنية وسياسية فأن الصراعات تكون على قضايا محددة وتعطى فرصة للأبتكار وتدفع المجتمع للأمام.
وننتقل للورقة الأخيرة وفيها يستعرض المهندس عادل جندى بالأرقام التهميش الواقع على الأقباط فيما يتعلق بسلك التدريس فى الجامعات المصرية، حيث يكون التجفيف من المنبع وحيث يحرم الأقباط بشكل تام من تولى المناصب الجامعية القيادية، والورقة زاخرة بالكثير من الأرقام المؤلمة عن تدهور وضع الأقباط فى مناصب السلك الجامعى.
لقد أعادنى الدكتور سالم سلام إلى المناخ المنفر فى الجامعات المصرية،فعلى الرغم أننى كنت أدرس فى ثمانينات القرن الماضى فى كلية عريقة وهى كلية الأقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ورغم أنها كانت أفضل كلية فى الجامعات المصرية قاطبة وقتها من حيث الامكانيات الوفيرة وقلة عدد الطلاب والانفتاح على الخارج والمناخ التعليمى الصحى ،إلا أننى اتذكر أن جميع الأسر الجامعية وقتها كانت بمسميات دينية مثل أسرة خالد بن الوليد، وأسرة ابو بكر الصديق، وأسرة عمر بن الخطاب، ولم اجد أسرة بأسم الدكتور طه حسين،أو د. مصطفى مشرفة،أو بأسم المفكر الليبرالى المرموق أحمد لطفى السيد أول رئيس لجامعة القاهرة، وكنت أقول لنفسى إذا كان هذا يحدث فى أفضل كليات الجامعات المصرية فماذا يحدث فى الاقاليم؟. الوضع الآن بعد ربع قرن من تركى للجامعة تغير تماما وربما يندر أن تجد فتاة مسلمة غير محجبة فى الجامعات الحكومية فى مصر.
لقد لخص الأستاذ بهى الدين حسن القصة كلها فى ورقته بقوله quot; أن مؤسسات الدولة هى المسئول الأول عن تفشى التمييز الدينى فى مصر. هناك بالطبع مسئولية للإسلام السياسى ولمؤسسات أخرى حتى غير دينية، ولكن المسئول فى المحل الأول والثانى والثالث وأقول حتى العاشر هو الدولة....هناك بعض أجنحة فى الحكم لها مصلحة سياسية فى تكريس التمييز الدينى وتوتير العلاقات بين أتباع الديانات والطوائف المختلفةquot;.
ما جاء فى سلسلة المقالات هذه يمثل غيض من فيض عن ما يحدث فى التعليم فى مصر، والمستقبل هو ما نصنعه الآن...وأترككم الآن لتخيل شكل المستقبل وشكل الحياة فى مصر بعد ربع قرن آخر من الزمن.
- آخر تحديث :
التعليقات