من اجل تأصيل نشوء الأديان والمذاهب.. يجب التفريق بداية ما بينها وبين الله تعالى، فمناقشة تاريخ واحكام ومعتقدات الاديان والمذاهب لاتعني الكفر والإلحاد ابداً، لأن كل ماهو تاريخي أرضي له علاقة بالانسان من حقنا مناقشته ونقده بغية تعميق الإيمان بالله بشكل عقلاني معرفي ينسجم مع مفاهيم عدالة الله ورحمته وجماله المطلق بعيدا عن تراكمات التاريخ والصراعات والايديولوجيات واسقاطات الافراد والجماعات لأفكارها ومشاعرها وموروثاتها على طبيعة العلاقة الروحية التي تربط الانسان بالخالق.
لم يكن ظهور الشيعة والسنة في الاسلام خروجاً عن القاعدة السائدة في كافة الأديان طوال التاريخ التي سرعان ما تنشطر الى مذاهب وفرق لأسباب مختلفة يجمعها قاسم مشترك واحد وهو ان الافكار والمعتقدات حينما يتم تداولها بين الناس تصبح محكومة بقانون الاختلاف في الفهم والتفسير والتأويل والتوظيف والأستثمار، وبخصوص الشيعة والسنة كانت لحظة اجتماع (( السقيفة )) لأختيار الخليفة هي اللحظة المؤسسة لبروز تيارين تصارعا على السلطة ثم انشطرا فيما بعد الى عدة فرق فرعية.
وحسب ما ظهر من سرعة الانقسام السريع بعد وفاة الرسول يمكننا القول ان ارهاصات هذا الانقسام كانت قد بدأت في حياته على يد تيار قاده بنو هاشم بحكم قرابتهم من الرسول، وتيار آخر تكون من الانصار والمهاجرين، وكان محور الصراع الخفي ومن ثم المعلن دار حول الامساك بالسلطة وليس الاختلاف في فهم وتفسير الدين والانقسام العقائدي والفقهي، فقد تعاملت الاطراف المتصارعة وفق آليات التنافس السياسي وما صاحبها من استعمال مختلف الاساليب لتحقيق اهدافها.
ومع تطور الاحداث واحتدام الصراع تحول الطرفان الى تنظيميين سياسيين هما : الشيعة والسنة، وقد أحتاجا الى مبررات دينية لكسب الشرعية واجتذاب الاتباع فقاما بأنتاج منظومة كاملة من الافكار والعقائد المبنية على التأويل الأيديولوجي للدين.. اذ أنتج التنظيم السياسي للشيعة مفاهيم: الخلافة الإلهية واصطفاء آلـ البيت والعصمة... وأنتج تنظيم السنة : مفاهيم عدالة الصحابة وغيرها، وهكذا اخذت ايديولوجيا كل حزب تنمو وتتسع وتجذب الجماهير حولها، وبمرور الزمن تحولت الى مذاهب مقدسة طغت حتى على صورة الله والإيمان به!
وقد كشفت لنا احداث التاريخ انه من فجر الصراع وقاده الى البروز عوائل محددة استطاعت صناعة التاريخ هي : عوائل بنو هاشم، وبنو أمية، وبنو العباس، هذه العوائل هي من كتب تاريخ تأسيس الشيعة والسنة وما تفرع عنها من فرق، وكانت جميع فصول ومراحل الصراع بينها يدور حول السيطرة على السلطة، وكان استعمال الدين مجرد وسيلة لتدعيم موقفها وتبرير مطالبة كل طرف بأحقيته في الخلافة والحكم ولم يكن الدين غاية بحد ذاته.
ولاننسى الدور الخطير الذي لعبه الفرس في تغذية الانقسام لدى كلا الطرفين، فقد كان أبرز المنظرين العقائديين للشيعة والسنة معا هم رجال الدين الفرس!
وما يؤسف له هو ان غالبية الناس، وحتى اكثر النخب المثقفة، تناست وتجاهلت ولاتريد التصديق ان الشيعة والسنة هما عبارة عن تيارين سياسيين نشئا نتيجة الصراع على السلطة واستعملا الدين للوصول الى هدفهما، وقد نتج عن هذا تاريخ طويل من الكراهية والاحقاد والمعارك الدامية، ويقينا ان الله تعالى رمز المحبة والرحمة والجمال والعدالة ليس له علاقة بكلا الطرفين فهما لايعبران عن عظمته ومايريده للانسان من خير وسلام والتعايش بمحبة مع الجميع.
والسؤال الذي يبرز عند النظر الى الاختلافات والصراعات بين كافة الاديان والمذاهب عبر مراحل التاريخ منذ الخليقة ولغاية الآن هو : ألا يجدر بنا ان ننظر بوعي نقدي ونتساءل حول مدى ارتباط هذه الاديان والمذاهب بالله، وانها لو كان مصدرها إلهي حقا فلماذا كل هذا الانقسام والإلغاء والتكفير؟
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات