أول مرة شاهدت د. السيد البدوي في حواراته على القنوات المصرية الخاصة أحسست أني اعرفه من زمان، وحين تابعت المناظرة التليفزيونية بينه وبين محمود أباظة رأيته يدافع بقوة عن مبادئ الوفد، ويشرح أسباب تراجع الحزب وجريدته، وتجميد اللجان النوعية للحزب كلجنة التعليم والصحة وغيرها التي يعتبرها بمثابة حكومة ظل على نمط حكومة الظل في بريطانيا، أعجبني في السيد البدوي انه رجل بسيط متزن يختار ألفاظه بعناية، يسوق لنفسه ولحزبه ببراعة، ويؤمن بأن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.


انتابني إحساس قوي بأنه الرئيس المقبل لحزب الوفد، الرجل لم يسع للمنصب وإنما المنصب هو الذي سعى إليه، والدليل انه لم يرشح نفسه لرئاسة الحزب إلا بعد تنازل فؤاد بدراوي عن الترشح ضد محمود أباظة، الأبرز في هذا المشهد الانتخابي انه يقدم نموذجا فريدا وعلامة سياسية فارقة في تاريخ التجربة الحزبية في مصر منذ عودة هذه التجربة التعددية في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عام 1976.


لقد قدم الحزب نموذجا ديمقراطيا رائعا بعد أن فاز الدكتور السيد البدوي بجدارة بفترة رئاسة لمدة 4 سنوات، ليؤكد الحزب من جديد انه حزب الليبرالية الحقيقية في مصر بدليل هذا التداول السلمي للسلطة، في ظل نظام سياسي يعاني الارتباك والفوضى، ولا يؤمن بمبدأ تداول السلطة، يحكم بقانون الطوارئ الذي يبدأ تطبيقه منذ بداية يونيو حتى يحافظ على بقائه، ويغتال كل أمل يبزغ لانتشال مصر من حالة التردي على كافة الأصعدة.


إن فوز السيد البدوي لخير دليل على أن الوفديين يريدون التغيير، وإن الحزب سيعود بقوة لإثراء الحياة السياسية، وتقديم مثالا لجميع المؤسسات في الديمقراطية والشفافية في الانتخابات، وفتح باب الأمل لتغيير هذا النظام الفاسد الجاسم على صدور المصريين منذ ثلاثة عقود، وملايين المصريين يتوقون لهذه اللحظات لأنه شعب حي قادر على الاختيار الصحيح، إذا توافرت انتخابات تعددية نزيهة في ظل دستور يليق ببلد عريق.

لقد قدم الوفديون إلى شعب مصر هذا النموذج الرائد في الديمقراطية، وتداول السلطة وأعادوا أمجاد الآباء الأوائل المؤسسين لحزب الوفد مثل سعد زغلول ومصطفى النحاس وفؤاد باشا سراج الدين كان الوفد حينها quot; بيت الأمةquot;. إن المسؤولية الملقاة على عاتق الرئيس الجديد للحزب كبيرة، وأولها التواصل مع الشارع المصري الذي ترسخ في ذهنه أن هذه الأحزاب كرتونية، وان يعيد صحيفة الوفد إلى سابق عهدها، اذكر ونحن في الجامعة كنا ننتظر جريدة الوفد بفارغ الصبر الذي فاق توزيعها الثمانمائة ألف نسخة، وأن يستقطب العناصر الشابة المثقفة وضخ دماء جديدة في شرايين الحزب.

لقد حقق الوفد في هذه الانتخابات الأخيرة ما عجزت عنه جميع الأحزاب المصرية التي تعاني انفراد بعض الأشخاص فيها بالسلطة، وتوصد الأبواب أمام كوادرها في تحقيق تجربة ديمقراطية حقيقية بانتخابات نزيهة، وأصبح الصراع على السلطة الوهمية بين هذا الحزب أو ذاك من الضحكات المبكيات، ففشلت في أن تكون أحزابا جماهيرية وتحولت إلى أحزاب أفراد باتت حبيسة داخل جدران مقارها، ولم نسمع عن رئيس حزب ترك رئاسة الحزب بالاستقالة أو نتيجة انتخابات باستثناء مؤسس حزب التجمع خالد محيي الدين الذي استقال من الحزب بعد تقدمه في العمر، بقية رؤساء الأحزاب ظلوا حتى وفاتهم، فحدثت الانشقاقات والصراعات، وأصبحت أخبارها مادة صحفية مسلية ومبكية على ما وصل إليه حال هذه الأحزاب، فهل تنعكس أصداء ما حدث في انتخابات الوفد على باقي الأحزاب الأخرى التي هي في حالة موت سريري؟ ربما تدب فيها الحياة من جديد.
الفائز في هذه الانتخابات ليس الدكتور السيد البدوي وحده، ولكن كل حزب الوفد والحياة السياسية في مصر بأكملها،لقد أثبت هذا الرجل قدرته على العودة ولم الشمل والتوحد خلف راية quot; الوفدquot;، وكان مشهد عناق وتصافح الدكتور السيد البدوي والدكتور محمود أباظة بعد إعلان نتيجة الانتخابات بمثابة رسالة أراد الوفد أن يرسلها لجميع الأطياف السياسية في مصر، وعلى رأسها الحزب الوطني الحاكم، بأن الوطن يحتاج إلى التغيير الفوري والشامل قبل أن تقع الكارثة حينها لن ينفع الندم.
إعلامي مصري