يزمع القس تيري جونز التابع لكنيسة دوف وورلد اوتريش سنتر الصغيرة، كما أشاع على إحراق نسخ من المصاحف ، في يوم الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) الحالي والمصادف للذكرى التاسعة لعملية تدمير برجي نيويورك او لاعتداءات 11 ايلول 2001.
لنتساءل ماذا يريد أن يقول هذا الرجل بعمله المشين هذا، أليس كما قال إنه في ذكرى هجمات الحادي عشر من أيلول، أي أن عملية الحرق تاتي ردا أو انتقاما لما فعله بعض أتباع التيار الإسلامي المتطرف، وبهذا المحاولة فإن هذا القس يناقض ما بشر به الإنجيل ورسالة السيد المسيح، حينما طالبنا بان نسامح من يعتدي علينا وأن نغفر للاعنينا.
نحن نعتقد أن ما قامت به منظمة القاعدة في الحادي عشر من أيلول، لم يكن في إي صورة من الصور، عملايمكن أن يتم تفهمه أو اعتباره ردا لسياسة قد يرونها خاطئة، أو لأنه كان ردا لظلم لحق بهم أو بالأمة الإسلامية، أو حتى انتقاما للقضية الفلسطينية التي صارت كقميص عثمان ترفع متى شاء البعض القيام باحتلال بلد عربي (الكويت) أو تدمير بلد عربي (لبنان) أو حتى الانتقام في الواق واق. كان عملية الحادي عشر من أيلول نتيجة لثقافة الكره والحقد والذل والتراجع العام في الواقع العربي الإسلامي، جراء انغلاق الدول الإسلامية عن الأخذ بأسباب التطورات على المستوى الحريات الفردية أو الاندماج في العالم المتعدد الثقافات.
إن الرد الحاسم على ما فعلته وتفعله التنظيمات الإسلاموية المتطرفة، وبالأخص استهداف الأقليات الدينية ومحاولة فرض نمط معين من الإسلام هو الأشد تطرفا، لن يكون باتباع أساليبها أو الامتثال لضغوطها، وبردات فعل تكون نتائجها في غير صالح الإسلام المتصالح والمتعايش مع العالم والتي بدأت بوادر تقدمه في السنوات الأخيرة. فنحن بتنا نشاهد ونسمع المزيد من علماء المسلمون وهم ينتقدون الممارسات الهمجية لتنظيمات مثل القاعدة. ليس هذا فحسب وإنما إعادة تفسير الكثير من الموروث الديني بما يتوافق مع العصر وروحيته. إن محاولة القس جونز ترمي بلا شك إلى وقف هذا المد المرحب به عالميا، ودعم التيار المتشدد، كرد فعل لما قام به مثل هذا القس.
إن شيوع ثقافة التحكم العاطفي بممارسات الغالبية في منطقتنا يقودنا إلى هذه النتيجة بلا شك، فالناس تحكم على المظاهر في الكثير من الأحيان، وليس إلى التحليل المنطقي، لمعرفة أبعاد القضية أو الفعل الممارس. هنا بلا شك يمكننا الاستعانة بمثال يمكن أن يساعدنا كثيرا في فهم آليات عمل الطرفين القس جونز وكنيسته والمتشددين الإسلامويين، أنهم يتغذون أحدهما من تشدد الطرف الآخر. كما هو حاصل في بين الفلسطينيين والاسرائيليين حينما تساعد عمليات حماس على كبح جماح المعتدلين الاسرائيليين وترتفع شعبية اليمين المتطرف، وبالمقابل أن ممارسات اليمين الإسرائيلي تساعد منظمة حماس على البقاء والاندفاع وحصد شعبية لم تحلم بها. إن عملية عيش المتطرفين المتعاديين على ممارسات أعداءهم في الطرف الآخر وزملاءهم في التطرف، هي نتيجة تخطيط مسبق ورغبة، وليس عملية متروكة للمصادفة. ومن هنا نرى أن ما يرمي إلى فعله هذا القس، إنما هو عملية مخططة من قبل مجموعة متطرفة، لا يهمها مصير الشعوب، ولا حتى مصير أبناء شعبهم من الأمريكان، بل المهم لديهم هو العمل لتهيئة الظروف لتطبيق أيدولوجيات معينة أو لتحقيق نبوآت يعتقدون أنها لا محال متحققة وما عليهم إلا العمل للإسراع في ذلك.
إن العالم الإسلامي اليوم هو بحاجة لرسالة أخرى، وهي أن التعايش والتفاهم والانفتاح على قيم العصر، هو الطريق الوحيد لكي يمكن للعالم أن يتقبل العالم الإسلامي كجزء من منظومة الدول القائمة. وهذا لن يتأتى من خلال ممارسات استعراضية، كما ينوي القس جونز فعله. بل من خلال سياسية قوية، تقول إن العالم يرحب بالعالم الإسلامي المنفتح والمتقبل للآخر والذي لا يخلط بين المصالح وبين المعتقدات. سياسة تقول إن الدول الإسلامية بغالبيتها هي دول فاشلة، وتنخرها الانقسامات والحروب الأهلية، وهذه لن تحل بمحاولة فرض الإرادة، بل بمنح الحقوق الفردية والجماعية للأقليات الدينية. والمساح لهذه الأقليات بإبراز ثقافتها والفخر والاعتزاز بها، ومشاركة الدولة في مساعدة مواطنيها من الأقليات على الارتقاء بأنفسهم من كل النواحي.
أغلب الدول الإسلامية موقعة على ميثاق حقوق الإنسان والمواثيق المماثلة، والتي هي نتيجة لفكر الإنسان وحاجاته، اليوم صار مطلوبا أن يقترن هذا التوقيع بالتطبيق الفعلي. بمثل هذه الرسائل يمكن الرد على الحادي عشر من أيلول، لأن هذه الرسائل ستجد دعما ومؤازرة من المسلمين أو الغالبية منهم، لأنه فيها تتحقق مصالحهم وتصان كرامتهم، ويمكن أن ينعتقوا من الخطاب البليد والذي يرمي كل مصائبهم على القوى الأخرى، وبالأخص الغربية منها.