ذات يوم، وجد رجل فقير معدم مصباحا سحريا، ولما فرکه خرج له عفريت من الجن و هتف بالرجل قائلا: شبيك لبيك، عبدك بين يديك، أطلب ماشئت فإن طلباتك مجابة! ففرح الرجل بهذا الکلام فرحا شديدا حتى کادت روحه تخرج من بين أضلعه من جراء ذلك، وبلع ريقه بصعوبة وهو يطرح الطلب الذي طالما حلم به، حينما أجاب العفريت بقوله: أريد قصرا منيفا! نظر إليه العفريت ملية، وبعد أن صمت لوهلة، علت وجهه إبتسامة بالغة الخبث وهو يجاوب الرجل المتحرق شوقا لطلبه: أيها الغبي! لو کنت قادرا على توفير قصر لك، هل تصدق بأنني کنت سأبقى لابثا في هذا المصباح الصغير؟!

هذه الطريفة التي تحمل في ثناياها الکثير من المعاني و العبر البليغة، تذکرتها وانا أتابع ماأصطلحوا في طهران على تسميته بيوم القدس العالمي و الذي يصادف آخر جمعة من کل شهر رمضان في کل عام، ومن خلال هذه المناسبة السياسية الملفتة للنظر، يسعى النظام الايراني کدأبه لإستدرار العطف و التضامن العربي ـ الاسلامي کي يبدو في نهاية الامر وکأنه وصيا او وليا مخولا بشأن قضية القدس وقد سيتملك البعض العجب من ربطي لهذا النشاط السياسي الايراني بتلك الطريفة و العلاقة الممکنة بينهما، لکن هذا الامر سيطلع عليه القارئ الکريم في السياق.

القدس، التي حررها ذات يوم القائد صلاح الدين الايوبي بعد أن خاض حروبا مريرة ضد الصليبيين، يسعى النظام الايراني اليوم و بعد کل هذه السنين لکي يظهر نفسه بمظهر صلاح الدين الالفية الثالثة بعد الميلاد، وهو أمر قد أنطلى و ينطلي على الکثير من الناس البسطاء و ذوي السريرة النقية (ولانقول السذج)، بل وحتى أن أناس بمستوى برلمانيين وساسة عرب، يؤمنون بذلك و يخطبون به في مناسبات متباينة حينما يدافعون عن البرنامج النووي الايراني و يعتبرونه في خدمة الاسلام و المسلمين و أمرا معاديا و موجها بالاساس ضد إسرائيل!!

القدس المسکينة التي سعى العديد من القادة و الزعماء للظهور بدثار و رؤية صلاح الدين بصددها، وفي النهاية جنوا على أنفسهم قبل أن يجنوا عليها، لم تعد الشعوب العربية و الاسلامية تنبهر و تؤخذ بالمزيد من الذين يقسرون أنفسهم لکي يتقمصوا شخصية صلاح الدين الاکبر و الاعظم واقعا من حجومهم المتاوضعة(ولانقول الضئيلة)، خصوصا وانهم يسيرون بطريق و يتبعون اسلوبا و تعاطيا يختلف أشد الاختلاف عن ذلك الذي کان يتبعه و يتعاطاه ذلك القائد الاسلامي الذي کسر شوکة التحالف الصليبي الجرار على بيت المقدس و ضرب أکبر الامثلة في البطولة و الاباء، ولم نقرأ في الکتب التأريخية بأن صلاح الدين الايوبي قد قام بظلم او هضم حقوق المسلمين لکي يحقق نصرا او مکسبا سياسيا او عسکريا، صلاح الدين لم يقم بتجويع المسلمين و لاإرعابهم او زجهم في غياهب السجون لکي يقهر من خلال ذلك الجيوش الاوربية الجرارة فالنصر لن يتحقق مطلقا على يد شخص مسلوب الارادة و مرعوب و مفرغ داخليا وانما النصر دوما يحققه الاحرار و أصحاب الارادة الحرة، صلاح الدين لم يقطع من لقمة و حياة و أمن المسلمين کي يقدم لهم کي يوظف ذلك في خدمة حروبه المقدسة ضد الصليبيين، وانما کان يسعى أساسا لتوفير المزيد من الحصانات لعدم تغيير المعادلة الحياتية للأمة التي حددها القرآن الکريم بکلمات قصار لکن معبرة أيما تعبير حينما قال:( الذي أطعمهم من جوع، و آمنهم من خوف)، والحق أن أمة تعاني من الجوع و تفتقد الامن و الامان و يهيمن عليها الخوف، لن تکون أبدا جديرة بتحقيق مکتسبات عظيمة و مآثر مجيدة في تأريخها.

في طهران و في عموم المدن الايرانية، حيث بإمکان المرء و بسهولة أن يرى و بالعين المجردة تفشي ظاهرة الفقر حيث باتت نسبة کبيرة تجاوزت الحدود المألوفة و المتعارف عليها لتصل الى رقم 85% من الشعب الايراني الذي يعيش تحت خط الفقر، وفي طهران لوحدها التي ذکرت تقارير مسربة من أوساط تعمل داخل إيران، هناك أکثر من 300 ألف بنات هوى أحترفن هذا العمل الرذيل من أجل کسب لقمة العيش بعد أن ضاقت بهن السبل، إيران التي تعوم على بحيرة من النفط و الغاز و تمتلك مخزونا هائلا منهما و من معادن مهمة أخرى بالاضافة الى خيرات کثيرة أخرى، ينظر الشعب الايراني بحسرة الى أموالهم النفطية و هي تتسرب عبر بوابات مختلفة الى دول محددة و في سبيل برامج معينة، وحتى أن هذا الشعب عندما ضاق ذرعا باوضاعه البائسة التي طفقت تسير من السئ الى الاسوأ، فاجأ العالم کله بتلك الشعارات التي أطلقها في مظاهراته ضد النظام و التي أثبتت بحق واقع الامر و حقيقة الاوضاع في إيران، الشعب الايراني هتف بوجه النظام قائلا:( نهzwnj; غزة نهzwnj; لبنان جانم فداي إيران) أي لاغزة و لا لبنان روحي فداء لإيران! فعن أي قدس يتحدث ملالي طهران؟ وأي مشروع لتحرير هذه المدينة السليبة يطرحون؟ إذا کان هذا النظام بحق نظام متکامل و مثالي کما يدعي في أدبياته و في وسائل اعلامه، فلماذا لايلتفت الى نسبة 85% من شعبه التي تعاني من شظف العيش، و لماذا لايلتفت الى الاوضاع الاجتماعية و السياسية و الامنية المتردية و المزرية في مايسمونه زورا وبهتاناquot;أم قرى المسلمينquot;؟

فاقد الشئ لايعطيه، ومن کان يعامل شعبه بمنطق الحديد و النار و يوصله الى هکذا مستوى مخيف، فإنه قطعا لن يتمکن مطلقا أن يجسد منطقا آخرا أفضلا في تعامله مع شعوب أخرى بالمنطقة ومن کان يجد في أعواد المشانق و الاعدامات و غياهب السجون و التعذيب و التجويع و إرهاب شعبه و تصدير أزماته للخارج طريقا و ملاذا لبقائه في دست الحکم، فإنه ولاشك لا و لن يکون بذلك الحکم المثالي الذي يمکن أن يصبح قدوة و نموذجا للآخرين، نعود الى عفريتنا الذي أوردناه في طريفتنا بداية حديثنا هذا، حيث سخر من ذلك الرجل الذي طالبه بتوفير قصر منيف له عندما اوضح له بأنه لو کان بمقدوره ذلك لما کان قابعا في داخل ذلك المصباح الضيق، والنظام الايراني متى ماتمکن من توفير الغذاء و الامن الکافيين لشعبه و اوصله الى مستويات جيدةquot;ولانقول استثنائيةquot;، فعندها يکون بإمکانه أن يحدثنا و يطربنا بأقواله و شعاراته بخصوص تحرير القدس، أما في الوقت الحاضر و في ظل الاوضاع البائسة السائدة في إيران فليس أمام النظام الايراني إلا أن يذعن للأمر الواقع کذلك العفريت و يکرمنا بسکوته!