ما ان ولى حزب البعث البائد الى غير رجعة حتى ظهر عدد لايحصى من الاحزاب والحركات السياسية في الساحة العراقية، احزاب من كل لون وصنف، وعلى مختلف الاطياف والمشارب والمستويات ؛ من اقصى اليمين الى اقصى الشمال، من الملحدين والملتحين و الاسلاميين والقوميين، والعلمانيين و المتدينين، احزاب تشكلت من العشائر والبدو الرحل، واخرى من الكسبة و المثقفين، الشعب بكافة طبقاته وشرائحه المختلفة اندفع الى تشكيل احزاب في سباق محموم لم يسبق له مثيل في التاريخ السياسي العراقي المعاصر، حتى اصبح quot;مودةquot;، كل من استطاع ان يجمع 500 توقيع من الاقرباء والاصدقاء، جاز له ان يشكل حزبا سياسيا... وجمع هذا العدد من التواقيع في ظل الاوضاع الراهنة في العراق التي لاتسر العدو ولا صديق، حيث تفشي الرشاوى والمحسوبيات والفساد الاداري واستمرار التناحرات الطائفية و المناطقية، يعتبرسهلا و بسيطا جدا، ولا يحتاج الى كثير عناء، ما على الملتمس بانشاء حزب سوى ان يبدي ولاءه الاعمى وطاعته المطلقة لحزب كبير من احزاب السلطة ويدخل في كنفه، ويستحصل موافقته اولا قبل موافقة الوزارة المعنية، ليسمح له الدخول الى نادي الاحزاب !.. هذه الخطوة مهمة وضرورية من شأنها ان تفتح بوجهه كل الابواب المقفلة و تقلص له المسافات للوصول الى مبتغاه.

اما باقي الشروط الاخرى التي يجب توافرها في من يريد تشكيل حزب، كأن يكون من ابوين عراقيين بالولادة و يتمتع بروح وطنية عالية و ينأى بنفسه عن الصراعات الطائفية والعرقية، وغيرها من الشروط الروتينية البسيطة، وضعت اصلا لكي لايقال ان quot;البلد سايب quot; ولا يوجد فيه قانون، مع انه كذلك.

كنا نسمع عن بعض المغرضين، الحاقدين على التجربة الديمقراطية الرائدة في العراق، يلمزون عن طرف خفي بخبث، ان عدد الاحزاب والمنظمات السياسية في العراق يصل الى اكثر من 500 حزب ومنظمة، وهذا العدد ان صح ادعائهم اكثر من كل الاحزاب الموجودة في امريكا و بريطانيا العظمى و بلاد السند والهند مجتمعة، ولكن توخيا للدقة والامانة في نقل الحقائق المجردة، ولكيلا نحسب على هؤلاء ونتهم بالعداء للمسار الجديد، راجعنا بيانات الهيئة العليا للانتخابات لنعرف الخبر اليقين، فوجدنا انها سجلت 375 كيانا سياسيا للمشاركة في الانتخابات التي جرت في 7/3/2010 وبما ان كل كيان يتكون عادة من حزب او منظمة اوشخصية او عدة احزاب وشخصيات، فان العدد التقريبي للاحزاب و الكيانات المشاركة في الانتخابات يتراوح ما بين 350 الى 400 على اقل تقدير، ماعدا الاحزاب والحركات التي لم تسجل لدى الهيئة ولم تشارك في الانتخابات الاخيرة، كحزب الحميرالكردستاني مثلا الذي لايعرف احد لحد الان السبب في عزوفه عن المشاركة في العملية الديمقراطية في البلد، مع انه استحصل الاجازة الحزبية حسب الاصول من حكومة اقليم كردستان منذ عام 2005 ويتمتع بمواقف مشرفة في الدفاع عن حقوق الحمير المهضومة من قبل الانسان، ويمتلك تاريخا نضاليا يمتد الى الستينات والسبعينات من القرن الماضي حيث كانت الانظمة الدكتاتورية في اوج قوتها وعنفوانها!

من المؤكد انه لو دخل العملية السياسية بكامل ثقله quot;الجماهيريquot;وتفانيه في خدمة الانسان الطويلة وحكمته التي لاتضاهى، لاكتسح اكثرية المقاعد التمثيلية و لبسط سيطرته على الحكومة والبرلمان ومجالس المحافظات و مؤسسات الدولة الاخرى ولادار شؤون العراق بطريقة افضل بكثير من الطريقة التي تدار فيها الان!
[email protected]