مع انتهاء العقد الاول للالفية الثالثة، تميز العالم العربي بتغييرين اساسيين في العقد المنصرم هما سقوط نظام البعث وحكم صدام حسين والاقرار بفيدرالية اقليم كردستان وارساء النظام الديمقراطي في العراق، وتوقيع اتفاقية السلام في السودان والاقرار بحق تقرير مصير شعب الجنوب.

واليوم نحن ندخل في العقد الثاني وتميزت بدايته بتغييرات متميزة اولها استفتاء جنوب السودان لتقرير مصيره بالانفصال عن الخرطوم، وتركيز القاعدة والمجموعات الارهابية على محاربة وقتل المسيحيين في العراق ومصر، وتصاعد احتجاجات العاطلين عن العمل في تونس، وتصاعد احتجاجات الشعب عن الغلاء والبطالة في الجزائر، وجمود عملية السلام بين فلسطين واسرائيل.

وهنا لابد ان نبين ان واقع العالم العربي طالما عاني من تدهور اقتصادي رهيب في واقع الحياة المعيشية للسكان نتيجة قصور التنمية وغياب الحاجات الأساسية للحياة العامة، وضمور أركان الدولة عن الشعب واحتكارها على أقلية سياسية تحكم بالاستبداد والطغيان، وظهور مجموعات إرهابية وإجرامية متخصصة بأعمال القتل والسلب والنهب والخطف والاغتصاب في بلدان كثيرة، وسيطرة القوات العسكرية والامنية التابعة للأقلية المتحكمة في السلطة على الساحة الحياتية في الشارع وفرض قوتها ودورها على حياة المواطنين بالخوف والترهيب، وانشغال الفئة الحاكمة بالسيطرة على المال العام والموارد المالية لأغراض عائلية وشخصية وحزبية، وفقدان البرامج الحكومية لتأمين مستوى لائق من المعيشة بالحد الأدنى لابناء الشعب، وتبخر المنح والمساعدات والمعونات المالية الكبيرة التي تمنحها المجتمع الدولي بمئات الملايين وعشرات المليارات وصرفها من قبل النخبة الحاكمة في مشاريع وهمية تشترك فيها شخصيات محلية واقيمية ودولية لنهبها واختلاسها، وارساء الكساد وحالة من الفساد الرهيب التي تقشعر لها النفوس في واقع البلدان العربية.

أمام هذا الواقع المتناقض الذي عاش فيه ويعيشه الانسان في العالم العربي نتيجة لاسباب سياسية، وأمام حالة الركود التي مر بها المنطقة لاكثر من قرن كامل، فان مؤشرات التغيير الشامل في هذا العالم بدأت بالظهور في بداية العقد الجاري وهذا التغيير سيرسي واقعا جديدا بخارطة غير مالوفة عن الواقع السياسي، لضرورات يحتمها واقع حياة شعوب والتطورات السريعة التي يشهدها المجتمع الدولي والحاجة الاقتصادية والسياسية التي تفرضها القوى الرئيسية في العالم منها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوربي وروسيا والصين، لضرورات تفرضها العالم المتقدم وفقا لمصالحه واستراتيجياته الامنية والاقتصادية والتجارية.

ولكي تكون الرؤية المطروحة منطلقة بواقعية القراءة فان العالم العربي ابتداءا من المنظور الزمني الحالي عليه أن يركز على وضع حلول عاجلة ومناسبة لكل القضايا السياسية والاقتصادية والمشاكل الحياتية التي يعاني منها الانسان في هذا العالم المتذبذب، خاصة المشاكل المتعلقة بالحالة المعيشية والاقتصادية للفرد والتي أخذت تنهال على الاغلبية بصعوبة العيش وعدم توفر الخدمات والحاجات الأساسية للحياة وغلاء متصاعد في الأسواق وتضخم رهيب وفساد فتاك مستشري في جميع القطاعات الحكومية وغير الحكومية مما جعل من الموارد العامة للدولة ضيعة عند أرباب السلطة الفاسدة، والحالة الأمنية التي أصبحت المتاجرة بها بين أطراف سياسية حسب الولاءات الخارجية والحسابات الإقليمية تخضع لحسابات حماية السلطة لا شعوب المنطقة، وهذا ما تسببت في ارساء حالة مستمرة من حياة غير طبيعية متسمة بالخطورة الشديدة على الافراد المنتمين لهذا العالم الخالي من المعالم الحقيقية للارتقاء بالانسان مما أدت إلى زرع حالة محبطة شبيهة باليأس الشديد في نفوس مواطني المنطقة لعدم ظهور أي أمل للخروج من النفق المظلم الذي دخلت فيه أنظمة الحكم في هذا العالم.

إزاء هذه الرؤية الميدانية لوقائع أمور الحياة في المنطقة وأمام التحديات الجديدة التي تجابه أنظمة الحكم مع استمرار المعضلات الحقيقية وغياب المنظور المستقبلي، فان الرؤية المبصرة لمستقبل المنطقة ترسم لنا عالما جديدا بتغيير شامل ستشهده المنطقة على مدى سنوات العقد الحالي الى نهايته، وأهم التغييرات ستشمل ظهور الدولة الصحراوية في جنوب المغرب ونيل الشعب الامازيغي لحكم ذاتي متقدم في منطقة قبائل الحزائر، وانشاء الدولة الفلسطينية باتفاق مع اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية، وانفصال اليمن الجنوبي عن اليمن الموحد، وبزوغ الدولة الكردية في العراق، وحصول الكرد في تركيا على حكم ذاتي متطور قريب للفيدرالية، وظهور حركات انفصالية في ايران ستؤدي بها الى تقسيمها في العقد اللاحق، وارساء أنظمة ديمقراطية حقيقية في السعودية ومصر والحزائر وليبيا وسوريا، وظهور قوة اقتصادية شرق اوسطية تشترك فيها في فلسطين واسرائيل لتحديد التجارة الاقليمية في المنطقة، واستقرار فيدراليات فردية وجماعية بين المحافظات العراقية، وستحتفظ الاردن باستقرار هاديء خلال هذا العقد ولبنان ستتحول الى امارات شبيهة بدويلات داخل سيادة الدولة اللبنانية، وستشهد الدول التي تمتلك أنهرا صراعات سياسية غير مستقرة حول السدود وتقسيم المياه.

وستشهد دول المنطقة أيضا تغييرات في مجالات اخرى منها تبني برامج حكومية جادة وفعالة للسيطرة على النسل لارساء حالة توازن بين مقدرات الدولة واحتياجات السكان، ونظاما اقتصاديا مفتوحا للسوق الحر، وتراجع النظام التعليمي الحكومي وانتشار النظام التعليمي الأهلي، مع بقاء النظام الصحي على حاله لصعوبة معالجته، واتساع بعض المظاهر الاجتماعية غير المألوفة منها انتشار الزواج المدني وزيادة مجالات التكافؤ وتساوي الحقوق والفرص بين الرجل والمرأة.

بايجاز هذه أهم التغييرات التي سيشهدها العقد الثاني للالفية الثالثة وهو سيكون حاسما في احداث تغيير جذري في واقع العالم العربي، وسيتسم باهمية بالغة لتعلقه بتحديد مصير حياة شعوب المنطقة، وهذا العقد سيتميز بمرحلة مستقرة متجاوزة لحالات شغف العيش والعنف والإرهاب والقتل الطائفي التي شهدها العقد السابق، وسيكون العقد الجديد عاملا مساعدا لضمان حياة أكثر استقرارا في عالم اتسم بالتذبذب على مدى قرن كامل لاحتوائه على برامج اقتصادية وتجارية واجتماعية وخدمية فعالة على مدى السنوات القادمة، وهذا ما سيحمل على ارساء حياة جديدة مفعمة بالأمل والتجديد في العقد اللاحق لضمان حياة متسمة بالرفاهية والسعادة.

[email protected]