-1-
أعجب من تشاؤم بعض العَلْمانيين لمستقبل البلدان المحررة من ربقة الدكتاتورية القروسطية الطاغية كتونس، ومصر، وليبيا، وقريباً سوريا واليمن وباقي البلدان العربية، لاحتمال تولي الإسلاميين المعتدلين الحكم.
وأعجب من خوف وخشية بعض الليبراليين البلهاء من تولي الإسلاميين المعتدلين الحكم.
فقد دعونا من على هذا المنبر، ومن على منابر أخرى، وفي مناسبات مختلفة، أن من مصلحة العَلْمانية والليبرالية والحداثة في العالم العربي أن يحكم الإسلاميون، منها مقال (quot;بانتظار الإخوان ليحكمواquot;، 10/3/2011) وغيره من المقالات.

-2-
فلماذا نريد ذلك؟
لعدة أسباب منها:

1- أن الشارع العربي لن يقتنع بجدوى الإسلاميين المعتدلين في الحكم، إلا إذا جرَّب الإسلاميين المتطرفين والمتعصبين، كما تم في إيران.
2- نأمل أن يتخلّى كافة الإسلاميين المعتدلين الذي سيتولون الحكم عن يمينيتهم المتطرفة ndash; إن وجدت - ويقفون من الإسلام موقف الاعتدال، ويحكمون بعدل الإسلام، وليس بتطرفه المصطنع، والمبتلى به.
3- أن الإسلاميين المعتدلين هم أفضل الحكام لعالم ديني كالعالم العربي. فالعَلْمانية الغربية والحداثة الغربية ما زالتا بعيدتين عن التطبيق الفعلي على أرض الواقع العربي، في ظل الظروف السياسية والثقافية والاجتماعية العربية الحاضرة.
4- إن الإسلاميين المعتدلين - إن حكموا - فإنهم سيحدّون من الفساد، والسرقة، ونهب المال العام. فهم لن يقطعوا دابر كل هذا، فلا حكم في التاريخ قطع دابر الفساد والسرقة ونهب المال العام نهائياً. ولكن الحكم الصالح، والراشد، يُخفف، ويحُدّ ويحصر الفساد، والسرقة، ونهب المال العام في أضيق نطاق ممكن.
5- إذا حكم العَلْمانيون الحداثيون الليبراليون - يوماً - العالم العربي أو أجزاء منه، فلن يخرجوا عن عدالة الإسلام، ولا يخرجوا عن سماحة الإسلام، ولا يخرجوا عن مساواة الإسلام. وهي كلها مبادئ تقود إلى الحكم النزيه، والرشيد، والصالح، دون تعصب أو تحيُّز. فهؤلاء العَلْمانيون الحداثيون الليبراليون ليسوا ملحدين ولا كفاراً. وليسوا شيوعيين، ولا أشراراً. وليسوا ديجوليين أو ريجانيين، أو تتشاريين. وليسوا من أتباع ماركس، أو لينين، أو ماوتسي تونج، أو هتلر، أو فرانكو.. الخ. إنهم من هذا الوطن. ومن هذه الثقافة. ومن هذه الأرض، ومن هذا الشعب. وهو يعلمون تماماً ما ينفع وطنهم وشعبهم وما يضره. ولن يأتوا لهذا الوطن ولهذا الشعب بما سوف يضره، ويكدره، ويخسره، وإلا فقدوا كل شيء، وإلى الأبد.
وهم أخيراً يريدون الربح لا الخسارة.

6- إن العَلْمانيين والحداثيين الليبراليين، يريدون من الإسلاميين المعتدلين، أن يصلوا إلى الحكم بالصدق وعدم الكذب، وبالخطط الاقتصادية الواقعية والسليمة وليس بالشعارات الرومانسية الدينية العاطفية، وبالواقعية السياسية التي تراعي حقوق الإنسان، وتحترم القرارات الدولية.

-3-
إن العَلْمانيين والحداثيين الليبراليين يريدون أوطاناً وشعوباً تحكمها العدالة والمساواة والتسامح، بكامل قيمها، وصدقها، بغض النظر من سيكون الحاكم أبيض كان أم أسود، إسلامياً كان أم غير إسلامي، رجلاً كان أم امرأة.. الخ. فصناديق الاقتراع الشفافة هي الحكم. فلا اعتراض لنا ndash; مثلاً ndash; على فوز quot;حزب النهضةquot; التونسي، ما دامت هذه إرادة الشعب التونسي، دون زيف أو تزوير للانتخابات، ودون استخدام الشعارات الدينية، أو المال السياسي، أو غير ذلك من الضغوط غير المشروعة.

-4-
وهم لا يسعون ولا يتوقون إلى الحكم، إلا عندما تفرغ الساحة السياسية من الحكام العادلين، الذين يطبقون العدالة والمساواة والتسامح، وتسود السلطة الأمنية والظلم والفساد، ويبدأ الحكام بتسجيل أرضي الدولة والوطن باسمهم، ومصادرة أموال تبرعات المحسنين بمليارات الدولارات لحسابهم الخاص، ويفلتون إيدي الزعران، والقبضايات، والشبيحة، وأفراد عائلات الأخوال، والأقارب، وأهل الزوجات والعشيقات، في أموال الوطن ومشاريعه.

-5-
فأهلاً.. بالإسلاميين المعتدلين أينما حكموا، ومتى حكموا.
وأهلاً بهم، وهم ينبذون التعصب، والعنف، والاستيلاء على الحكم، بقوة السلاح.
وأهلاً بهم، وهم ينالون الحُكم بالحكمة، والموعظة الحسنة، وبالحق.
وأهلاً بهم، وهم يحكمون بالعدل، ومخافة الضمير، والشعب.
وأهلاً بهم، وهم ينأون عن استعمال الشعارات الدينية العاطفية، لكسب تأييد الناخبين.
وأهلاً بهم، وهم ضد استعمال المال السياسي لاستمالة وشراء ذمم، وضمائر، وأصوات الناخبين.
وأهلاً بهم، أناساً لا ملائكة مُرسَلين من السماء.
وأهلاً بهم، وهم حكاماً يتداولون السلطة، وليسوا خلفاء الله على الأرض.
وأهلاً بهم، وهم يصادقون من يصادقهم، ويعادون من يعاديهم فقط.
وأهلاً بهم، وهم يدركون تمام الإدراك، ويعون تمام الوعي، بأنهم يعيشون في القرن الحادي والعشرين، وليس في القرن السابع أو الثامن الميلادي. وأنهم يعيشون في عصر ثورة المعلومات والاتصالات، وفي عصر الثورة الصناعية الثالثة، وليس في عصر الثورة الصناعية الأولى في القرن الثامن عشر.

السلام عليكم.