نعيش اليوم في عالم تتقارب فيه الشعوب واحداثها بشكل كبير، والفضل في ذلك يعود الى واحدة من المحاسن التي تُناط بدور وسائل الاعلام التي اتاحت لنا ان نعرف وبشكل مباشر ما يدور في هذا الجزء او ذاك من العالم. لذا عادة ما يُقال بان ما يجري في مكان ما لابد وان يكون له انعكاس في مكان اخر في ظل ثورة المعلومات والتكنولوجيا التي ساهمت في تمييع مفهوم الحدود السياسية وبالذات منها هنا في الشرق الاوسط حيث القدسية الكبيرة لهذا المفهوم، لذا نحاول هنا الربط بين ما يجري في البحرين وما قد يثيره ما سيستقر عليه المستقبل هناك، من انعاكاسات قد تلقي بظلالها الايجابية او السلبية على مجمل الاقليم الشرق اوسطي، وهو ما يدعونا الى طرح الفرضية التالية quot; اذا كان ما يجري اليوم في البحرين الصديقة قضية قد قادت الى تشابك كل القوى الاقليمية في اصطفافات جديدة وتحركات مختلفة، فان مثل هذا الامر قد يكون مصدر فائدة للعراق اذا ما عملت بعض القوى المؤثرة اليوم في الشأن البحريني على مقايضة المواقف او اعادة ترتيب الادوار في المنطقة وبما يخدم العراق، هذا اذا ما عمل صناع القرار السياسي في هذا البلد على استغلال الفرصة المتاحة امامهم اليوم لتعديل مسار التوجه الاقليمي الخاص ببلدهم quot;.
في البحرين اليوم تنغمس كل القوى المؤثرة في الشأن العراقي وبالذات منها ايران ndash; المملكة العربية السعودية ndash; تركيا وسوريا ايضاً التي دخلت الى ميدان هذه اللعبة مؤخرا وبقوة حيث يبدوا ان سوريا وبالذات من خلال هذه الازمة تُفعل من لعب دور الوسيط بين غريمي الخليج التقليديين ( ايران و السعودية ) في ظل ما تملكه من علاقات مهمة بين الطرفين، فايران حليف استراتيجي مهم لها في ملفات عديدة، والسعودية بلد اخر تملك معه سوريا العديد من الروابط اهمها الرابطة القومية ndash; العربية والمصلحية في عدم اندلاع صراع كبير يتجاوز حدود البحرين الى مناطق اخرى قد تطال الداخل السوري. لذا تعمل اليوم هذه الدولة وبشكل مكثف على فك عناصر الازمة البحرينية من خلال التعاون مع اطرافها لتفعيل مبادرات مهمة على امل ان ترى النور في الايام المقبلة خاصة وان وزير الخارجية السوري قام بتاريخ 17-3-2011 بزيارة مفاجئة الى ايران التقى فيها بكبار مسؤولي الدولة الايرانية وتم في النهاية الخروج باعلان اكد على الاتي quot; في اطار المشاورات السياسية بين البلدين ( ايران وسوريا ) جرت جلسة مشاورات رسمية في وزارة الخارجية الايرانية، وتم استعراض الوضع الاقليمي بكل جوانبه وضرورة السعي لايجاد ارضية مشتركة لتحقيق الامن والاستقرار في المنطقة وتلبية رغبات شعوبها quot;، الامر الذي يعني بان هنالك امكانية لحل الازمة البحرينية اذا ما عمدت جميع الاطراف الى تقديم التنازلات والاتفاق على ترك البحرين وشؤونها الداخلية على اعتبار ان الاحتجاجات الشعبية والاصلاحات التي يطالب بها البحرينيون هي شأن داخلي بحت.
هنا ياتي برأينا المتواضع دور السياسي العراقي الناجح من خلال الضغط على اطراف الازمة البحرينية الذين يلعبون ذات الدور في الازمات العراقية المتكررة منذ 2003 حتى الوقت الحاضر، عبر استخدام كل السبل المُتاحة وكل اوراق الضغط لاقناع اطراف الازمة العراقية بالعمل على حل المشكلة العراقية بصفقة واحدة مع القضية البحرينية، على اعتبار ان مثل هذا الامر هو الكافل الضامن الرئيسي للحيلولة دون اندلاع صراع اقليمي بين اقطاب الخليج المهمة، وتحقيق حالة من التوازن في علاقة البلدين، وعلى اعتبار ان رغبة القوى الاقليمية في التمدد، هي التي قادت وستقود مستقبلا الى مزيد من التوتر، لذا فان انسحاب كل منهما الى ما وراء حدود مصالحه الجيوبولتيكية التي تمددت كثيرا الى خارج حدود الجغرافيا السياسية لتلك الدول، سيُعد احد الضمانات المهمة لعودة ازدهار كل من العراق والبحرين في ظل امكانية حل مشاكلهما الداخلية التي لابد وان تُحترم من جميع الاطراف، وستقود ايضا الى فتح مزيد من قنوات الحوار بين هاتين الدولتين ( ايران والسعودية ) وبما يعزز من امكانية التقارب بينهما اذا ما تخليا عن طريقة التفكير بالاقصاء التام لكل منهما واستفراد احدهما بالدور الاقليمي على حساب الاخر.
لذا وفي ضوء ما تقدم ندعو العاملين على السياسة العراقية الى اعتماد كل السُبل الممكنة من اجل تفعيل مبادرة اقليمية اوسع يكون العراق جزءً منها لفك ارتباط كل مسببات الصراع فيه عبر تقليل حدة الدور الاقليمي ( السلبي ) في شؤونه، والا فان حل ازمة البحرين لن يكون الا حلاً مبتوراً لأزمة مستفحلة في الشرق الأوسط. وهي فرصة على الجميع الأنفتاح على آفاقها المستقبلية دون تركها لتضيع بلا فائدة. دون ان يعني ذلك مطلقاً جني ثمار اللحظة الراهنة عراقياً على حساب الشعب البحريني، فالاساس في هذا الطرح هو ذات الهم المشترك بين شعبي العراق والبحرين، وهو نزع فتيل الازمة التي يتصاعد مؤشرها نحو الانفجار كلما زاد دور قوى الجوار السلبي في الشأن الداخلي.
وللدلالة هلى اهمية العراق المحورية في ترتيبات الشرق الاوسط ومدى عدم فاعلية حل الازمة في مكان وتركها لتتفاقم في العراق، نشير الى ما كتبه السيد احمد داوود اوغلو في كتابه (( العمق الاستراتيجي )) حين يقول quot; ان انتقال بؤرة الازمات الى العراق يعد امراً بالغ الاهمية، اذ يجمع العراق بداخله كل تنوعات المجتمعات المسلمة العريقة في الشرق الاوسط : العناصر التركمانية، والكردية والعربية والعناصر المذهبية السنية والشيعية. وينعكس هذا التنوع على توازنات العراق الاقليمية، لذا فأن العراق يحظى بوضعية مفتاح في الشرق الاوسط من الناحية الجيوسياسية والجيوثقافية والجيواقتصادية quot;. لذا قلنا بان حل ازمة البحرين دون الالتفات الى الازمة العراقية ودون تفعيل صانع القرار السياسي العراقي لامكانية دمج الحلول، يعد حلاً جزئياً للمشاكل المعاصرة في الشرق الاوسط، كما يعد تضييعاً غير مبرراً من قبل العراق لهذه اللحظة المهمة في تاريخ المنطقة عبر التقاعس في الاشتراك بما يجري من خلف الكواليس لتسوية الازمة وعبر التحول الى دولة مستلمة لتأثير الفعل السياسي للقوى الاقليمية دون ان يكون له اي تاثير على الاطلاق في تعديل ما يُرسم من مشاهد مستقبلية له ولمجمل المنطقة والتي عادة ما تأتي على حساب من لا ُيخطط بحزم للتعاطي مع المستقبل وتحدياته الكبيرة.
التعليقات