ربما من البكر الحديث عن بديل للرئيس السوري بشار الأسد على المدى القريب, لكن على المدى البعيد سوف لن يكون هناك وجود لا للأسد ولا حتى لثعلب في سوريا. وهنا أقصد بالأسد ليس شخص الرئيس بل النظام الذي حول الدولة إلى حزب واحد وشخص واحد ينهار كل شيء بإنهياره. إن مشكلة الأنظمة التي تحكمها أحزاب عقائدية ذات صبغة أيدلوجية هو الوقوع في فخ الدوغما التي تحاول أن تجعل من الأشياء ثابتة كالصخور, إلا إن الأشياء في طبيعتها متحركة عصية على الثبات. وليس بعيد عنا حدث تاريخي وهو إنهيار الإتحاد السوفيتي السابق. فقد إنهار الإتحاد السوفيتي بعظمته بعد الإصلاحات التي فعلها ميخائيل كورباتشوف والمسمات البروتستويكا. لقد كانت فكرة إعادة النظر في أفكار الحزب الشيوعي سببا ً لإنهياره وتفكك الإتحاد السوفيتي إلى دول مختلفة. إن هذا بالضبط ماحدث ليوغسلافيا السابقة بعد أن تحولت إلى ست دول مختلفة تعبر عن قوميات وأديان ومذاهب مختلفة.

إن فكرة البعث كحزب قائم على عقيدة القومية العربية هي ضد منطق التاريخ الحديث الذي يبشر بموت الأيدلوجيا ويدعو إلى الديمقراطية. لابد من شجاعة ما للخروج من فخ الدوغما التي تسيطر على عقول قادة الحزب في سوريا. فالحلول الترقيعية التي يطرحها النظام السوري لاتغني ولاتسمن من جوع في عصر لاتقبل الشعوب فيه إلا بممارسة الحرية وتذوق طعم المساواة. فلاحرية ولا مساواة بلا ديمقراطية, ولا ديمقراطية بلا تعددية حزبية وتمثيلية لكل طوائف الشعب. أما الحلول الترقيعية فهي كم يفسر الماء بعد الجهد بالماء. في الحقيقة إن النظام الديمقراطي في جوهره يتعارض مع فكرة الأيدلوجيا, وبالخصوص الأيدلوجيا التي تؤمن بالحزب الواحد والعقيدة الواحدة فضلا ً عن القائد الواحد. فالأيدلوجيا في حوهرها إقصائية, هذا إذا ما تجنبنا الإفتراض بأن الأيدلوجيا في بلداننا العربية تندمج في بناءها الاجتماعي مع البنية الأبوية الذكورية التي تتمتع بها ثقافتنا العربية.
إن طموح الشعوب العربية هو ليس إصلاح الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة والتي أنتجت أخفاقات على مدى عقود وفي جميع المستويات. فهناك طموح وهناك رغبة لدى تلك الشعوب. أما الطموح فهو إقامة دول ذات أنظمة ديمقراطية تؤمن بالتعددية والحرية والمساوة لكل أفراد الشعب, حيث يعيش فيها الإنسان بكرامته وفي ظروف اقتصادية لابأس بها. أما الرغبة فهي القطيعة مع الماضي! القطيعة مع كل مايمت للتراث السياسي بصلة والذي يتصل بحقبة مابعد الإستعمار التي ملئت الأفاق بالشعارات القومية الزائفة. فتفكيك الأيدلوجيا لابد أن يكون أول الأولويات للأنطمة الديمقراطية الحرة, والتي تسعى لإقامة دولة على أساس مدني تحترم المواطن فيها وتشعره بالمسؤولية دون الشعور بإن الدولة تمارس دور الأب الذي يعرف مصلحة أبنائه.

إذن, لابد من تغيير نوعي جذري من خلال القطيعة مع الماضي السياسي الذي فشل في دوره في أنشاء دول حرة كريمة. أما فيما يخص نظام البعث في سوريا فهو زائل لامحالة كما زال نظام البعث في العراق, ولكن هل سيموت حزب ابعث في سوريا؟ وإن لم يمت فمن سينقذه من الهلاك؟ نعم, إن هناك خوف كبير من إعادة الأفكار الحزبية البعثية بثوب جديد من خلال إرتباطها بالفكر السلفي, كطريقة لإبقاء حزب البعث كعقيدة. فبعث العراق أرتبط بالفكر السلفي حتى قبل دخول المحتل إلى العراق في ظاهرة غيرت وجه حزب البعث من قومي إلى ديني, وبدت نتائجه واضحة للعيان من خلال أعمال العنف التي تستهدف أبناء البلد بإسم المقاومة. أما في سوريا فالموضوع أسهل قليلا ً من خلال إرتباط حزب البعث بشبكة من العلاقات مرتبطة بمصالح تجارية لاتريد من النظام أن يتغير. أما الحركات السلفية فتنتظر إنهيار النظام لتأخذ زمام المبادرة في ثورة مضادة. حيث ستشكل تحديا ً جديدا ً ربما سيعيق من نشوء نظام ديمقراطي حر. الخوف كل الخوف من تحالف خطير, قد يحدث في لحظة تاريخية تلتقي فيها المصالح, بين العقيدة القومية المتمثلة بحزب البعث والعقيدة السلفية التي تؤمن بأسلمة المجتمع ليظهرا بثوب جديد بعد التغيير. فهناك الكثير من نقاط الإلتقاء بين الطرفين وأولها عدم الأيمان بالديمقراطية والتعددية, وليس آخرها معاداة الغرب والثقافة الغربية. هو ليس تخويف يعيق عملية التغيير التي لابد أن تحدث في سوريا ولكن تحذير لمن سيمسك زمام الأمور بعد حزب البعث وتذكير للنظام السوري بضرورة التغيير السلمي بعيدا ً عن العنف.

إن دولة مثل سوريا فيها الكثير من القوميات والأديان والطوائف لاينفعها إلا نظام ديمقراطي قائم على التعددية ولكن ليس على المحاصصة كما يحدث في العراق. ربما سيكون الأمر أسهل في سوريا بإعتبار أن سوريا لم تدخل حربا ً ولم تكن محتلة بالشكل الذي حدث بالعراق. وما على النظام السوري إلى إيقاف حمام الدم الذي يروح ضحيته العشرات كل يوم من خلال موقف شجاع لرجال فيهم بقايا ضمير يخافون على بلدهم ومستقبلهم من الأنهيار. فنظام القبضة الحديدة تهشمت قوائمه بعد كسر حاجز الصمت الذي يبدو أكثر قوية كلما زاد النظام من عنفه ودمويته. أما حزب البعث فسوف لن يغير أفكاره لأن قادته ليست لديهم الشجاعة بالإعتراف بالخطأ فضلا ً عن الإعتراف بالهزيمة.

إن زلزال مثل الذي حدث بالعراق بإحتلاله من قبل الأمريكان لم يهز ولاشعرة من حزب البعث بأن يعترف بأنه أخطأ وأنه كان من الأسباب الرئيسية التي أتت بالإحتلال من خلال رفضه التغيير ومن خلال السياسة البائسة تجاه جميع الأطراف في المنطقة. حتى بعد الأنشقاقات لم يبدي ندما ً ولم يراجع أفكاره, فمازال يردد نفس الشعارات الثابتة بينما العالم يتغير من حوله. أما حزب البعث في سوريا فلا يختلف كثيرا ً عن حزب البعث في العراق. فسوف لن يراجع أفكاره وسيصر على موقفه حتى لو تدمرت سوريا عن بكرة أبيها. وسوف يظل يقدم حلول ترقيعية عله يحفظ ماء وجه الأسد الذي يكلف بقائه كأسد وليمة من ضحايا أبناء الشعب السوري. فالتغيير قادم بسواعد السوريين لامحالة, وحينها سيكون للحديث بقية!


[email protected]
http://www.elaphblog.com/imadrasan