دم غزير سفكته آلة القمع التابعة للنظام السوري في (الجمعة العظيمة)، لتبرهن بأن التغيير وتحقيق مطاليب الناس في الكرامة والحرية دونه الموت الزؤام. النظام بدأ بتطبيق الخطة ( باء) إذن في القمع والقتل العشوائي، والذان يستهدفان كل كائن يتحرك في ساحات التظاهر( وهو مافسر تهشيم رؤوس أطفال وهتك صدور يافعين صغار بالرصاصات الحارقة الخارقة)، بعدما فشلت خطته ( ألف) والتي كانت تتحدث عن quot;إنطلاقة قطار الإصلاحquot; وquot;زوال حالة الطوارئquot; وquot;إلغاء محكمة أمن الدولة الإستثنائيةquot;، وقبل ذلك التفضل بquot;منح الجنسية للأكراد الأجانبquot; بعد نصف قرن من الحرمان والظلم!.
الشعب السوري يعرف نظامه جيداً وهو، وبعد كل هذا الدم، لن يقبل بأقل من رحيل هذا النظام ومطاردة رموزه القاتلة الناهبة لحريته وخبزه حتى أقاصي المعمورة. كان الشعار، لذلك، وحيداً، لابديل له، وهو (الشعب يريد اسقاط النظام). شعار بسيط وهو بالمناسبة يحتوي مغالطة بنيوية حين اسقاطه على الحالة السورية: وهل كان الشعب السوري قد انتخب هذا النظام أصلاً، لكي يأتي ويقرر الآن إسقاطه؟. لكنه قرار الإسقاط أو الإزالة، على كل حال، وهو صدر من دماء الشباب السوري، وأفهم علناً وهو غير قابل للطعن بأي طريقة...
ثورة الشباب السوري تمضي في مجراها الذي حفرته بالدماء الزكية الغالية، وهي لن تتوقف حتى ترى الحرية والكرامة كلاً غير مجتزأة، إن لم يكن لغرض النصر وإنهاء مرحلة الظلام والقتل، فوفاء للمئات الذين ضحوا بحياتهم ليؤسسوا وطناً حراً عزيزاً افضلاً لأهلهم وللأجيال القادمة بعدهم.
منظروا النظام السوري إستنفدوا كل حججهم في تجريم وتأثيم الشباب الثائر، فصاروا يشتمون كل منبر يطلون فيه على الرأي العام ويتهمونه بquot;التآمرquot; وquot;التخابرquot; وquot;الطعن في الظهرquot;!. إنتهى الكلام الرسمي الباهت عن quot;المجموعات المدسوسةquot; وquot;الخلايا السلفيةquot; وquot;المتفجرات الآتية من شمال العراقquot;، وبدأ الزعيق الأجوف وكيل الإتهامات المنفلتة لكل منبر وكل جهة، وهو بداية الإندحار حقاً.
كلما ازداد النظام شراسة وقرر إغراق البلاد في الدم وتحويلها إلى جحيم لايٌطاق، زاد الشعب إصراراً على تغييره ورسم ملامح وطن آخر جديد. وطن لايخيف فيه عنصر المخابرات quot;أكبر شنبquot;، ولايسرق فيه رامي مخلوف وغيره من تماسيح وأفيال الفساد الأخضر واليابس، على حساب حياة أجيال تخرج لترى اطلال وطن، تنعدم فيه اللقمة الكريمة وتكثر فيه البساطير العسكرية الجاثمة فوق الرقاب، والتي تريد أن تبقى جاثمة هكذا من مهد المواطن إلى لحده.
السوريون فعلوها إذن وصنعوا ثورتهم. لم يعد هناك أي quot;إستثناء سوريquot;. هذه الثورة صنعت في كل أبناء الوطن وطنية حقيقية سلبها منا نظام quot;الحركة التصحيحيةquot; زمني الأب والأبن. لم نعد نتحسس من العلم السوري (الذي كان يعني لنا: المخابرات والسلطة والقمع ومصادرة الحقوق والهوية القومية) بعدما رأينا هذا العلم في يد وطنيين يطالبون بالحرية ويحيون كل أبناء بلدهم بشعارات تنبذ التفرقة والنعرات. انه علم الوطن السوري وليس علم المخابرات. بات كل سوري يلوح بهذا العلم بفخر. لذلك لم تكن مصادفة أو خبط عشواء أن يظهر أكبر علم في تاريخ سوريا الحديث في شوارع القامشلي، وأن يشد أطرافه شباب كرد يافعين.
سنتعرف من الآن وصاعداً، في زمن مابعد الإنتفاضة والثورة، على تاريخنا بشكل أفضل. سندرس كل الثورات السورية ضد المستعمر، وسنستعرض سيرة رموزها وحياتهم بالشكل الذي يستحقونه، وسننتهي من سيرة quot;القائد الخالدquot; ومن متابعة quot;إنتصاراتهquot; وquot;سياساته الحكيمةquot;. سنأتي بالكتب القديمة المخبأة ونقرأ المراحل المجتزأة من تاريخ سوريا مابعد الإستقلال. كيف حدثت الإنقلابات ومن باع لواء الإسكندرون والجولان ومياهنا وأمننا الوطني ولماذا، وماذا كان الثمن؟. سنكتشف سوريا من جديد. نكتشف كل أهلها من ساحلها وغوطتها وجزيرتها إلى دير الزور الفرات.
دماء شباب الثورة السورية لن تذهب هباء، بل ستذهبٌ بالطغاة والقتلة والسراق والشبيحة إلى حيث يستحقون. أما الإصرار على قتل كل من يتحرك في ساحات التظاهر، فلن يجدي نفعاً، فقد قتلوا وعاد الناس للتظاهر، ومن ثم قتلوا، فعاد الناس ومعهم آخرون كانوا صامتين حفاظاً على quot;الأمانquot; ذاك. وهاهي دير الزور والرقة والقامشلي وعامودا وحماة وعفرين وتدمر وإدلب وأغلب مناطق دمشق، تنظم إلى درعا واللاذقية وبانياس وجبلة وحمص. السوريون كلهم يخرجزون ويصدحون بنفس الشعارات.
الكل يعلم حقيقة ان الشعب السوري لن يقبل ثمناً لدماء أبناءه بأقل من الحرية الكاملة مثلما حدث في تونس ومصر وسيحدث في اليمن وليبيا، فالحرية لن تستقيم أبداً مع وجود القتلة والمخربين على سدة السلطة، حتى وان ازال هؤلاء quot;المادة الثامنةquot; وفبركوا قوانيناً جديدة وكتبوا دستوراً جديداً. أي quot;دستور جديدquot; هذا والشعب يعرف أن دستورهم هو القتل والغدر وحصاد العزل في المظاهرات السلمية؟!...
التعليقات