ما ميز نظام آل الأسد منذ تأسيسه 1970 وحتى اللحظة، هو أنه نظام الاستثناء والوقت المأزوم بنيويا، وتحولت هذه الأزمة الاستثناء مع الوقت أيضا إلى نظام قاعدة سورية. يراد تعميمها على كل دول العالم، لدرجة أن إعلام النظام بدأ يتحدث الآن عن أن نموذج الرئيس الشاب لدينا يجب أن يعمم على كل دول العالم لا بل يجب أن يحكم العالم! بعقلية ضيقة المنحى والتوجه من الزاوية المجتمعية السورية، الأمر الطريف في الموضوع، رغم كل هذا التهليل أن مؤسس النظام نفسه كان لديه إحساس أنه نظام عابر وشاذ، لهذا كان سلوكه دوما يتمحور حول البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، مهما كانت النتائج. واصبح عامل الوقت هو الذي يجيد هذا النظام اللعب عليه، ومن يلاحظ تاريخ سورية منذ أربعين عاما وحتى اللحظة يجد، أن لا مشكلة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية حلت، إلا إذا كانت مرتبطة بمصالح هذه النخبة الضيقة، وعلى سبيل المثال، لقد توفي الرئيس الراحل حافظ الأسد ولم تحل مشكلة الهاتف في سورية رغم مساعدة دولة الكويت لسورية في هذا الموضوع وقدمت لها أكثر من مليون خط على نفقتها على إثر مشاركة قواتنا السورية في تحرير الكويت من صنوه الرئيس الراحل صدام حسين، حتى جاءت امتيازات الخليوي وارتباطها بهذه المشكلة، ورغم ذلك حلت مشكلة الهاتف الخليوي بأن أعطى الامتياز للعائلة عبر وجهها الشاب أيضا رامي مخلوف، ورغم ذلك مشكلة الهاتف الأرضي في سورية لم تحل كباقي دول العالم. ربما يبدو المثال غريبا وأن أحدا لن يصدقه، بعد مرور 35 2004 أي في عام وثلاثين عاما قبل أن أخرج من سورية، كان خط الهاتف الأرضي يباع في السوق السوداء وفي بعض المناطق بأسعار خيالية ولا تصدق..
البنية التحتية من طرق ومواصلات، لاتزال أسوأ مما كانت عليه..لأن سكان سورية ازدادوا خمسة اضعاف، ولم تحل مشكلة البنى التحتية. هذه الميزة ارتبطت بالطبع بطريقة تفكير النظام- العائلة بالبلد وشعبه، وبقي الرئيس الراحل يغطي هذه الوقتية الشاذة والاستثنائية بشعار التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل من أجل تحرير الاراضي العربية، أو ما عرف بأيديولوجية الممانعة المؤسسة على حالة اللاحرب واللاسلم التي أعجبت إسرائيل، واستمر الطرفين في تبادل الخبرات والدعم غير المباشر بينهما، طيلة هذه العقود، كانت إسرائيل معجبة بمقولة التوازن الاستراتيجي..معجبة ونخبها تضحك في سرها على جهل الشعب السوري، كيف يصدق مثل هذه النكتة..! رغم أن الشعب السوري لم يكن مصدقا لها أبدا ولكن أجهزة القمع كانت تتكفل بإرغام الناس على التصديق بكل الوسائل المتوفرة لديها، من اعتقالات واغتيالات وخلافه.
حتى استهلكت هذه النغمة تماما، ومع وفاة الرئيس الأسد لا بل حتى قبل وفاته، كان يجهز نجله الرئيس الشاب الحالي وابتدع له مقولة الاصلاح، منذ عام 1997 وبدأت الاشاعات تجري وكأنها إشاعات تكشف أسرارا أن الخليفة الشاب يكافح التهريب في منطقة القرداحة مسقط رأس الأسد الأب..وسوقت هذه المقولة ونحن كمعارضة أنهكها القمع وذررها، ساعدنا على ترويج هذه المقولة العبقرية سواء بنوايا طيبة عند أغلبية المعارضة أو بنوايا سيئة عند أقلية محسوبة على المعارضة، وجاء الرئيس الشاب إلى الحكم تحت يافطة الاصلاح أولا، واستمر غطاء الممانعة ثانيا، وبدأ عامل الوقت في اللعب على مقولة الاصلاح بذات الطريقة التي أسس فيها الأب نظامه..وها نحن بعد أكثر من ثلاثة عشر عاما عمر مقولة الاصلاح في سورية، وصلنا إلى مرحلة أن الاصلاح توج بقتل مئات السوريين المسالمين بدم بارد واعتقال مدن بكامها وتسويرها وإذلال أهلها كما يحاول أن يفعل النظام في بانياس ودرعا وحمص.
أعتقد أن النظام الآن يفكر بمقولة أخرى غير مقولة الاصلاح، والآن بعد أن ارتكب ما ارتكب من مجازر والقتل مستمر ومحاصرة المدن جميعها بالجيش والمخابرات والشبيحة، يفكر كما يتم تسويق الأمر الآن في إعلام النظام، بالتراجع عن الغاء قانون الطوارئ، والحجة أن البلد لاتزال في حالة مواجهة مع إسرائيل وأنها تتعرض لمؤامرة خارجية وزاد في الطنبور دجلا أنها تتعرض لفتنة طائفية. كل هذا لكسب مزيد من الوقت في السلطة، لم يعد مطلوبا من المعارضة السورية ومثقفيها أن تتحدث عن الاصلاح مطلقا، بل التغيير بغض النظر عن شخوصه، الاصلاح ارتبط منذ اللحظة بأذهان الشعب السوري بالقتل الممنهج والمنظم في درعا واللاذقية وبانياس وحمص والجامعات والحبل على الجرار...لكي لا تفقد هذه المعارضة مصداقيتها النسبية، التي تدفع يوميا معتقلين جدد وكان آخرهم الصديق ورفيق السجن والحمصي الدمث غياث عيون السود الأمين العام لحزب الشعب الديمقراطي في سورية والكاتب الصحفي فايز سارة المعروف بمواقفه العقلانية ودعواته المستمرة للاصلاح والتغيير.
لم يعد مقبولا أبدا مثل هذا النظام في مثل هذا الزمن.
- آخر تحديث :
التعليقات