لا أظن أن الصدر ومجموعته التي تلتف حوله يدركون أن أهم واجباتهم هي بناء المواطن والوطن دون أدخال العراق في معمعات وصراعات مع دول بالطريقة التي يفهمها دون الأخرين. كيفية تعليم المواطنين بناء الوطن وأعادة مجد العراق تشمل برامج أجتماعية وأنسانية دون التلويح بأشهارالسيف وأستغلال الفقراء من الشيعة لشن حرب تجلب على العراقيين ويلات ومآسي جديدة. فأن كانت الثقافة هي عقل المجتمع فيجب أن يُحسب له ثقافته الدينية البيتية كونها ليست علمية ويُحسب له تعليم محدود لظروف نشأته ونشأت والده الجليل تحت ظل ظلم سياسي أستبدادي.

مانتمناه للعراق هو تعميم الخير والسلام والمحبة، وعندما يراه الناس وهو يرعد ويتوعد دون أن تتكون لديه النية الصافية لتوجيه البسطاء من الناس الى الخدمة المجتمعية الأنسانية، فالضرورة الأخلاقية تتطلب منا تنبيهه الى تصرفات غير مقبولة. و بقدر ما تمتلك جوارحه quot; السياسة quot;، سياسة دول لايفهمها هو نفسه ويحاول الأخرون فهمها دون عداء أو تحدي، فأن مشاركاته وتهديداته تدخل في حقل الفوضى وعدم الأدراك.

ويقول محدثي في الحركة الصدرية quot; العوائق كثيرة والواقع مخزي ومؤلم والعواقب مخيفه، ومعظم القوى السياسية المشاركة في مجلس النواب ترى أنه من المستحسن لنا ولهم أن تبقى الأبواب بيننا وبينهم مغلقةquot;.ومن المحزن أن هذا ماجرى ويجري. فقد فضلتْ معظم الكتل العراقية القبول والتغاضي عن عصابات من اللصوص والقتلة والفقراء أجتماعياً وثقافياً وتربوياً، أطلق عليها الصدر، quot;جيش المهديquot;،لأعتقاد بعض الأميين الجهلة بموعد ظهور المهدي صاحب الزمان وقدسية يوم الأخرة. وهي ظاهرة موجودة في المجتمعات الغربية أيضاً بأعتقاد البعض باليوم القريب لظهور السيد المسيح. وأستطيع كباحث ومراقب للشأن العراقي أن أشير الى أن هذه المعتقدات يجب أن (تُحترم لا أن تُفرض ) وهو موضوع آخر كلياً، فأن مايهمني اليوم، أن أُشير كمراقب الى الواقع المُخزي للتنافس المزري وأختلاف ولاء الأحزاب الشيعية (المجلس الأسلامي الأعلى، الدعوة، الحركة الصدرية ) الذي يسوده الأرتباك والتبعثر والشك والنقمة وفساد عناصر غير ملتزمة بأي نظام داخلي تنظيمي. وكذلك الحال المُحزن في الأحزاب الكردية وأنقسام ولائها بين (الحزب الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي وحزب العمال الكردي). كما أن هناك أنقسام وولاء سني لأحزاب عراقية تُقاتل بعضها وتحاول التسيد والسيطرة على مصالح أبناء السنة. وظاهرة أنقسامات الكتل على نفسها سببها التنافس وولاء البعض للعشيرة قبل الدولة، وللحزب وتقاليده الأجتماعية السياسية والمعتقدات المذهبية، وعلاقات الكتل بالدول الأقليمية العربية والأسلامية.

أظن أن الكثير منا يتفق على أن السياسة المتبعة للكتل داخل المنطقة الخضراء تنقضها مايجري خارجها على الصعيد الشعبي في المدن والمحافظت. فالحملة الحكومية بوعود الأصلاحات الأجتماعية والخدمية تواجهها القوى الصدرية بحملة تقاد وتُشن من مقتدى الصدر نفسه بمطالبة أخراج القوات الأمريكية (وفي أحيان كثيرة) التحريض والدعوة الى مهاجمتهم كما جاء في تصريحه الأخير. وتأخذ التعقيدات الأجتماعية التي تُثار مع حملة الصدر شكوك في قدرة حكومة المالكي الأئتلافية على أبقاء قوات أمريكية بأتفاقية جديدة لاحقة مع رغبته ورغبة القوى الكردية في أعادة تجديد الأتفاقية لسنوات قادمة بنصوص تختلف مضامينها عن الأتفاقيات الموقعة بين الولايات المتحدة ومصر ودول الخليج العربية. ويبدو الان أكثر من أي وقت مضى أن المتشبعين بأفكار أيران المذهبية وسياستها الخارجية لايستطيعون الموازنة والتمييز الأستراتيجي بين حاجة العراق الى أبقاء سياسة العلاقة المتينة بينهما كدولتين حليفتين للعراق(أمريكا وأيران) دون ترجيح كفة على أخرى أو تأزيمها مع طرف بعمل أحمق وتصرف غبي. وذلك في رأيي، لقلة الحنكة السياسية والدبلوماسية وعدم قدرة الصدر ومجموعته، الأرتفاع الى المسؤولية وأستخدام مالدى الحركة الصدرية من أمكانية في المجلس للأستفادة من الثور الأمريكي تكنولوجياً وعلمياً خاصة في مجال الطاقة، أعلاءاً لكلمة العراق ومصلحته في الأستقرار الداخلي والقطري.

أن عدم معاداة أمريكا وعدم التحريض على مهاجمة من يبقى من مستشارين وفنيين أمريكيين يقومون بتدريب القوات العراقية ومساعدة الاجهزة الأمنية في محاربة الأرهاب موضوع يجب على الحكومة معالجته بحكمة ومسؤولية وأعطائه أقصى درجات الأهمية الأمنية ويتطلب نصح الصدر وممثليه في مجلس النواب بأن أطلاق تصريحات غير متوافقة مع ماترتأيه الكتل البرلمانية الأخرى، الشيعية والسنية والكردية، يضر ويسيئ الى مصالح العراق الحيوية ويعرقل تقدمه الحضاري.

ولابد من التشديد بأن تظاهر الصدر بمعاداة الولايات المتحدة وفتح باب الأحتجاج الشعبي ضد الوجود الأجنبي ماهي أِلا مناورة غبية بأسلوب عصابات الجهل الصومالية وماجلبته من أضرار وويلات على الشعب الصومالي وتخلي أمريكا عنه. وقد تسبب عصابات مماثلة في العراق أحداث أضرار بالغة بمستقبل العراق السياسي وسيادته الوطنية على أرضه، كما قد تغلق كل أنواع التعاون الفني والأقتصادي والتجاري والعسكري بين البلدين الحليفين ووقوع العراق فعلياً في أحضان الجريمة وفريسة سهلة بين مخالب الدول المجاورة.

فالصدر الذي يتجول بعِلم ومعرفة القوات العراقية والأمريكية بين دول المنطقة، يعلم على الأقل، بترحيب الشيعة والسنة والأكراد للسياسة الأمريكية ووقوفها معهم لأسقاط النظام الصدامي (رغم أخطاء الأطراف المتحالفة) التي رافقت حملة أسقاطه.

وأذا كان الصدر يريد فعلاً تصحيح أخطاء الثور الأمريكي ويضع القوى العراقية الحالية في أمتحان صعب وعصيب، فأنه يستطيع بالمكانة التي يتمتع بها ممثليه في مجلس النواب، دعوة الحكومة للتفاوض بعقل راجح بعمل مسح تقني وصناعي لحاجات العراق من دولة في وزن أمريكا والتأكيد عليها، كبناء مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية في العراق.
ففي أعتقادي وتصوري لطريقة التعامل الأمريكية فأن فكرة المشروع وتنفيذها سيُرحَب بها من قبل الأوساط ألأمريكية الصناعية والعراقية الفنية بالذات، وهو توجه تسلكه منذ أكثر من 20 سنة، دول حليفة للولايات المتحدة ( تركيا، البرازيل واليابان ودول أخرى.

وهناك حالياً 420 إلى 510 محطة في اكثر من 40 بلداً من بلدان العالم تستخدم الطاقة النووية لتوليد الكهرباء. والولايات المتحدة وحدها فيها أكثر من 110محطة تنتج ما يصل إلى 25% من الكهرباء التي تحتاجها. لقد أصبح من المؤكد أن دول العالم في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية تتجه الى استخدامات الذرة لأغراض توليد الطاقة الكهربائية بدلاً للطاقة الكهربائية القديمة وستتوسع الاستخدامات بشكل سريع يسيطر على معظم المجالات خاصةً، في مجالي الطاقة والعلاج الطبي في السنوات المقبلة.

الصدر له مطالب تتناسب مع قدرته على التفكير، وهو في تنافسه وعدم تنسيقه مع شخصيات أخرى في الحركة الصدرية يضع العديد منهم في موقف أنتهازي محرج لتناقض أرائه الشخصية معهم ومع الكتل الشيعية الأخرى quot;الصامتهquot; التي ترى أن أستفزازاته للحكومة الحالية لاتدل على مسؤولية أدارية أو خُلقية. وبينما ترى أوساط سياسية وصحفية أن ملف الحقائب الأمنية وملفات المعتقلين تشمل جرائم أرهاب وأغتيالات وسرقات أرتكبها من يخضعون الى توجيهاته، وتحول هذه الملفات الى مسلسل ممل، يرافقه صراخه وتهديد أنصاره بعودة أرهاب جيش المهدي الى المدن العراقية، وهو موقف يعطي ويضيف صورة قاتمة مُربكة لشركاء العملية السياسية وفوضى مسيرتها بدلاً التشجيع الفكري الى بناء الوطن والمواطن.