هل يجوز وصف الحاكم بالرشوة، حين ينال شعبه ببعض كرمه المادي؟ هل يشترط أن يكون الحاكم بخيلاً ومنعزلاً ومتشدداً في علاقته بشعبه حتى يروق النقد، ويروق الوصف لبعض من ارتدوا ثياب الإصلاح في الإصلاح!

لا شك أن من زعم ذلك كان متحيزاً ومجحفاً في حكمه، حين تجاهل تراثاً ثقافياً تاريخياً- عربيا وخليجياً- عُرف فيه الحاكم- أول ما عُرف- بالعطاء والإكرام، لكنه هكذا فعل!
ولم يقف الخطاب عند هذا الحد بل تجاوزه الى نعت بناة الدولة بأوصاف لاتليق بمكانتهم التاريخية والاجتماعية والسياسية والانسانية. وهو التوصيف الذي لم تقل به أي من الحركات الاحتجاجية العربية التي أوقدت من ثورات شعوبها -واضطرت زين العابدين بن على وحسني مبارك للرحيل- إلا في مراحلها الأخيرة، مطالبة ولا زالت تطالب في سوريا بإصلاح النظام وليس بإسقاطه مرة واحدة، وهل لغة الإصلاح هذه تناسب فلسفة الإصلاح التي هي مطلب شرعي وانساني.

أليس للحوار آداب؟ وللإصلاح منطق, يفقد روحه حين تعلو راديكاليته وتشدده اللانهائي، لماذا يرفض شخص يتشدق بأهمية تطبيق القانون الامتثال لأمر النيابة بالتحقيق معه؟ لماذا يمضي أكثر من عشر ساعات يكتب خلالها للمنظمات الحقوقية بأنه يتعرض للخطف، ويترك مؤموري الضبط القضائي لمدة عشر ساعات ينتظرونه خارج بيته؟ أين سيادة القانون التي يطالب بها هؤلاء؟ لماذا ينشر هو ومن حوله أكاذيب حول تعرضة للتهديد بالقتل؟ لماذا لم يبلغ الجهات المعنية ويكتفي بابلاغ المنظمات الحقوقية؟ألسنا في دولة مؤسسات؟ أم هو انتفاخات البطولة!

هل الكل مسئولون إلا (دعاة حقوق الإنسان ) رغم أنهم يتهمون بعضهم بعضا في كل بلاد العالم العربي، وهناك قائمة سوداء لمنظمات حقوق الإنسان في مصر، والاتهامات الهائلة بينها أشهر من أن تعرف خاصة خلال الفترة الاخيرة من التسعينيات حول قضية التمويل وقضية التسييس وغيرها من القضايا!

قضية التسييس ربما تكون هي الأوضح والأبرز في نشطاء حقوق الإنسان في الخليج، فهم يسييسون كل كبير أو صغير، فضلا عن أنهم ذوو اتجاهات فكرية معينة يضمرونها ويدافعون عنها تحت ستار أنهم يدافعون عن حقوق الإنسان، وكثير منهم ينتمي لحركة الإخوان المسلمين، ولكن يظهر تحت مسمى (ناشط حقوقي) رغم الفارق الهائل بين مرجعيات حقوق الإنسان ومرجعية الإخوان المسلمين! ولعل منظمات دولية كهيومان رايتس ووتش وفريدوم هاوس وغيرها تدافع عن قضاياهم وتتضامن معهم ولكن هل سيقفون هم مع هذه المنظمات إذا دافعت عن القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، كما هو منصوص عليه في اتفاقية السيداو، أو سيقفون مع الغرب حين يدافع بعض نشطائه عن حقوق المثليين أو حرية الاعتقاد وحق الردة!

أسئلة عليهم أن يجيبوا عنها قبل أن يدعوا بعد قذفهم واساءتهم لثقافة الحوار أنهم مهدودون لدفاعهم عن حقوق الإنسان وليس عن مواقفهم الأيديولوجية الواضحة!
وليتهم يعتذرون كما يطالبون غيرهم بالاعتذار!

ربما كان واضحا أن بعض نشطاء الخليج بالعموم أرادوا أن يصطادوا في الماء العكر بعد أن صعدت وتمددت الثورات البوعزيزية في المنطقة، بعد أن أزاح الشارع المؤسسات والأحزاب والقوى السياسية الأخرى، أرادوا أن يبعثوها ذميمة كما قال زهير بن أبي سلمي:
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة.. وتضر إذا ضريتموها فتضرم!

وهاهي تشتعل في درعا بمذبحة جديدة وتشتعل في ليبيا بضحايا وعودة مرتقبة لنظام القذافي متى فشلت خارطة اردوغان، فهل يريدونها صداما واشتعالا.. أم يريدونها اصلاحا وعقلا وأدبا من المهم أن يتحلى به الحوار ودعاة الإصلاح!

هلا أجاب المتلبسين بالاصلاح عن هذه الأسئلة بدلا من أن يقدسوا أنفسهم فقط ويدنسوا ما سواهم!