تمر في هذه الايام ذكرى سقوط صنم العراق ويرتبط هذا السقوط بتغير جوهري على مستوى التاريخ العراقي السياسي والاجتماعي، ورغم كل السلبيات السياسية التي مازالت تحيط بهذا التغير الانساني الصائب فان الصورة العراقية المحلية من ناحيتي التشكيل الاجتماعي والتركيبة السياسية تسجل دون لبس أرقى درجات التنوع العراقي تحت قبة البرلمان وفي دوائر الحكومة العراقية هذا التنوع الغائب منذ قرون طويلة رسم طريقه للوجود بعد نيسان 2003. وهذا التميز العراقي هو سابقة تاريخية على المستوى المحلي العراقي وكذلك كان هذا التميز وسيبقى مصدر الهام للشعوب العربية والتي بدات تجني ثمارها في بعض البلدان العربية و من جانب اخر هذا التميز العراقي هو مصدر قلق للحكومات العربية. و مع السلبيات الكبيرة التي تحيط بالعملية السياسية في العراق الجديد لكن الامل دائما موجود من خلال امكانية التغير ضمن الحدود الدستورية والديمقراطية والتي اصبحت البناء الاساسي الذي لايمكن العبور عليه او تجاوزه، وهذه اهم ميزة بالمقارنة بين عراق ما قبل 2003 وعراق مابعد 2003.

من الواضح ان التجربة العراقية أعطت ثمارها على مستوى البلدان العربية رغم ان هذه التجربة شهدت اشواط من الاستهداف الارهابي ومساحة من الاستهداف الطائفي في مرحلة معينة، لكن هذا الارهاب وهذه الطائفية كانت بحق هدية الدول العربية ودول الاقليم الى العراق لذلك كانت سعادة العراقيين لاتوصف وهم يرون ان أنظمة الاستبداد التي مدت هذا الارهاب بوقود الاشتعال والاستمرار في العراق اما تتدعى او في طريقها للزوال، ويبدو ان وعي الشعب العربي كان متقدما بشكل كبير على هذه الانظمة الديكتاتورية والدموية حينما استطاع ان يفرز بين عملية ديمقراطية جديدة في بلد عانى عقود طويلة من الديكتاتورية وبين أنظمة كانت تحاول زرع الالغام في طريق هذه التجربة العراقية الواعدة.

ومن جانب اخر اكثر أهمية أثبتت الثوارت والاحداث الجوهرية التي حدثت وتحدث في عالمنا العربي في الوقت الحالي بطلان وسطحية الشعارات التي كانت تستخدمها بعض الحناجر العربية الشعبية او الحزبية او الاعلامية من ماركة الظواهر الصوتيه الفارغة. فلقد تحول وبصورة غير مسبوقة quot; المحتلين quot; من قوات التحالف في العراق الى ملائكة الله في الارض تستنجد بهم الشعوب العربية وهي تطلب الدعم الامريكي والغربي للمساعدة العسكرية والسياسية في اسقاط أنظمة الاستبداد العربي!

في ظاهرة مثيرة ومفارقة لاتدعوا الى الاستغراب الا لمن كان يرى الامور بشكل سطحي او من كان في صف المتضررين بسقوط الاصنام، وقد يكون ماجرى من احداث في تونس ومصر وليبيا واليمن خير شاهد ودليل قاطع لايقبل التأويل على الواقع العربي الذي تحول الى استجداء الدعم الامريكي والغربي للمساعدة في سقوط هذه الانظمة حتى لو أدى الامر الى تدخل قوات التحالف عسكريا كما يحدث الان في ليبيا. والاسباب في ذلك كثيرة لكن قد يكون أهمها معرفة هذه الشعوب ان انظمة الاستبداد هذه هي صنيعة الغرب ولن تسقط دون رفع اليد عنها من قبل الغرب وايضا ان هذه الشعوب تعي جيدا حجم قوة هذه الانظمة الدموية دون رقيب وعصا وكنترول الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي.

وللتاريخ ان العراقيين لم يوجهوا الدعوة الى قوات التحالف لاحتلال بلدهم لكن في لحظة تاريخية فاصلة وفي قراءة منطقية وواقعية التقت مصالحهم مع مصالح قوات التحالف في اسقاط هذا النظام الصنمي على أمل ارجاع الامور الى نصابها العراقي الوطني في اقرب فرصة ممكنة وهذا ماحدث لاحقا ويحدث الان مع انسحاب قوات التحالف من العراق على ضوء اتفاقية أمنية ستراتجية واضحة المعالم. كما اصبح من الواضح الان ان شعوب عربية تلهث بدعوة القوات الغربية للتدخل العسكري المباشر للمساعدة في اسقاط رموز الاستبداد وهذه الدعوات تحمل في جوانبها نوع من الواقعية وفي جانب اخر تبدد تلك الشعارت الفارغة التي رفعت ضد العراقيين بعد نيسان 2003 والتي تم من خلالها تحشيد بهائم التفخيخ ووعاظ السلاطين وفتاوى الموت والتكفير واموال السحت الحرام لذبح العراقيين في بلدهم من الوريد الى الوريد. كما اصبح من الواضح ان شعوب عربية تتمنى ان يكون عندها 9 نيسان عراقي لاسقاط انظمة الحكم الديكتاتوري، وكعراقيين لااعتراض لدينا فهذا حق تقرير مصير للشعوب دون وصاية من اطراف خارجية ولكن مع ملاحظة بسيطة للظواهر الصوتيه الاعلامية والسياسية والدينية العربية.. لاتبيعوا علينا بضاعة كاسدة وان بضاعتكم ردت اليكم كما وعدكم العراقيين خلال ثمانية سنوات من سقوط النظام الصنمي في العراق.

[email protected]