إيران: ثورة تصادر و اخرى تولد من جديد

العلاقات الايرانية الامريکية: العداوة التي إنقلبت شراکة

قبل أن ندخل في تفاصيل خلفيات و مبررات وضع منظمة مجاهدي خلق ضمن قائمة المنظمات الارهابية عام 1995، نجد الحاجة ماسة للوقوف عن کثب على حقيقة أن التناغم و الانسجام الذي رافق المواقف السياسية لکلا الجانبين ازاء او ضد بعضيهما، کان يخدم في جوهره الاستراتيجية بعيدة المدى للطرفين، فکل منهما کان بحاجة ماسة جدا للآخر کي تکتمل جوانب الصورة التي يرسمها للمنطقة و العالم، الولايات المتحدة الامريکية، وبعد أن خلا لها الجو بسقوط المعسکر الاشتراکي، لم يکن بإمکانها البقاء في مرکزها من دون إيجاد او خلق مبررات لتقويته و ديمومته، وکانت مسألة إختلاق إعداء لدودين لها يکاد أن يکون مثل ضرورة و أهمية حلفاء مخلصين و أوفياء لها، ومن هذا المنطلق، رکزت واشنطن و من بعدها الغرب برمته على تنظيم القاعدة و هولت من أمره کثيرا لغايات مختلفة، أما النظام الديني في إيران، فقد مضى قدما في مواقفه و شعاراته المعلنة ضد الولايات المتحدة الامريکية حيث أسبغ عليها لقبquot;الشيطان الاکبرquot;، وجعل من معاداتهاquot;بحسب المزاعم المعلنةquot;، رکنا أساسيا في السياستين الداخلية و الخارجية لها، وهيquot;إي إيرانquot;، قد قدمت بسبب من ذلك، من حيث تدري او لاتدري، خدمة جليلة لواشنطن بطرح نفسها کعدوةquot;عقائديةquot;لدودة لها و عدم إمکانية إقامة أي نوع من العلاقات معها، و تحت أي ظرف او سبب کان، وان موقف الخميني الذي أشرنا إليه في الحلقة السابقة(تقطع اليد التي تمتد لمصافحة أمريکا من إيران)، أعطى مبررا لواشنطن کي توحي لحلفائها و أصدقائها بوجود عدو لدود لها، وقد جائت مسألةquot;الخلايا النائمةquot;، في دول المنطقة و دول أخرى، بمثابة غيث من السماء هطل على واشنطن في فصل قائض و جاف، ومن هنا فقد تلاقفته و قامت بإستغلاله أيما استغلال و خصوصا فيما يتعلق بدول محددة من المنطقة ولاسيما وان مسألة الخلايا النائمة قد رافقت تطور مضطرد على صعيد البرنامج النووي الايراني(الذي سنأتي عليه لاحقا)، مما دفع الاوساط الحاکمة في المنطقة الى التفکير الجدي بالخطر القادم من إيران وتيقنت من حاجتها الماسة الى حليف او حلفاء أقوياءquot;يرکن إليهمquot;، للوقوف بوجه الشر القادم من طهران.

وقد کانت صفقةquot;إيران کونتراquot;، بين الجانبين أثناء الحرب العراقية الايرانية، بمثابة اللبنة الاساسية التي مهدت لصفقات أکبر و أهم و أکثر حيوية و خطورة، إذ قامت طهران بتقديم خدماتها لواشنطن ابان التحضيرات لحرب الخليج الثانيةquot;عاصفة الصحراءquot;، عام 1991، و کذلك بعد شن الهجوم و أثناء فترة الحصار الذي فرض على النظام العراقي السابق، ويمکن التوقف مليا عند سياسي عراقي مثلquot;أحمد الجلبيquot;، والذي کان موثقا لدى الامريکيين و بمثابة مصدر مهم لهم للحصول على المعلومات بصدد اسلحة الدمار الشامل العراقية، کانquot;ولايزالquot;، على صلة و علاقة وثيقة مع النظام الايراني حيث أن المعلومات التي کانت تسرب عبر الجلبي کانت تخضع لعملية تدقيق و تمحيص و إعادة صياغة، ويبدو أن الامريکان قد علموا بهذه الحقيقة في وقت متأخر جدا مما يعطي ملامح و أبعاد مفهومة و معلومة للدور الايراني ازاء مستقبل العراق وفق الرؤية الايرانية و کذلك توجيه الدور الامريکي وفق السياق الذي تريده، کما أن إعداد و تهيأة المعارضةquot;الشيعيةquot;العراقية المتواجدة في طهران، لمد جسور التفاهم و الحوار مع الولايات المتحدة الامريکية من أجل العمل المشترك لعراق مابعد صدام حسين، کانت هي الاخرى بمثابة نقلة جديدة يمکن إعتبارها نقطة إنعطاف في العلاقات المفيدةquot;غير المباشرةquot;، بين الجانبين، علما بأن المعارضة الشيعية العراقية الموالية او المسايرة للنظام الايراني، کانت تتنفس من ذات الرئةquot;العقائديةquot;له و کانت أفکارها تتطابق تماما معه فيما يتعلق بالموقف من الولايات المتحدة الامريکية و الکثير من المسائل و القضايا المطروحة على صعيدي المنطقة و العالم، بيد أن مصلحة النظام و مستجدات الظروف الذاتية و الموضوعية لإيران بشکل خاص و المنطقة بشکل عام، فرضت عليه أن يدفع هذه المعارضة للإتصال بواشنطن و التفاهم و التباحث معها بخصوص مرحلة مابعد نظام صدام حسين، وقد کانت هذه التفاهمات و جسور التعاونquot;بغض النظر عن نيات و أهداف الجانبينquot;، خلال الفترة الممتدة من قرار وقف إطلاق النار بين دول التحالف من جانب و بين النظام العراقي في 28/3/1991، لغاية عام 2001، نجمت عن تعاون مثمر بين الجانبين، إذ ساهم في توفير أرضية مناسبة للتفاهم بينهما في عملية شن الحرب الامريکية في أفغانستان في السابع من أکتوبر عام 2001، حيث کانت اللبنات الاساسية لهذه الحرب قد وضعت في طهران إذ لم يکن إطلاقا شن تلك الحرب من دون ضوء إيراني أخضر، ولاسيما فيما يتعلق بتحديد أطراف أفغانية معارضة لنظام طالبان و التنسيق بينها و بين واشنطن، وعاد الطرفان ليتفقا مجددا في حرب إسقاط النظام العراقي عام 2003، والتي أثبتت لمختلف الاوساط السياسية و الاعلامية في المنطقة و العالم، بأنه من الممکن أن تلتقي مصالح الطرفين لفترة محددة لتنفيذ مشروع استراتيجي، ومن ثم تعود للتقاطع بعده او تتخذ شکلا آخرا، وان عودة الطرفين للإتفاق لأي أمر طارئ اخر في المنطقة، مسألة واردة و لايمکن إستبعادها البتة، بل وان دول المنطقة باتت تتوجس ريبة من ذلك التفاهم الغريب بين الطرفين و تعتبره في کثير من الاحيان شرا مستطيرا يمکن أن يصيب مصالحها بعيدة المدى بأضرار فادحة. ولايمکن حصر الفائدة المجنية من حربي أفغانستان و العراق بالجانب الامريکي، إذ أن النظام الايراني بدوره قد إستفاد إستفادة قصوى من الحربين و تمکن من جني مکاسب لم يکن يحلم بها في يوم من الايام لولاquot;الدور الامريکيquot;بالمنطقة، مثلما أنه لم يکن من المتيسر للامريکان تحقيق کل ذلك التقدم الکبير على صعيد الحربين لولا الدعم الايراني الضمني المتعدد الجوانب و المقدم لهم بصور مختلفة، لکن النظام الايراني إستطاع في خضم تلك الحروب المضي قدما في برنامجه النووي و دفعه للأمام بحيث أن الکلام بدأ يثار عن الفترة الزمنية التي تفصل بين طهران و قنبلتها النووية، إضافة انها تمکنت أيضا من ترسيخ أقدامها ليس في أفغانستان و العراق وانما في دول أخرى من المنطقة و طفقت تفرض خياراتها على هذا الاساس، وعلى الرغم من أن الاستراتيجية الامريکية کانت في أغلب الاحيان وفي ظل وجود خصوم ألداء لها، تبنى على أساس خيار البديل و تسعى من أجل تهيأة البديل بالطرق المختلفة، کما کان الحال في أفغانستان و العراق و حتى ليبيا، فإن هذا الامر لم تقم الولايات المتحدة الامريکية بتوظيفه و تفعيله على أرض الواقع وانما ظلت دائما على مسافة ثابتة من المعارضة الايرانية بشتى أطيافها ولم تتقدم ولو مجرد خطوة واحدة للأمام بإتجاه التشاور و التناصح معها، بل وانها قد قامت و في خطوة غير مسبوقة و غريبة کل الغرابة بالعمل الجدي على الوقوف ضد نشاط المعارضة الايرانية ولاسيما الفعالة و النشطة منهاquot;کمنظمة مجاهدي خلقquot;، و عملت على خلق المشاکل و العراقيل بوجهها في الوقت الذي وفرت أرضية مناسبة و ملائمة جدا للنظام الايراني کي يعمل بهدوء من أجل التفرغ لکل أشکال المعارضة و أوجهها من خلال تقوية أجهزته الامنية و التمرس في إيجاد طرق و أساليب غير مسبوقة للقمع و کبت المعارضين لها، وعلى الرغم من أن مختلف المنظمات الدولية الحقوقية و المعنية بحقوق الانسان کانت تؤکد في بياناتها المختلفة على استمرار القمع المنهجي ضد الشعب الايراني و استمرار حملات الاعدام بشکل ملفت للنظر بحيث أنها تجاهلت وعن عمد الاحکام الدولية التي تحدد سنا للإعدام ففرضت أحکاما بالاعدام على أفراد کانوا دون سن 18 عاما في وقت إرتکاب الجريمة، هذا في الوقت الذي أعترفت فيه السلطات الايرانية بإعدام 252 شخصا عام 2010، بمن فيهم خمس نساء و مذنب حدث واحد، فقد تلقت منظمة العفو الدولية تقارير ذات مصداقية بأن مايربو على 300 عملية إعدام نفذت في إيران دون أن تعترف السلطات بها رسميا، وقطعا ان مايعلن عنه النظام الايراني غير الذي يفعله على أرض الواقع و أن الغرب و واشنطن تحديدا تعلم و تعي ذلك جيدا، غير أن الولايات المتحدة الامريکية و بدلا من ممارسة الضغط بهذا الاتجاه، لجأت الى سياسة إتسمت بنوع من الميوعة و عدم الوضوح و الجدية فيما يتعلق بهذا النظام و فضلت الاستمرار في سياسةquot;الشراکة الضمنيةquot; و التقاسمquot;المحددquot; للنفوذ بينهما، ويبدو المشهد الحالي لدول في المنطقة و دور کل من الولايات المتحدة الامريکية و النظام الايراني في مايجري بها، وکأنه يرسم في الآفاق صورة واضحة نوعا ما لعملية تقاسم النفوذ و الادوار بينهما في المنطقة، إلا انه من الواضح جدا ان واشنطن أدرکت و بعد فوات الاوان، بأنها کانت الخاسر الاکبر من لعبة تقاسم النفوذ و الادوار الضمنية بينهما في المنطقة و تيقنت من ان طهران قد تجاوزت بکثير المساحة المحددة لها للتحرك وانها ليست تلعب اليوم خارج تلك المساحة فقط وانما تکاد أن تفرض خياراتها و رغباتها هناك أيضا، واليوم، وعندما تريد واشنطن أن تفکر بماضي علاقاتها و مواقفها من طهران، فإن عليها قبل کل شئ أن تراجع أخطائها الاستراتيجية التي إرتکبتها بتحجيم و تجميد دور المعارضة الايرانية بشکل عام، ودور أهم طرف فاعل فيهاquot;منظمة مجاهدي خلقquot;، بشکل خاص، وعليها أن تعود ليس الى عام 1995، وانما الى قبل ذلك و تعيد صياغة مواقفها و سياساتها من هذا النظام و بدون ذلك فإنها ستستمر في لعبة خاسرة و تساهم بإيجاد و خلق قوة إقليميـة تغذي التطرف و الغلو و العنف و الارهاب في المنطقة بصورة خاصة و العالم بصورة عامة، ولموضوع صلة.