قراءة في المشهد الايراني و آفاقه المستقبلية
رأيت و سمعت کل شئ
طوال الفترة الممتدة من عام 1981، ولحد عام 1995، جند النظام الايراني کل طاقاته و إمکانياته المتاحة و عبر مختلف الوسائل و السبل و على مختلف الاصعدة، لملاحقة و محاربة و إفناء منظمة مجاهدي خلق، وقد خاض النظام الايراني صراعا مريرا مع هذه المنظمة التي شکلت له صداعا و ارقا مزمنا و أقضت من مضجعه کثيرا، فيما أبليت المنظمة بلائا حسنا و واجهت خصما إستثنائيا و صراعا عنيفا غير متکافئ من مختلف الاوجه و قدمت و ضحت لأجل ذلك الکثير الکثير، بل وانها و بسبب من شکل و مضمون هذا الصراع نالت الکثير من التشويه و التحريف و الظلم إذ قام النظام الايراني و خلال فترة الصراع المرير بينه و بين هذه المنظمة، بإنتهاج سياسة خاصة جدا من أجل تشويه الصورة الواقعية لهذه المنظمة و إلحاق الکثير من التحريف و التشويه المتعمدين بتأريخها النضالي الذي بنته في فترة صراعها المرير ضد نظام الشاه، کما انها سلکت طرق و اساليب استخبارية متباينة من أجل ان تبدو المنظمة أمام الشعب الايراني بصورة غير تلك الصورة و الانطباع الجيد الذي حملته عنها طوال الاعوام الماضية، إذ کان يعلم النظام الديني بأن العلاقة الجدلية المبنية بين الشعب الايراني و منظمة مجاهدي خلق، من القوة بحيث لايمکن فصم عراها بين ليلة و ضحاها، ولذلك حاول عبر اسلوب بالغ الخبث و المکر، النيل من هذه العلاقة و تغيير ماهيتها و مضمونها لکي تبدو بصورة مغايرة تماما لما هي عليها في الواقع. وقد إهتم النظام الايراني بملف منظمة مجاهدي خلق إهتماما خاصا و منحه اولوية متميزة عن باقي الملفات العديدة الاخرى، وحتى ان ملف منظمة مجاهدي خلق کان له دوما مکانة خاصة في کل المفاوضات الخاصة للنظام مع مختلف الاطراف و على مختلف الاصعدة في سبيل تحجيم و عزل و إضعاف هذه المنظمة على أمل القضاء على دورها المهم و الحساس و الحيوي على الساحة الايرانية، وکأمثلة حية على ذلك، فإن النظام الديني في طهران، و أثناء إجراء إتصالاته المشبوهة مع زعيم الحزب الديمقراطي الکوردستاني الايراني الدکتور عبدالرحمن قاسملو في العقد الثامن من القرن الماضي، سعت لإبعاده و إخراج حزبه من المجلس الوطني للمقاومة الايرانية والتي قامت بدورها بتقديم نصائحquot;مخلصةquot;للدکتور قاسملو من مغبة التفاوض مع النظام الايراني و حذرته من نوايا و أهداف النظام المشبوهة، لکن الدکتور قاسملو الذي کان يجري إتصالاته السرية مع النظام عبر زعيم کوردي من العراق، لم يستمع الى تلك النصائح مما دفع المجلس الوطني للمقاومة الايرانية الى فصل الحزب الديمقراطي الکوردستاني الايراني من عضوية المجلس، کما أن کافة مفاوضات النظام السياسية و مختلف العقود الاقتصادية التي کان يبرمها مع الغرب و أطراف إقليمية أخرى، کانت قضية موقف تلك الاطراف من منظمة مجاهدي خلق مطروحة بقوة على بساط البحث، بل وان صدفة غريبة من نوعها جعلت صحفي فرنسي بارز هو جان کلود موريس، رئيس التحرير السابق لصحيفةquot;جورنال دو مانشquot;، يکون حاضرا أثناء إجراء مفاوضات فرنسية إيرانية في طهران وطرحت خلالها ملفات ساخنة للبحث و التفاوض بين الجانبين من بينها(العراق، الملف النووي، قضية مجاهدي خلق)، وکان الوفد الفرنسي برئاسة وزير الخارجية الفرنسي يومئذquot;دومينيك دو فيلبانquot;، و يروي موريس في کتابه الذي ألفه بهذا الخصوص و حمل عنوان(إذا تکرر ذلك، سوف أقوم بتکذيبه)، بأن دومينيك دو فيلبان، إنتابته الدهشة عندما رآه في داخل صالة المحادثات و خاطبه قائلا:( آه ماذا تفعل أنت هنا؟ أنت سمعت کل شئ؟ شئ غير قابل للتصديق! آمل بأن تنسى کل شئ. إعتبارنا مرتبط بهذا)، موريس الذي يؤکد في کتابه المذکور(دومينيك دو فيلبان، خرج من صالة المحادثات التي استغرقت 90 دقيقة طرحت خلالها مسائل ساخنة بحسب ذلك الوقتquot;العراق، النووي، مجاهدي خلقquot;، عندما کشف أمري، أنا رأيت کل شئ، سمعت کل شئ، وعلمت بکل ماقد تم طرحه، أنا کنت جالسا بهدوء خلفه على بعد متر واحد) و يستطرد هذا الصحفي البارز ليقول:( لأنه ذکرت کلام مباغت، ذکرت بعضا منها في مقالة عند عودتي لباريسquot;جورنال دو مانش 27/مارس 2003quot;. لم أذکر أمرا تسبب بعد شهرين بموجة إعتقالات عظيمة في فرنسا و تسببت في إقدام عدد من النساء الايرانيات اللاجئات بحرق أنفسهن)، حيث أن السلطات الفرنسية و بعد عودة هذا الوفد بفترة قصيرة، قامت بمهاجمة مقرات المنظمة في العاصمة الفرنسية بدعوى وجود اسلحة فيها و قامت بإعتقال قادة المنظمة بنفس الدعاوي و على أثر ذلك و کإحتجاج على هذا التصرف التعسفي الذي لم يستند على أية أدلة قانونية و واقعية، أقدم بعضا من الايرانيين من أعضاء المنظمة على حرق أنفسهم، هذا الصحفي في کاتبه المذکور فضح خلفية تلك الحملة الفرنسية و الاهداف التي تقف خلفها، و على الرغم من أن تلك الحملة الظالمة و الکاذبة قد بائت بالفشل و أفتضحت للعالم، لکنها في نفس الوقت أکدت على مسألة مهمة و بالغة الخطورة وهي الى أي مدى يذهب النظام الايراني في صراعه ضد منظمة مجاهدي خلق و حجم المساحة و الاهمية التي يشغلها ضمن أولوياته، وقطعا أن النظام الايراني وجد و خصوصا بعد إنهيار الکتلة الشيوعية و إستحواذ الولايات المتحدة الامريکية على موقع استراتيجي مميز، أهمية أن تکون له قنوات و وسائل إتصال متعددة مع واشنطن، و سعت لرسم استراتيجية بعيدة المدى تقود الى تحجيم و عزل و إضعاف منظمة مجاهدي خلق على المستوى الدولي عبر النافذة الامريکية، وفي الوقت الذي کانت السياسة البراغماتية الامريکية تسعى بطرق مختلفة لإحتواء النظام الايراني وquot;تدجينهquot;وquot;إعادة تأهيلهquot; لکي يتأقلم مع الخطوط الاساسية لسياستها في الشرق الاوسط بشکل خاص و العالم الاسلامي بشکل عام، فإن النظام الايراني قد وجدت من جانبها الفرصة مواتية لکي تتلاقف اليد المدودة لها من واشنطن و باسلوبه الماکر المعهود لکي يستغله بالصورة المطلوبة التي تتماشى مع سياسته الخاصة على مختلف الاصعدة، ويقينا أن النظام الايراني الذي لعب و بصورة متقنة مسرحيةquot;الاصلاحquot;ضمن إطار نظامه الديني المتطرف من خلال شخصquot;هاشمي رفسنجانيquot;و الإيحاء بأنه يمثل الجانب المرن و المتقبل للحوار و الاخذ و الرد مع الغرب بصورة عامة و الولايات المتحدة الامريکية بصورة خاصة، وعلى الرغم من أن الرفسنجاني أمضى فترتين رئاسيتين في الحکم، لکن الايام أثبتت بأنه لم يأت بأي جديد وأنما ظل ملتزما و خاضعا لأبجديات و اسس النظام الذي شيده الخميني، ولأجل ذلك، وبعد ان وجد النظام الايراني بأن الغرب قد بدأ يملquot;الظاهرةquot;الرفسنجانية، فقد غير من شکل و مضمون اللعبة عندما دفع الى الواجهة بمحمد خاتمي و شعاراته الاصلاحية المزعومة و تلك الهالة الکبيرة التي أحيط بها منذ الايام الاولى لظهوره على الساحة و طرحه لمبادرةquot;الحوار بين الحضاراتquot;، والتي عقدت عليها العديد من الحکوماتquot;المؤثرةquot; على صعيدي المنطقة و العالم الکثير من الآمال بل وحتى أن اوساطا متعددة قد راهنت على هذا الرجل و تيارهquot;الاصلاحيquot; على أمل إحداث المعجزة في إيران و إحداث تغييرquot;شبه جذريquot;في بنية النظام، ولايجب ان ننسى هنا ثمة نقطة خطيرة و حساسة جدا وهي أن خاتمي قد استلم السلطة و النظام الايراني يعيش غمار واحدة من أعمق أزماته السياسية مع الغرب على أثر تورطه في ماسمي وقتها بحادثةquot;ميکونوسquot; في 17/9/1992، والتي أغتيل فيها قادة للحزب الديمقراطي الکوردستاني الايراني في برلين و ماتبعتها من سياسات عنيفة ازاء النظام و إدانة مسؤولين رفيعي المستوى في محاکم ألمانية بتهمة تورطهم في تلك الجريمة، بل ويمکن القول إجمالا بأن النظام الديني المتطرف في إيران کان يعيش في شبه عزلة دولية مفروضة عليه و کان يمر بواحدة من أصعب مراحله، فلم يکن أمامه من طريق إلا ليدفع محمد خاتمي الى الواجهة و يحيطه بتلك الهالة الوردية و بريق تلك الشعارات الاخاذة التي سال لها لعاب الغرب، ومن إصدار أحکام قضائية بإدانة مسؤولين في النظام، وصل الامر الى توجيه دعوات رسمية لخاتمي لزيارة بلدان اوربية حيث زار المانيا و إيطاليا و النمسا، حيث أنه وفي الوقت الذي کان ينتظر فيه العديد من المراقبين السياسيين و الاوساط الدولية إثارة ملف إغتيال الدکتور عبدالرحمن قاسملو في فينا في 13/7/1989، لکي تساهم في تقوية الموقف الدولي ازاء النظام الديني المتطرف و حقيقة تورطه في عمليات ارهابية بالادلة الدامغة، فإن الفصل الجديد من مسرحيةquot;الاصلاحquot; والذي أدى دوره محمد خاتمي، قد جاء في الوقت المناسب لکي يهدئ من روع الغرب و يسدل في نفس الوقت الستارquot;الى إشعار آخرquot;، على جريمته المروعة في ميکونوس، وبدلا من إدانته و جر هذا النظام أمام العدالة الدولية، فإن الغرب برمته قد قام بمکافأة هذا النظام من خلال إستقبال رمزه الهزيل محمد خاتمي في ثلاثة عواصم اوربية مهمة، لکن الامر المهم الذي يجب على العالم الانتباه إليه جيدا، هو أن النظام الايراني لم يقدم للعالم شيئا مهما و ملموسا على أرض الواقع أثناء فترة رئاسة خاتمي، وفي الوقت الذي کان يحصل هذا النظام على وعود عملية بواسطة شخصيته المفبرکة هذه، فإنه لم يکن يقدم للعالم شيئا سوى الکلام و توظيف عامل الوقت بدهاء لصالحه و للموضوع صلة.
- آخر تحديث :
التعليقات