قطعت المسافه بين فيينا وبون بأقل من اربع ساعات. قطار حديث، وكرسي وثير، وخط أنترنيتي يربطك بالكرة الارضية، وفوق البيعة مضيفه بلغارية، حسناء شابة، تقطر رقة ووداعة، تعيدك الى عاهر quot;منفوحةquot; نجد quot;مدينة الاعشىquot;. وتتلاشي أمامها وداعة بنات الشرق الآسيوي. تذكرت ممن تذكرت العابرين بين عاصمة بفاريا، وفيينا عاصمة الهاسبورك... تلك القامات الانسانيه المبدعة التي مرت على تلك العربات التي تجرها الخيول حافرة ثلوج الألب وغير الألب، مرت أمامي أشكالهم وأسماؤهم.. وحيواتهم عند السفر. قلت لنفسي وبنفسي، أليس من المجدي ان تكتب مشاهدات، لانه مهما تقدمت وسائل المعلومات وتوفرت المعرفة.. فان اللمسه الانسانيه بما تمور به من ملاحظات شخصية، يبقي لها ضجيجها بين عصافير الدماغ. تذكرت ان الفنان الموسيقار جوزيف هايدن ( توفي١٨٠٩) زار لندن وقضي بها سنوات أثمرت عن اشياء ممتعه، على رأسها سمفونيته الرائعة london 104 وكذلك دفتر يومياته الذي يصف فيه تفاصيل التفاصيل هناك. يتحدث عن بائع الحليب، عن زنا الرجال الانجليز، وخيانات نسائهم... عن موظف الضرائب الذي لم يتغير حتي الآن.عن النظام الانجليزي ملكا، حكومة، وشعبا.! العبارة الاخيرة خليجيه خالص!

بعد رحله جميلة وممتعة في القطار الذي احب.... اعشق رحلة القطار من الصغر وأهواها و.. سأهواها. وقررت هذه المرة ان اختار اوتيلا بجانب المحطة. اوتيل المحطة له رائحة خاصة. انك تملك خاصية جندي المرور، او الاشارات الضوئية، تملك التعايش مع الوجوه وكذلك الاسماء الجديدة. بل المواطنات والمواطنين الجدد في الغرف التي لا تتغير.

مع فرانتز

طبعا لم يطب لي المقام في الهوتيل، فخاطبنا (هايدي) احتجاجا وكأنها المسكينه مسوؤلة عن هذا العارض الوجودي الذي يعترينا! هيا الى هوتيل انيق لائق لا يقل عن costes دقائق وأتت هايدي بالحل واكتشفت ان الأوتيل اللائق بجانب الاوتيل غير اللائق! رحلنا على مبدأ الكريم وان لم نكن مثله ألبرت انشتاين، الفوضوي الكبير والذي انتظرته الانسانيه آلافا من السنيين، ليحل معضلتها مع بعض قوانين الطبيعة.هذا المجنون الكوني نشأ قريبا من هنا.

وفي مدينةulm اه. كم أتمني يتكحل ما تبقي من نظري رؤية المدينة التي ولد فيها من اهال التراب على من بقي من سحرة ومشعوذين وباباوات. وكنسيين فأنهي اسأله وبقيت تساؤلات.

::::::::::::::::::::
اليوم الاول قادتني قدماي الى حي عجيب بالصدفة فانقلبت الحال لاحط في حي من احياء الشرق، مناظر مدهشة، من كل شيء... في الاخير، تماماً،تصادفك كنيسة تحرس الحي اما قبل الكنيسة فأقوام من الشرق الكردي على الكردي والإيراني على الايراني. والعراقي الاغلبية وأقوام من كل أرجاء الشرق الادني. ثم كل شي هنا رحلات للسفر الى اماكن مقدسة مع بائعي المحرمات الى بائعي الذهب والمجوهرات لم افهم علاقة دكان المجوهرات بالجنس.

:::::::::::::::::::::

قال لي الأصدقاء الذين تناولت العشاء معهم ما الذي سأفعله غداً قلت أتمني ان آخذ دليلا لأطوف على منتجعات الموسيقي ومتاحف الفنون. نهض يوهان واقفا، وقال: وجدتها. quot;تعرف كل ركن فني في هذه المدينةquot;. قلت عليّ بها اذا. أتت في الصباح نفس الدقيقة عندما اتخذت مقعدي جانبها. هتفت الى شتراوس الان. اعلم ان فاغنر ليس هنا. ولم يولد هنا لكني اريد ان اتعرف على آثاره، شتراوس في فينا! قال. اجبت أني اقصد شتراوسكم انه ريتشارد لأيوهان. القت قفازًا في وجهي، انني متخصصة بالأدب الانجليزي، زوجي وحده يعلم الموسيقي، انه عازف وقائد اوروكسترا حفلته في الخامس عشر من مايو. اه - قلت في داخلي. اللعنة! ما دخل الزواج وما يتخلله من مضاجعة في تناقل المواهب؟ ادركت الآن انها وقعت في مصيدة...

مع فرانتز وعقيلته

حاولت التخفيف. صارت تغويني... سنرى ملوكا وقصورا وآثارا تخصهم. هنا قلت لها لقد سأمت من هذا، سأمت من القصور والسلاطين.

العمل مع الألمان، متعب جداً، ومرهق جداً. ساعات من النقاش، والدخول في التفاصيل، ثم رحلة بالقطار تقل عن ساعتين، ومن ثم بعد نصف ساعه العشاء. لكننا نحن شعوب نعشق القيلوله او السيستا. ؟ لا. لا هذا في القانون الالماني غير موجود. أتت آنا. لكنها تحب اسم آن كما ينطقه الانجليز. قلت لها مازحا ونزيدك عليه بوليين. استذكارا لطيبة الذكر آن بوليين عشيقة هنري الثامن ومشن ثم زوجته، فقتيلته. وهي ام شمس الملكات على مدى التاريخ إليزابيث الاولى.

المهم أتت آن مع زوجها فرانز واخذاني الى الحديقه الانجليزية في ميونيخ حيث ذلك المطعم الجميل وكان الحديث الذي امتد حتى منتصف الليل منوعًا.. دخلت السياسة مرة واحدة فقط. سآلني فرانز بعد أن استشار آن. هل صحيح ان أسامه بن لادن كان على علاقه بالأميركيين؟ توسع الحديث قليلا، ثم عدنا للموسيقى..
.................

فرانز أسمه الاول، هذا الاسم يغني في اضلعي ولأنه موسيقي شهير في بلده فهو يشترك بهذا الاسم مع ثلاثه احبهم فرانز كافكا. التشيكي العظيم، وفرانز ليست الموسيقار الهنغاري الاكثر وسامة وانسانيه من الموسيقيين، وفرانز شوبرت الفنان النمساوي الاقل حظا والاسوأ نهاية. فرانز هذا الصديق ابن الاربعين حولا سيدعوني غداً الى حفله الموسيقي الذي ينقسم الى الصباح حيث سأحضر والمساء على المائدة. دار نقاش طويل، كنت فيه السائل لقمة موسيقيه مثل فرانز.. عشاء بفاري جهد فرانز وآنا ان يقنعا الطاهي، بتوفير شيء يصلح لي. فالالمان يأكلون اللحم الأحمر أكثر من شيء اخر وانا لا آكل الا الابيض كان النقاش ممتعا مع قائد اوروكسترا، مثيرا، سالته عن السر في هروب العازفين من موزارت ولجوئهم الى الروس او بيتهوفن وبرامز او يوهان شتراوس. قال فرانز: الصعوبة ان عالم موزارت عالم بالغ التعقيد وموسيقاه صعبة. الأغرب والكلام لفرانز. ان الاطفال يفهمونه اكثر من الكبار، هناك لغة مشتركه لم تكتشف بعد ومفعمة بالأسرار بين الطفولة وموتزارت.. قلت وهل تخاف انت من موتزارت؟ نعم، قال ثم اكمل سأحاول عزفه غداً.

ثم تناولنا طويلا أزمة برامز مع بيتهوفن وكيف عمل طويلا للتخلص من ظله. قالت آن: كذلك حبيبي فرانز يعاني من ظل بروكنا! لم افهم لأنني لم يسبق لي ان عرفت بروكنا الا بالاسم فشرحا لي بروكنا ووعدتهما ان اتعرف عليه اكثر. ومررنا على فرانز ليتس وفاغنر وذكرت لهما انني زرت بيت فاغنر وقبره ومتحف ليتس هذا الصباح في بايروت وعرجنا على اكثر من موضوع. ثم عاجلته بطعنة سؤال على طريقة عمنا عنتره... أليس غريبا ان تكون بفاريا. ولا تذكر ريتشارد شتراوس؟ غمزته آن قائلة: اجب. قال لا، بلى عزفت له لكنه غير مهتم بفنه، كان يعشق لعبة الورق الى درجة انه يسرع في اداء وصلته ليذهب للعب الورق.

أه قلتها ثم صمت وسرح خيالي بعد اكتشافي السبب... ريتشارد شتراوس بفاري المولد والانتماء لكنه خلاف البفاريين رجل يجاهر في عدائه للكنيسة والمسيحية حتى انه كاد يسمي سمفونيته الخالده Alpine symphony ضد المسيحية، بحيث لم اجد تبريرا لما يلاقيه شتراوس من صديقي فرانز ولست متأكدا من هذه الافتراضية. ربما وجدت افتراضا آخر، عندما كنت في لايبزغ رايت تفريقا بالمعاملة، بين باخ وماندلسون، باخ يُعامَل كملك رمز الدولو وحاميها الأعلى، وماندلسون يُعامل كرئيس وزراء وهذا ما تفعله ميونيخ إزاء فاغنر وشتراوس.

ولله في خلقه شؤون.
تحية المانية مطعّمة بماذا؟ أبمواسم الزهور أم بحفلات الجعة؟ ام خيارات الموسيقى، ام بألمانيا كلها حيث التسامح والتعددية وعشق التحضر.