تتعامل الدول الديمقراطية مع الحركة في الشارع عن طريق خدمات الشرطة، يطورون هذا القطاع فكرياً ويدربونهم على التعامل المنطقي الإنساني الحضاري مع الشعب والشارع. لكن سوريا كدولة وسلطة، منذ استيلاء البعث والأسد عليها، اتبعت الإسلوب الدكتاتوري مع الشعب، لم يثقوا يوماً بالديمقراطية منهجاً في إدارة هذه الدولة، ولم يعتمدوا على هذه القوة بشكل رئيس في التعامل مع الشعب والشارع، وهذا ما جرف بالرئيس بشار الأسد بالتحدث عن قوى الشرطة المدنية، مع أسف ممتعض على ضعف قدراتها في مواجهة الشباب الثائر، وقد كان تذكيره، وبذلك الأسلوب، إثبات على أن سوريا ليست دولة مدنية، ولم تكن كذلك منذ أكثر من نصف قرن. فكان الترهيب والإجرام الأسلوب المتبع بالتعامل مع الشعب، قامت بها المراكز الأمنية العديدة بعناصرها والذي بلغ عددهم أكثر من 80 ألف شخص متخصصون في كل المجالات، وعدد الدوائر المرئية أكثر من 14 دائرة متنوعة الأسماء والصفات. وللأسف بعد نصف قرن من السلطة أنتبه الرئيس بشار إلى أن هذه العلاقة خاطئة ويجب أن لا تكون بين الفروع الأمنية والشعب بل يجب أن تكون بين الشرطة والشعب، وما بالكم إذا كانت الشرطة من السوية العقائدية التي كانت عليها في مصر، أو ذوو بنية عقائدية من أفكار البعث؟

يود الرئيس أن يخرج بقانون للأحزاب. هل هو للأحزاب الموجودة فقط أم سيكون هناك حرية الإختيار والبناء؟ لايزال هناك شك بأنه لايود أن يدرك بأن الثورة الجارية ليست من أجل الترقيعات، وأن الأحزاب التي جارت السلطة quot; كالحزب الشيوعي- جماعة وصال بكداشquot; وغيرهم وعلى مدى نصف قرن هي بذاتها تدخل ضمن عملية quot; إسقاط النظام quot; لكن بشار الأسد لايزال يتكلم بنفس اللغة الكلاسيكية البيروقراطية العتيقة، ويتمسك بالمنهج الدوغمائي، وربما فعلاً لا تفهم هذه السلطة متطلبات الشارع، خاصة وأن المحاورات تجري خلف الشارع وعلى أطرافها مع مجموعات من الذين يحسبون أنفسهم من المعارضة، وهذه المحاورات ستظهر وتتفضح قريباً من على الساحة السورية وبشكل واضح، وهؤلاء بدورهم لا يدركون حقيقة مطالب الشارع أو لا يتقبلونها! وستبقى هذه المعصية واردة إذا لم تنزل السلطة والأحزاب المجارية لسياسة الدولة الإصلاحية بدون إستثناء إلى الشارع بكل وعيها للإستماع إلى صرخات الشباب، والتعمق في مفاهيمهم ومطالبهم، إنهم شريحة من المجتمع أخترقوا وبجرأة نادرة جدران الرعب المبني في هذه الأوطان منذ عهود، وبطرق سلمية وإرادة لا تعرف للخوف معنى، فهم سائرون والتاريخ معهم لإسقاط أنظمة وبناء أوطان حقيقية ذات عزة وكرامة.

سوف لن تكون مسيرة أيام أو شهور، كما حاول الرئيس أن يظهرها، حيث يأمل بأنها سوف تخمد مع الأيام وكأنه يود أن يقول بأنه سيحاصرهم في جزر ضيقة، للحدد من تأثيراتهم على المجتمع، متناسياً بأن الثورات بدايتها كرة ثلجية صغيرة، تصبح في النهاية قوة كافية لتهديم نظام مهما كان فظيعاً في رعبه.

اختصر الرئيس بشار الأسد القضية الكردية بجملتين، وأحاطها بقضية الأجانب، وعملية تجنيس عدة آلاف منهم، ليثبت للكرد بأن هذه السلطة لم تكن وسوف لن تعير القضية الكردية كشعب لهم هنا تاريخ وجغرافية، ولهم أمتداد وطني في داخل سوريا كما لهم أمتداد كردستاني في خارجه، رغم الثقافة العنصرية التي زرعتها عبدة الفكر البعثي الفاشي في داخل سوريا، لكنهم لم يتمكنوا من القضاء على روح التعامل الإنساني في المواطن السوري، لذلك ستبقى القضية الكردية في سوريا من أكبر القضايا التي تواجه الوطن، وسوف تبقى مثارة مادامت معلقة هكذا بدون محاولة الوصول إلى حلول منطقية مفيدة لإستقرار هذا الوطن، والإنطلاق بالتعامل معها من خلال التعتيم وعزلها عن سابق قصد وتصميم، سوف لن تؤدي إلى هدوء وتطور ديمقراطي حقيقي فيه، كما وأن المنطق الديمقراطي المأمول لسوريا الغد يفرض نفسه على القوى العربية والكردية دراسة هذه القضية بنقاطها العامة وتحديد نقاط الإشتراك لتطوير هذا الوطن، خاصة بعد أن تأكدت القوى الواعية والنيرة بأن هذه السلطة كانت وراء كل هذه الإنقسامات الفكرية والثقافية بين شرائح المجتمع عامة وبين المجتمع الكردي والعربي خاصة، وهي كانت وراء هذا التصعيد المستمر بين شرائح من الشعب العربي تجاه الكرد وقضيتهم.

نحن أمام مستقبل صعب وعلينا جميعاً البحث عن الحلول لجميع القضايا، والقضية الكردية واحدة من أهم هذه القضايا التي تواجه الوطن ومستقبله. الأسئلة الشكوكية التي تتصاعد احياناً من هنا وهناك، حول مطالب الشعب الكردي وسوية الحلول التي يطالبون بها كحل للقضية، غير منطقية، كانت تقف ورائها السلطة نفسها، إلى أن حدى بالبعض وأنجرفوا بتصريحات استفزازية عن عدم معرفة الكرد لمطالبهم وآخرين بعدم وضوح المطالب.

إنها قضية واضحة ذات مطالب أصبحت بينة للجميع، بدءاً من السلطة إلى القوى المعارضة. تصبح غير واضحة عندما تكون النيات غير صافية. وبسبب البنية العنصرية للمجموعة التي تحيط بالرئيس والثقافة التي تربى عليها هو نفسه لا يود أن يتكلم عن الكرد أو عن قضيتهم، والتي لاتزال ضمن ملفات القوى الأمنية، لم يتجرأ بالتحدث عن القضية الأساسية وحصرها في مشكلة خلقها البعث منذ نصف قرن لتعقيد القضية بشكل عام، حتى لو حلها الآن لا تعد منة، بل حلها الجزئي زاد من التعقيد في البحث عن القضية الرئيسية، لذلك فعلى المعارضة عدم الإنزلاق لسوية مفاهيم هذه السلطة حول قضية الشعب الكردي، والتأكيد على أن الرئيس بتعتيمه المقصود ذاك يزيد من تعقيد القضية ويفاقم مشاكل هذا الوطن.

التعتيم المتعمد على القضية الكردية يعتبر أكبر إثبات على مدى تلكأ هذا الرئيس وهذه السلطة الشمولية في التقرب من الشارع السوري ومن الشعب عامة، كما وتعتبر محاولة يائسة تقوم بها السلطة لإثارة نعرات قومية، وتبيان فصل بين المناطق الكردية عن المناطق السورية الأخرى، وللأسف تنجرف بعض من القوى المعارضة في الداخل والخارج إلى هذا المنزلق، كما ذكرت سابقاً، وذلك بمساندتهم للتعتيم أو عدم تقديمهم أي توضيح حول القضية الكردية في سوريا. وإلا فالقضية الكردية معروفة وواضحة للرئيس والسلطة والبعث، كما هي للقوى المعارضة في الداخل والخارج، وعملية التعتيم عليها بهذا الإسلوب وفي هذه الفترة الزمنية الحساسة ليس سوى إجحاف بحق ثاني أكبر قومية في سوريا عدداً وجغرافية، بل إنها عنصرية واضحة المعالم، منطلقه الفكر الإقصائي الفاشي. . وهو تأكيد على أنهم يتعمدون على إستعمال أفظع الأساليب لخداع الشعب.

الأغرب عن كل ما تحدث الرئيس فيه، هو عدم تعرضه لا من قريب ولا من بعيد عن السلطة نفسها، وعن سدة الحكم، لم يتحدث عن انتخابات الرئاسة، وبالمقابل تعرض إلى قوانين انتخابات مجلس الشعب، واللجان المحلية وتعديلاتها. وهو على الأغلب لايزال يرى بأن العرش خارج مجال اللمس، أو النقاش عليه، إنها ثبتت بمقولة من الأسد الأب، واصبح حكم إلهي، لا يقبل التحاور عليه ولا التدويل فيه، كأنني به أرى مفاهيم خلفاء الأمويين الأوائل في دمشق تنبعث من ما وراء التاريخ، عندما فرضوا مفهوم القدرية في الإسلام، وحرموا على المسلمين البحث في الخلافة، وثبتت العقيدة على أنها فرض من الإله وللإله وحده يعود حكم التغيير، لهذا لم يتعرض في خطابه إلى الرئاسة. حاول أن يتناسى بأن الثورة في الشارع وضعت شعار إزالة الكرسي في بداية أية محاورة في الوطن وعلى الوطن، وإلا ماذا يعني إسقاط النظام؟ أليس هو رأس هذا النظام والذي يجب أن يزال، وكل من سيحاور السلطة في المستقبل من خارج هذا الشعار لا يمثل الشارع ومفاهيمهم عن الوطن ومستقبله.

كان على الرئيس بشار الأسد النزول إلى الأرض والنظر بسوية الإنسان المتزن إلى الشعب والمجتمع ومناقشة القضايا الملحة في هذا الوطن، في بداية سنوات حكمه، يوم سمح له بتبديل الدستور خلال 24 ساعة ليرث العرش، وكان عليه أن يبدل مفهوم أنصاف الآلهة في الحكم، وهو الشاب الذي كان يؤمل منه الكثير حينذاك، لكنه والأمل فيه كمصلح وللأسف أصبح الآن وفي هذا الزمن الصعب في حكم العدم، وعليه أن يؤمن بها، أي بالتغيير، وترك السلطة سلمياً إن كان وطنياً سورياً شريفاً، وإلا فالعواقب أوخم من ما يتصوره، أو يشرح له حاشيته وحماته أمثال أخيه ماهر أو من هم حوله من عائلته المالكة والذين سوف لن يغفر لهم الشعب أبداً.

الولايات المتحدة الأمريكية

[email protected]