زرته في بيته بمخيم المغازي، وفي معرض حديثه عن الأوضاع السياسية في المنطقة، ذكر لي عرَضَاً، أنّ الروائي والناشر المعروف فلان..، اتصل به ليلة أمس، وحذّره من إدانة النظام السوري علانية في الصحف، بحجة quot;عدم التدخّل في شئون الآخرينquot;، ووجوب quot;البقاء على الحياد، في الأمور البينيّة الحساسةquot;، مخافة أن يحدث لنا ما حدث سابقاً، حين اتخذ أبو عمار موقفه الخاطئ من احتلال الكويت وتأييد صدام، فدفع فلسطينيّو الكويت وما زالوا يدفعون، ثمن ذلك الموقف.
نظرت لصديقي الشاعر واستغربت (في الحقيقة كلمة quot;استغربتquot; لا تكفي) فالروائي والناشر المعروف، هو آخر رجل كنت أتوقّع منه هذا المنطق المقلوب. خاصة وأنه مثقف مخضرم وعاش في الكويت وزار العراق ويعرف جيداً، بخبرته الطويلة، أنه لا يجوز ولا يصحّ الربط بين موقفين نقيضين شتان بينهما. موقف تأييد الاحتلال أي احتلال، وموقف تأييد الشعوب في ثورتها السلمية على طغاتها. فتلك كما يقولون نقرة وهذه نقرة. ولا رابط بينهما، لا من قريب ولا من بعيد.
لقد أخطأ أبو عمار، ودفعَ شعبنا الثمن. لا لأنه لم يكن براغماتياً بما يكفي، بل في الحقيقة لأنه لم يكن مبدئياً وأخلاقياً بما يكفي. والآن يخطئ أي سياسي فلسطيني، لو صمتَ تجاه الأحداث في سوريا، بذريعة البراغماتية والحذر وتفضيل انتظار النتائج.
(وبهذا المعنى فغالبية إن لم يكن جميع السياسيين الفلسطينيين الحاليين خاطئون).. أما المثقف الفلسطيني الواقف على الحياد، أمام ناعورة الدم الشاخب من رقاب الأطفال والشيوخ والشباب العزل، فمرذول ومطعون في ضميره وأخلاقه إن لم يكن أكثر.

إنّ آكل الجثث في قصر الرئاسة بدمشق وطبيب العيون الذي لا يرى والحامل سرّ أبيه، لا يستحق منا نحن المثقفين الفلسطينيين الواقعين تحت نير الاحتلال إلا كل احتقار. فهو بجبروته الوحشي لم يترك شيئاً للاحتلال الإسرائيلي البغيض. بل لقد تفوّق على المحتل، وسبقه بمراحل. فهل يستحق هذا القاتل ونظامه القمعي، بعد أن فعلَ ما فعل من جرائم حرب ضد شعبه، أن نغضّ الطرف عنه، بحجة عدم المساس بمصالح شعبنا، وانتظار من سينتصر ومن سينهزم وحينئذ نقف ونطبّل للمنتصر؟
اللعنة!
ما هذا المنطق؟
بل اللعنات كلها
فليس هكذا تورد إبل المثقفين يا عزيزي وليد!