بسقوط نظام معمر القذافي تكون ليبيا قد دخلتْ منعطفاً جديداً، فبعد ستة أشهر وخمسة أيام تحررت ليبيا من عهد امتد لأربعة عقود وأكثر، طريق طويلة قطعها الليبيون من بنغازي إلى طرابلس، الطريق التي خضبها الدم وسقط فيها الآلاف بين شهيد وجريح. استجاب القدر لشعب ليبيا الذي حسم أمره في السابع عشر من فبراير، قرر أن نظام الدكتاتور القذافي وصل إلى نقطة الصفر ولا بد من التخلص منه، وهو ما تحقق في الثاني والعشرين من أغسطس، قبل تسعة أيام فقط من الفاتح من سبتمبر، اليوم الذي احتفل به الدكتاتور الليبي لواحد وأربعين مرة من قبل، لكنه لم يستطع بلوغه هذا العام.
درس الثورة الليبية مختلف تماماً عن بقية الثورات العربية، فليبيا إحدى ثلاث دول عربية كانت قد وصلت إلى نقطة الصفر قبل 2011، وهي على التوالي: سوريا فليبيا فمصر. لكن هذه الدول الثلاث احتاجت إلى قبس تونسي، وكأن الشعوب العربية أرادت أن تنطلق الثورات من البلد الذي أطلق فيه أبوالقاسم الشابي صوته قبل عقود كي يُعلي من إرادة الشعوب على حساب الأنظمة الحاكمة مهما بدت غاشمة وقادرة على البقاء.
سقطت طرابلس، ومعها برز أكثر من سؤال، من أهمها الأسئلة ذات العلاقة بالثورة السورية تحديداً، فالليبيون لم يقبلوا أن يُطلق الطاغية مجنزراته وآلياته وطائراته الحربية لاحتلال المدن الليبية ويعيث فيها اعتقالا وقتلاً، لم يحتج الأمر لأكثر من أسبوعين ليعلن الليبيون تشكيل مجلس انتقالي استطاع أن يدوّل قضية الشعب الليبي ويطلب الحماية وينتزع السفارات واحدة تلو الأخرى من عواصم العالم، بينما لا تزال المعارضة السورية تكتفي بإجراء اللقاءات المتلفزة والنحيب في مقابل آلة عسكرية تقتحم المدن السورية وتعيد احتلالها وتقتل الشعب السوري المسالم. لا أدعوا هنا إلى حرب أهلية، كما لا أؤيد التدخل الأجنبي في سوريا، لكنني لا أرى حتى الآن بديلاً لنظام بشار الأسد الذي حين يتهالك سيكون قد قتل أضعاف أضعاف أعداد الشهداء الذين قتلهم نظام القذافي في ليبيا. ما يبدو الآن، بعد تحرير ليبيا على أيدي الليبيين هو أن المعارضة الليبية نجحت فيما فشلت فيه السورية التي لم تفعل شيئاً سوى التصعيد الإعلامي، كما لم تنجح في تشكيل مجلس انتقالي يدير الأزمة، فبسقوط شرعية الأسد لا يوجد بديل يستطيع العالم المتعاطف مع قضية سوريا أن يراهن عليه، كما لا يوجد بديل يمكن أن ينظم إليه سفير منشق أو معارض أو حتى جندي رفض الاستمرار في قتل السوريين بدم بارد.
أعلم يقيناً أن النظام في سوريا مختلف عن النظام البائد في طرابلس، وأن التجربة السورية مختلفة عن تجربة ليبيا، لكنني على يقين أن الجزء الكبير من علة سوريا كامن في سلبية المعارضة السورية، وأن القتل المنهجي الذي تمارسه السلطة السورية سيستمر بطريقة منهجية ومنظمة حتى إخماد الثورة طالما أن رهان المعارضة السورية يتوقف عند حدود النواح الإعلامي دون أي حراك سياسي منظم.
وأخيراً، إن الأمر في سوريا لا يحتاج لإعلان الحرب على النظام، لكنه في أمس الحاجة إلى وجود شخصية سياسية نزيهة ذات صدقية لدى الطوائف السورية كافة للالتفاف حولها وإيجاد بديل لنظام يتهاوى، فثوار الداخل السوري كلّوا من رفع شعارات إسقاط نظام الأسد، ولعل في غياب البديل ما سيجعلهم يصرفون الكثير من جهودهم في طريق الحرية على جدل طويل ولا نهائي عن مستقبل سوريا بعد الأسد، ما يعني أن سوريا إذا لم تتوحد حول مجلس أو حكومة انتقالية بديلة لنظام الأسد ستفقد البوصلة، وستسهل الأمر على نظام بشار كي يغتال من يغتال ويعتقل من يعتقل، بل ويتبجح في التلفزيون السوري أنه لا خيار لسوريا إلا إياه هو ونظامه الفاسد.
[email protected]