جاء في البند الأول للاتفاق المجهض بين المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية: quot;رفض أي تدخل عسكري أجنبي يمس بسيادة واستقلال البلاد، ولا يعتبر التدخل العربي أجنبياًquot;. وفي خطاب الرئيس بشار الأسد الذي ألقاه في العاشر من كانون الثاني/ يناير الجاري قال: quot;للأسف الخارج أصبح مزيجاً من الأجنبي والعربي، وفي كثير من الحالات يكون هذا الجزء العربي أكثر عداءً وسوءاً من الجزء الأجنبيquot;، واتهم الأسد الدور العربي بالمساهمة quot;في تدمير ليبيا والعراقquot;.

نحن أمام رؤيتين سوريتين للتدخل العربي، وكلاهما يحتاجان إلى المساءلة. فإسباغ المعارضة السورية الشرعية والبراءة على التدخل العربي من دون حصره في سياق داخلي طارئ ليست مسألة خاضعة للحسابات المؤقتة كما يعتقدون، لأنهم سيكونون مستقبلاً ملزمين بما يسوّقون له بأن التدخل العربي في شأن دولة عربية أخرى أمر مرحّب به. فالمسألة ليست مرتبطة فقط بإيقاف القمع السادي الذي يمارسه النظام السوري ضد المتظاهرين، بل بمفهوم السيادة ذاتها. وبالنسبة لهيئة التنسيق الوطنية بشكل خاص، فإنها تطالب بقوات ردع عربية في حال التفاف النظام على المبادرة العربية quot;لأن هذه القوات ليست استعماراًquot; (حوار صحيفة البيان الاماراتية مع المنسق العام لهيئة التنسيق حسن عبد العظيم 12-1-2012). وبعيداً عن الحاجات العاجلة التي يمكن ان تسهم في تحفيف القتل عن المتظاهرين السوريين، إلا أنه يجب قطع الطريق على تلك المفاهيم التي يمكن أن يُعاد العمل عليها بعد استقرار الأوضاع في سوريا ورحيل نظام الأسد، وعدم انتقاء التعريفات لمفاهيم قد تعيد بناء ذلك الجدار النفسي العازل بين الخارج ndash;الذي هو احوج ما يكون إليه ثوار سوريا في الوقت الحالي- وبين الداخل. والنظام حكم سوريا لعقود بناء على فكرة السيادة الفاشية المختلقة، فما هي السيادة التي تكون مصانة في حدود العرب ومنتهكة خارج هذه الحدود؟. ويمكن تذكير المعارضة الممثلة في هيئة التنسيق أن أسوأ الكوارث التي شهدتها الدول العربية كانت من دول عربية، واوضح هذه الأمثلة الغزو الآثم الذي قاده صدام حسين للكويت quot;بناء على رغبة الشعب الكويتي الشقيقquot; على حد الأكاذيب التي سوّقها في ذلك الحين. وبمنطق هيئة التنسيق وحساسيتها المفرطة تجاه ما تسميه quot;الخارجquot; فإن على الكويتيين الاعتذار على quot;السيادةquot; التي تعرضت للانتهاك خلال quot;التدخل الخارجيquot; الذي قادته أميركا لتحرير الكويت. لذا، لكي تكون رؤية هذه المعارضة مستندة إلى العدالة عليها ان لا ترسم حدود الكفر وحدود الاسلام بين التدخل العربي والأجنبي لأن شعباً بلا سيادة في ظل هكذا نظام، لا يملك رفاهية رفض أحدها وقبول الأخرى. الشعب السوري يُذبح من الوريد إلى الوريد.

في المقابل، يرسم الأسد صورة مناقضة للمعارضة في رؤيته للتدخل العربي في شؤون دولة عربية. وهو في هذا يحاكم النظام الذي ورثه من والده على الانتهاكات المروعة التي ارتكبتها قواته في لبنان التي ذهب إليها الجيش السوري quot;بطلب من الدولة اللبنانيةquot; لكنه منع هذه الدولة ان تطلب مغادرتها تحت طائلة quot;الحرب الأهلية ثم حماية السلم الأهلي وأخيراً دعم المقاومةquot;. ولا تزال بصمة النظام السوري بادية للعيان في الانقسام المؤسف الحاصل في فلسطين المحتلة التي تدير حركة حماس المدعومة من النظام السوري أحد جزأي الانقسام، غزة. التدخل السوري في الشأنين اللبناني والفلسطيني (بما فيها المخيمات في لبنان) لم يكن أقل سوءاً من التدخل الاسرائيلي. وإذا لم يكن النظام في دمشق يعيش حالة انفصام، فعليه مراجعة تدخلاته السيئة في الجوار، وبالأمس القريب كان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يتهم دمشق بإرسال المفخخات إلى بغداد.

إن الدول العربية الصغيرة وشعوبها لا يمكنهم النظر إلى مقاربة هذه المعارضة السورية حول التدخل العربي بأدني ارتياح وهم الذين خبروا العلقم من quot;أخيهم العربيquot;. وبناء عليه، فإنه في حال عادت اطياف المعارضة السورية على الاتفاق حول تلك الورقة التعيسة ndash; على حد تعبير ياسين الحاج صالح ndash; فإن البند الأول ينبغي أن يصاغ كالتالي:quot;رفض أي تدخل عسكري أجنبي يمس بسيادة واستقلال البلاد، ولا يعتبر التدخل العربي أجنبياً نظراً للظروف الحالية التي يمر بها شعبنا السوريquot;، على الرغم من أنه لم يسبق أن تدخلت دول عربية في دول عربية أخرى من دون أن تتفاقم المأساة وتتوالد. وحتى لو تم إقرار البند السابق (بصيغتها المعدّلة) فإنها تبقى ورقة تعيسة تفوح منها رائحة محاور الحرب الباردة.

[email protected]