يبدو ان الغرور الذي اصاب نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء وانفراده بالحكم المطلق في العاصمة الاتحادية بغداد قد أصاب شخصه بجنون القوة والعظمة، والا بماذا يفسر هذا الانهيار السريع للعلاقة بينه وبين شركائه في ادارة الحكومة مثل القائمة العراقية والتيار الصدري والتحالف الكردستاني.
والخلاف الذي حصل بين المالكي ومسعود برزاني رئيس اقليم كردستان انتقل سريعا وبأثر سلبي شديد الى عموم العلاقات السياسية والأمنية والعسكرية بين العاصمتين بغداد واربيل، واصابة رئيس الجمهورية جلال الطالباني بالجلطة الدماغية ونقله الى المانيا لغرض العلاج قد أدخل الوضع في متاهة سياسية لا يمكن توقع منظورها المستقبلي القريب ولا امتداداتها ومضاعفاتها بالرغم من حصول هدوء على جبهة جيش المالكي المركب من مكون واحد وقوات البيشمركة في المناطق المتنازع عليها وفق المادة 140 من الدستور الدائم، ويعتقد البعض ان هذا الهدوء غير مضمون وقد تتحول الى عاصفة بسبب النصائح المتوترة والمتشنجة التي تقدمها الهيئة الاستشارية للمالكي وقادة حزبه الدعوة اليه بخصوص العلاقة مع الكرد والتعامل بسلبية مع قيادته السياسية التي تمكنت من ترتيب البيت الكردي لمجابهة المواقف غير الحميدة للسيد المالكي.
وحدود خلق الأزمات لم تقف عند هذا الحد فبادر المالكي وبسرعة البرق الى خلق أزمة سياسية جديدة مع وزير المالية القيادي الوحيد الباقي من القائمة العراقي غير الملاحق والمشارك بحقيبة وزارية سيادية في العملية السياسية وبحجة اتهام مجموعة من حمايات الوزير بالارهاب، فانطلقت شرارة الاحتجاجات والتظاهرات لدى الشعب الأنباري للتنديد بالسياسات الطائفية التي ينتهجها المالكي رافعين شعار quot;الشعب يريد اسقاط نظام المالكيquot; وغيرها من الشعارات للدفاع عن الكرامة العراقية والوقوف بوجه التدخلات الايرانية.
ويبدو من خلال متابعة الاحداث وممارسات المالكي ان رئيس الوزراء قد فقد توازنه في اداراة الأزمات، والا بماذا يفسر خلق كل هذه الازمات مع المكونين الكردي والسني المشاركين في العملية السياسية التوافقية حسب اطار محدد متفق عليه من قبل الجميع حسب اتفاقية اربيل، ولكن البعض يعلل هذا التدهور الشديد في الاداء السياسي للمالكي الى تأثره الشديد بقرب سقوط نظام بشار الأسد وانهيار تحالف الهلال الشيعي بين ايران والعراق وسوريا وحزب الله، وتأثره بالضغوطات الشديدة التي تمارس عليه من مراكز القرار السياسي في طهران.
ولهذا بدأ يعد العدة لحسابات داخلية لنفسه ولحزبه على حساب المصالح العليا للعراقيين، وبسبب تناقص الأمل ببقاء مثلث الهلال الشيعي وفقدان الأمل ببقاء نظام بشار المستبد وتزايد الامل بقرب انتصار ثورة الشعب السوري، عمد الى خلق أزمة مع اقليم كردستان فوجه بسهام الغدر نحو الكرد الحليف الاستراتيجي للشيعة، ونحو المناطق المتنازع عليها الخاضعة للمادة (140) الدستورية، ونحو كركوك بالأخص لخلق فتنة كبيرة عن سبق اصرار تحرق الاخضر واليابس من خلال تشكيل قوة عسكرية باسم عمليات دجلة لاستفزاز الكرد والمواطنين القاطنين في المناطق المتنازع عليها من خلال اللجوء الى استخدام مظاهر القوة والعسكرة المتجمعة من بقايا النظام البعثي السابق الذي حرق العراق والمنطقة وشعوبها بحروبه غير العقلانية.
ولكن ظهور وانفجار الأزمة بين المالكي والعيساوي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر رئيس الوزراء فطرحته فوق أرضية هشة كان واقفا عليها حسبها قوية ليطلق فوقها غروره وسطوته واحلامه للتفرد بالحكم، وهذا لم يكن بغريب عنه من خلال قراءة ما اصابه من ممارسات وسلوكيات غير طبيعية مبتدءا بتقليد كاريزما وممارسات رئيس النظام المباد صدام حسين خاصة في بعد الفترة التي تمكن فيها من ازاحة القوة السياسية للقائمة العراقية من خلال تفتيت قياداتها هنا وهناك واغراء البعض منها للتحكم بهم، وبعد ان تمكن من اسكات ممثلي الكرد في بغداد حسب اهوائه ومصالحه، وتقوية حزبه من خلال احتكار السلطة والسيطرة على جميع الموارد النفطية والاقتصادية والتجارية للدولة العراقية المشلولة.
وعلى العموم نقول بكل امانة ان دولة رئيس الوزراء من خلال تواصل ازماته المختلقة مع الكرد وأهل السنة واندلاع احتجاجات وتظاهرات الكرامة في الأنبار والموصل وغيرها من المناطق السنية قد قلب الرسم البياني لصعود المالكي نزولا لتجاوزه خطوطا كثيرة للحمر لم يقدر على فهمها واستيعابها والتعامل معها بذكاء ومرونة، ولم يقف نزوله عند هذا الحد بل تحول الى عامل خطر حقيقي على حاضر ومستقبل العراق، وفي ظل ميزانية جاوزت المائة مليار دولار عام 2011 وبغداد قبل نهاية السنة بايام تعرضت الى أسوء حالة غرق في حياتها الحديثة وطوفان متوصل من فيضانات شبكات المجاري، فكشف خراب البنية التحتية والغياب المتعمد لشبكة الخدمات الأساسية نتيجة الفساد الرهيب الذي يملأ جيوب المالكي ومستشاريه واتباعه والمسؤولين الفاسدين من الرأس الى أخمص القدم المتواجدين في الحكومة والسلطة القائمة.
ولابد من الاعتراف بعد الغیاب الصحی المفاجیء للرئیس جلال طالباني وانفجار بركان العملية السياسية تحت اقدام المالكي، ان الحضور الحيوي الفعال خاصة لشخصية طالباني والتعامل الحكيم للقيادات الكردية مثل الرئيس مسعود البرزاني ونائبه كوسرت رسول مع الأحداث، قد امتصا الكثير من التوترات السابقة التي كادت ان تتحول في يوم ما الى بركان لتفجير الوضع في البلاد والتي كانت تختلق بتعمد من المالكي والقيادات المحيطة به في حزب الدعوة لاطلاق شرارة تصادم السلطة المالكية مع الكرد وأهل السنة في العراق.
ولهذا نقول حان الوقت لتغيير المالكي ولابد لائتلاف دولة القانون برئاسة ابراهيم الجعفري من اتخاذ موقف مصيري لانقاذ المسار غير العقلاني المتبع في ظل القيادة المنفردة للبلاد والمنزلقة نحو مخاطر حقيقية، وهنا لا يسعنا الا ان نكرر المثل البغدادي الحكيم القائل quot;الشّي مِنْ يتجاوَز حدهُ، يتكلبْ ضِدّهُquot;.
اقليم كردستان العراق
[email protected]
التعليقات