في سبتمبر الماضي تحدث وزير المالية البرتغالي (فيتور غاسبار) في البرلمان البرتغالي بشكل يثير الدّهشة؛ إذ قال أنه يشعر بالامتنان البالغ للمعارضة التي انتقدته انتقادات لاذعة، وأشاد بالمحتجين على سياسات التقشّف، ووصفهم بأنهم أصحاب كرامة، وقال لهم: quot;أنتم أفضل أُناس في العالم.quot;
إذا كان الوزير يقصد امتصاص زخم المعارضة، فهذا أمر غير قابل للتطبيق على المستويين النفسي والسياسي. لذا فالسؤال هنا: لم فعل ذلك؟

أعتقد أن خشيته من ضخامة الاحتجاجات، وامكانية محاسبة الحكومة على قرارات التقشف هي السبب وراء تلك التصريحات، فلم يجد طريقاً إلا مدح المعارضة رغم أن أزمة البرتغال الحالية هي نتاج السياسات الاقتصادية المتعلقة بالاتحاد الأوروبي ككل، وليست نتاج فساد المسؤولين. وأن ما قامت به الحكومة البرتغالية من حلول لمواجهة الأمر الواقع هو تصرف سليم -وإن كان صعبا- من الناحية الاقتصادية.

رد فعل ذلك الوزير يُذكِّرني بتراجع حدة انتقادات الملك عبد الله الثاني للمطالبين بإسقاط النظام؛ ففي لقائه مع مجموعة كبيرة من الناس على وليمة طعام في أكتوبر، انتقد بشدة المطالبين بإسقاط النظام، وأن هذه المطالبة غير مقبولة جملةً وتفصيلاً. بينما كان موقفه أقل حدة بعد احتجاجات رفع أسعار المحروقات الى درجة انه التمس للمطالبين بإسقاط النظام عذراً؛ حيث قال في لقائه مع الحركة اليسارية في ديسيمبر أن ترديد شعارات إسقاط النظام هي تعبير عن حالة غضب ولاتستند إلى برنامج سياسي منظّم.

في كثير من الأحيان ينظر إلى الاختلاف في تصريحات القادة السياسيين على أنه نوع من الإدارة السياسية. والملك نجح في ادارة الأزمة إلى الآن على مدى عامين، لكنه لم يقدّم حلولاً إلى اليوم. وتغيُّر لغة خطاب القصر في الآونة الأخيرة هو استشعار ضمني باقتراب الخطر من مؤسسة الحكم، وتأتي فكرة سلسلة المقالات الملكية التي بدأ نشرها اليوم نتيجة لاستشعار ذلك الخطر. خاصة مع ازدياد فعالية الحراك الشعبي في المعاقل الشرق أردنية، والتي لطالما عُرفت بولائها للعرش، والتي عانت أكثر من غيرها من السياسات الاقتصادية على مدى ما يقرب من أربعة عشر عاماً.

إن المشاكل الاقتصادية والسخط السياسي، أوصلت الشعب إلى حد الانفجار. ولذا يسعى الملك إلى التركيز الشديد على الأزمات الاقليمية وربط ما يحدث في الأردن بها، في محاولة لتصدير الأزمة ولفت أنظار الداخل الأردني إلى الاقليم، بالاضافة إلى تخويف الناس ضمنياً من عواقب المطالبة بإصلاحات عميقة خشية انجرار البلاد إلى ما يشبه الوضع السوري. ولذا يعتبر إنشاء حوار شعبي حول سلسلة مقالات الملك جزءاً من اقتياد الناس تدريجياً لمثل تلك الأفكار.

لا شك أن هناك خطراً على الأردن، وحُكماً ينسحب هذا الخطر على القصر. لذلك طالب الملك في لقائه مع اليسار بالتفاف الأردنيين حوله في هذه المرحلة. لكن في حال تعرّض الأردن للخطر فإن التفاف الأردنيين ليس بالضرورة أن يكون حول الملك أو من أجله، خاصة في مثل هذه الظروف. وهنا ربما على الملك أن يعرف هذا الأمر، فاجتماع الأردنيين حول القيادة الملكية أصبح مشروطاً بإصلاحات وحلول ملموسة وفورية ترضي الجميع.

الآن يجب تدارك هذا الاحتقان بحل سريع؛ والأولوية اليوم تكمن بفرض قانون طوارئ يؤجل الانتخابات، حتى وإن تعهّد الملك بإجرائها في موعدها، فملامح نتائج الانتخابات تنذر بأزمة عميقة؛ إذ تبين القصور الكبير في تطبيق القانون الانتخابي بشكله الحالي، خاصة فيما يتعلق بالقوائم الوطنية حيث لا يعرف أعضائها بعضهم بعضاً، وما يرتبط بتلك القوائم من مال سياسي منظم. وإذا كان الرهان على أن المجلس القادم يمكن أيضاً أن يحله الملك استرضاء للشعب ولكسب مزيد من الشرعية، فأرى أن هذا سيكون خطأً فادحاً قد يكلّف الكثير.

في ضوء ذلك أستذكر قول الملك في مقابلة مع التلفزيون الاسرائيلي في صيف عام 2010: quot;الناس في نهاية المطاف هم الذين يدفعون الثمن بأرواحهم، وبانعدام أمن مستقبلهم، عندما لا يتحلى السياسيون بالشجاعة الكافية للنهوض إلى مستوى المسؤولية.quot; لذا فالتراجع عن الانتخابات والاضطلاع بمسؤولية القرار أفضل بكثير من أن يُفتح على الاردنيين صندوق الشرور quot;باندوراquot;، وعلى الملك أن يفكر هو بنفسه في هذا الأمر، بعيداً عن المستشارين الذين غالباً ما تنقصهم المعرفة ويقعون في فخ المجاملات والتشدّق. وأن لا يعتمد على تأييد دهماء الناس والمسؤولين والكتّاب في المضي قُدُماً بالنهج نفسه، فميول وأهواء هؤولاء تتقلب وتتبدل بسرعة. ولذا فإن فكرة إنشاء حوار شعبي ضمن سلسلة الرؤيا الملكية للإصلاح ستكون ناجحة وذات فعالية بعد تأجيل الانتخابات وليس الآن. غير ذلك سيكون الأردن في خطر كبير.