بين الكلام الاخير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، الذي نفى فيه وقوع احداث دموية في حمص، والمواكبة الإخبارية لعمليات الحسم والابادة التي بدأها نظام الاسد ضد العصابات المسلحة، حسب ما تدعيه قنوات لبنانية موالية للنظام وتدور في فلك حزب الله، يكون الرأي العام الشيعي اللبناني قد وقع نهائيا بين فكي كماشة، الاول الثقة والمصداقية التي يمثلها له كلام السيد، والثاني هو الجرعة الإخبارية المنحازة التي تقدمها له هذه الوسائل الإعلامية. دفعا إلى مزيد من التماسك وتعزيز الثقة لدى الجمهورها، بأن نظام الأسد سوف يخرج من الأزمة أو المؤامرة التي تشن ضده من قبل الولايات المتحدة والغرب واسرائيل والدول العربية، أقوى مما كان عليه سابقا، حسب ما جاء في كلام السيد نصرالله الاخير.
اذا كان حزب الله يعتبر موقفه السياسي المؤيد لنظام الاسد هو انسجام مع النفس، وامتنان لتصدر هذا النظام لما يسمى بمحور quot;الممانعةquot;، ورد جميل على دعمه للمقاومة في لبنان. إلا أن ما يمكن اعتباره عدم انسجام من قبل الحزب مع مطالب بيئته وجمهور مؤيديه وحركة مصالحهم، وضع الدول العربية التي تدين نظام الاسد وخاصة الخليجية منها، في نفس الخانة مع اسرائيل. اضافة الى عدم الأخذ بعين الاعتبار واقع الظروف الإجتماعية والإقتصادية وضروريات المصلحة العامة والخاصة لابناء الطائفة الشيعية اللبنانية، ومستقبلهم ومستقبل ابنائهم ودورة انتاجهم، وزجهم في مواقف سياسية وإرتباطات إقليمية تهم حزب الله وحلفاءه وحدهم.
يأتي ذلك في لحظة حرجة من تاريخ المنطقة، يأخذ فيها التوتر المذهبي والعقائدي الذي يسعى المتضررون من سقوط نظام الأسد إلى تأجيجه، أو حتى إختلاقه، ليبرروا من خلاله أن دعمهم للنظام المستبد في سوريا ومساعدتهم له في قمع الثورة، أنه حرص على أمن المنطقة، وخوفا من نشوب حرب مذهبية تستهدف الأقليات، ومنها الطائفتان العلوية والشيعية، وكأن الثورة السورية هي ثورة الأكثرية السنية ضد باقي الطوائف، وليست ضد نظام ديكتاتوري ظالم.
شرعية وطنية وأخلاقية يحاول حزب الله جاهدا تثبيتها وإضفاءها على النظام السوري، الذي بات يعاني عزلة عربية اسلامية على المستويين الاجتماعي والانساني، اشد من العزلة السياسية. هذه الشرعية المبررة بقيادته التاريخية لمحور المقاومة والممانعة، ووقوفه الى جانب حركات المقاومة في المنطقة، وعدم رضوخه لاملاءات الولايات المتحدة، واعتباره شريكا في تحرير الجنوب، ما يغفر له بنظر الحزب وجهازه الدعائي، الكم الهائل من القسوة والعنف الذي مارسه ويمارسه ضد المطالبين بالحرية والعدالة والاصلاح، وحملات الإبادة الجماعية التي يشنها ضد مواطنيه في المدن السورية كافة. هذا الدفاع عن النظام، يتقاطع إلى حد كبير مع ما استند اليه بعض المؤرخين المتعصبين للسلطة الأموية وبعض متشددي الفكر السلفي، حين اعتبروا خروج الحسين بن علي مطالبا بالإصلاح في أمة جده رسول الله لم يكن مقبولا شرعا، لان يزيد بن معاوية كان منشغلا بالدفاع عن ثغور الدولة الإسلامية الحديثة العهد، وتحصينها إزاء المخاطر التي كانت تحدق بها من قبل جيش الروم، الأمر الذي استنفر يزيد ابن معاوية وأتباعه، فقاموا بوأد ثورة الحسين (ع) في مهدها.
اذا كان حزب الله أسير شيعيته الخاصة به، والطائفة الشيعية بدورها أسيرة لحزب الله، فذلك يعني أن شيعة لبنان كلهم ومقاومته وحزب الله أيضا، اصبحوا أسرى جميعا لمستقبل النظام السوري وتداعيات سقوطه. لكن هذا الإمعان في السير عكس التاريخ وإرادة الشعوب، والإصرار على تأييد النظام السوري والثقة العمياء بخروجه سالما من أزمته، هو رهان أقرب الى المقامرة. رهان أو مقامرة يضعان الطائفة الشيعية خارج سياق الأحداث والتغييرات الحالية والمستقبلية في المنطقة، حيثهناك بعض القوى تدفع باتجاه عزلها وحصارها اقتصاديا، اجتماعيا وجغرافيا، بعدما أصبح فك الارتباط بينها وبين حزب الله أكثر صعوبة من جهة، ومن جهة أخرى تكوَن لدى البعض مفهوم يصور الخطأ الفردي أو الفئوي الذي يعبر عن وجهة نظر حزبية موقفا جماعيا للطائفة، ليحاسبها عليه من دون تمييز.
علق معارض سوري معروف باستقامته، بحسرة على خطاب نصرالله الأخير، وقال انه غادر منزله في حمص منذ خمسة اشهر وصورة السيد معلقة على جدار البيت.
سماحة السيد نصر الله... هدم النظام بيوت حمص وفتتها، أحرق المتظاهرون الغاضبون صورك الباقية، أما نحن أبناء هذه الطائفة، مؤيدين كنا أو معترضين، نسألك... لماذا جعلتنا رهائن هذا quot;الانسجامquot;؟...

مصطفى فحص - كاتب لبناني