في ضوء التداعيات المحزنة والمخزية لجرائم النظام الأسدي؛ تلك التي تتصل مباشرة بأقسى الصور الصادمة للحس الإنساني، عبر ما يراه الملايين من خلال شاشات التلفزة، وبطريقة تستفز شعورا شرسا بالألم حيال صور جثث الأطفال، وتعذيب المرضى داخل المستشفيات ــ كما في الصور التي رأيناها في المشفى العسكري بحمص ــ.. في ضوء هذه الجرائم التي وصلت إلى حدود تفوق خيال المجرمين، كيف يمكن لمن قام بمثل هذه الجرائم القذرة أن ينجو من مصيره إلى مصائر أخرى غير القتل؟
قد يبدو هذا التساؤل سابقا لأوانه، لاسيما في ظل إحجام القوى الدولية عن التدخل العسكري في ألأزمة السورية، من خلال تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وكذلك تصريحات الرئيس الفرنسي ساركوزي، إلا تحت مظلة دولية قد لا تبدو راجحة في المدى القريب.
وقد يبدو التساؤل مرة أخرى كما لو أنه مجرد تصور يتصل بالأمنيات التي يتمناها الملايين لهذا الطاغية الذي أصبح وحشا يتلذذ بدماء الأطفال وتعذيب المرضى.
بيد أن حكم التاريخ في الحالات المتماثلة لا يخطئ أبدا. فمن يقرأ التاريخ جيدا سيعرف أن مصير الطاغية لن يكون إلا القتل الذي هو بمثابة جزاء من جنس العمل وفيما يظن كثيرون أن هناك إمكانية لقبول الأسد باللجوء إلى مكان آمن له ولعائلته، كما طرح ذلك الرئيس التونسي، وكما تسرب أخيرا في المبادرة الإيرانية لمحاولة عرض اللجوء لبشار مقابل التنحي، بحسب ما أوردته صحيفة الشرق الأوسط يوم الأربعاء، إلا أن مثل هذه الحالة التي بلغها بشار الأسد ــ وهي حالة تشبه تماما حالة القذافي التي كان عقابه فيها من جنس عمله ــ تنحو الوقائع إلى مصير دموي لابد منه للطاغية.
ذلك أن ما يجعل مثل هذا المصير الدموي ــ لاسيما عندما يبلغ إحساس الطاغية بذاته حالة نفسية يتجمد فيها وعيه بالواقع فلا يرى ذلك الواقع إلا من خلال شعوره المريض بالعظمة والإلوهية الكاذبة ــ أمرا لامحيص عنه إنما هو مقتضى العدل الإلهي؛ فمقتضى العدل الإلهي في مثل هذه الحالات يتجلى من خلال حفر الطاغية لمصيره ــ دون وعي منه ــ عبر تلك الأوهام المريضة التي تؤدي به في النهاية إلى مقتله الحتمي فتجعل من مصيره كمصير (من يسعى إلى حتفه بظلفه) بحسب المثل المعروف.
إن العدالة الإلهية تفعل فعلها عندما تنقطع أو تمتنع الأسباب الممكنة لتحقيق العدل عبر الجهد البشري، ولكن تدابيرها تلك لا تأتي في شكل معجزة، لأن قتل الطاغية يمكن تحقيقه من خلال الفعل البشري، بل تتجلى في استدراج الطاغية عبر أوهامه إلى مصيره الذي يستحقه استحقاقا ناجزا.
وهذا تحديدا ما حصل للقذافي الذي وقع في أيدي الثوار الليبيين ليلقى جزائه، رغم اعتراضنا على طريقة قتله، لا عن استحقاقه للقتل.
مواقف الدول الكبرى حين ترى هذه المذابح في أقسى صورها الوحشية، مع إدراكها للفرق الكبير بين جبروت القاتل وضعف الضحية المتناهي، في حالة تشبه تماما مواجهة العين للمخرز، دون أن تحرك ساكنا، إنما تدل على تلك المادية الوقحة التي بلغت حالة من التحجر إلى حدود لا يمكن أن يتصورها عقل. فهي إشارة واضحة على انفصال مفهوم العدل عن القوة، الذي هو سبب اختلال هذا العالم، والذي هو في دلالة أخرى نتيجة لمفاعيل نظرية (الانتخاب الطبيعي) أو الداروينية السياسية التي توافق عليها العالم الحديث للأسف. فشرعية القوة بموجب هذه النظرية هي أولى من شرعية الحق والعدل ومقدمة عليهما.
إن استحقاق العدالة الإلهية في مصير بشار الأسد ليس فقط مما يمكن الإيمان به بمقتضى الاعتقاد الديني ــ لدى البعض ــ بل هو استحقاق كوني أيضا. بطبيعة الحال سيكون هناك تدخل من القوى الكبرى لاحقا، لكن فقط عندما تتقاطع مصالح تلك القوى مع بعضها البعض. وفي الأثناء قد يرتقي تدفق الدم السوري بغزارة أكثر إلى أن يكون مصلحة راجحة في حسابات تلك الدول، ربما عبر آلاف أخرى من الضحايا. وحينئذ ستأخذ تلك القوى في اعتبارها: خطورة تداعيات الفوضى أو الحرب الأهلية على إسرائيل مثلا، أو انتقال الفوضى إلى دول أخرى!؟ لكن في النهاية لابد من تحقق العدالة الإلهية التي تمنع أن يكون مصير بشار الأسد مصيرا آمنا بعد كل هذا الدم.
ذلك أن القتل المستباح عبر هذه الطريقة الوحشية وأمام الملايين من البشر لا يستحق إلا جزاء مماثلا، أي قتلا للطاغية بطريقة وحشية وربما أمام الجميع، تماما كما جرى للقذافي.
هناك طغاة على مدى التاريخ كان يقتلون الأبرياء في الخفاء وعبر تدابير غامضة ولهذا كان جزائهم القتل بنفس الطرق.
والمفارقة هنا أن كلا من النظام السوري متمثلا في عائلة الأسد، والشعب السوري متمثلا في الثوار والمتظاهرين، يدركون هذه الحقيقة. فقد نقلت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية في عددها الصادر يوم الأربعاء 7/3/2012م عن وثيقة تم تسريبها
أن والدة بشار (قلقة جدا من أن يلقى ولداها نفس مصير القذافي وأبنائه).
أما الشعب السوري فهو حين يردد يوميا (يا الله مالنا غير يا الله) طلبا لتحقيق العدالة الإلهية إنما يدرك تماما أن الجرائم النازية التي يقوم بها بشار الأسد بما يملكه من جيش وسلاح ودعم روسي وإيراني وإسرائيلي، في مواجهة مظاهراته السلمية ومطالبه العادلة، تستدعي منه أن يلجأ إلى الله الذي هو أقوى من بشار ومن أمريكا ومن كل القوى الدولية. هذا الإحساس الفطري بقوة الله واستدعاءها عبر ذلك النداء المتجدد في يوميات الثورة السورية هو ما سيجعل من تحقيق العدالة الإلهية أمرا ناجزا ــ عاجلا أم آجلا ــ وجزاءا من جنس العمل تحقيقا لقول الله تعالي (إنما تجزون ما كنتم تعملون)
من quot; تاريخ الخلفاءquot; للسيوطي
(قال الثعالبي: روت الرواة من غير وجه عن عبد الملك بن عمير الليثي قال: رأيت قي هذا القصر ـ و أشار إلى قصر الإمارة بالكوفة ـ رأس الحسين بن علي بين يدي عبيد الله بن زياد على ترس ثم رأيت رأس عبيد الله بن زياد بين يدي المختار بن أبي عبيد ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبد الملك فحدثت بهذا الحديث عبد الملك فتطير منه و فارق مكانه)
[email protected]
التعليقات