في عام 2004 قلنا للملك عبد الله الثاني:
إن أمام الهاشميين فرصة سياسية ذهبية ثمينة لكي يبقوا حكاماً للأردن فترة طويلة، في ظروف عربية، وإقليمية، وعالمية سياسية عصيبة.
فالهاشميون كانوا أكثر الحكام العرب المعاصرين رأفة بمعارضيهم. لم يقتلوا من تآمر عليهم، ومن قاد الانقلابات ضدهم في الخمسينات، وما قبلها، وما بعدها. بل على العكس من ذلك، فقد أكرموا المعارضة كرماً إلى حد الابتذال (تعيين قادة الانقلابات العسكرية سفراء ووزراء، وايصال المعارض quot;صاحب الكوبون النفطي البلاتينيquot; ليث الشبيلات في سيارة ملكية يقودها الملك الراحل حسين بنفسه من السجن إلى بيت شبيلات، مثالاً لا حصراً). ولم يعامل حكام في العالم العربي المعارضة بالمعروف والحسنى كما عامل الهاشميون معارضيهم. ومن هنا فإن سجل الأردنيين السياسي العربي والهاشمي أبيض تجاه المعارضة. وهم حيال ذلك مطالبون بأن يعيدوا النظر في كيفية حكم الشعب الأردني الذي تغير كثيراً منذ كان يحكمه المؤسس الملك عبد الله الأول (1882 ndash; 1951).
ولكن لا حياة لمن تنادي

صبرنا طويلاً
ولقد صبرنا على حكم الهاشميين طوال أكثر من خمس سنوات (2005-2012) لكي يستقيظوا، ويحاربوا الفساد والسرقة، ولكن لا حياة لمن تنادي. ويبدو أننا كنا كمن يصرخُ في وادٍ، أو ينفخ في رماد. فانتشر الفساد المالي والسياسي، كما قرأنا في الأيام الماضية. وبدأ الشارع العربي باندفاعة من الربيع العربي يتحرك ببطء شديد نتيجة لعوامل اجتماعية، وسياسية كثيرة.
وكما قال الباحث الأردني سفيان عبيدات، فقد quot;وصل الربيع العربي إلى الأردن ليجد معظم الأردنيين مجمعين على ضرورة الإصلاح وغير متفقين على مفهومه، فرغم رفع الحراك الإصلاحي لشعار إصلاح النظام، ومطالبته بدولة القانون ،وبالتحرر من أدوات التسلط الأمني، وإنهاء عهد تزوير الانتخابات، وإعادة أراضي الدولة إلى الخزينة، إلا أنه بدا من الواضح، أن الحراك يفتقر إلى النضج السياسي، وأنه يعوزه مزيد من الوعي والاستيعاب الأعمق للمبادئ الإنسانية، التي تُجسِّد جوهر التغيير الحقيقي، الذي يتطلبه الإصلاح السياسي الديمقراطي. ولم تتمكن أي جهة في الأردن إلى الآن، من تبيُّن الواقع بكل أبعاده المحلية، والإقليمية، والدولية، وبلورة رؤية، لا يشوبها الخجل من أية قضية حساسة، أو خلافية، ووضع برنامج للإصلاح محدد الأهداف وقابل للتحقيق ضمن إطار زمني واقعي.quot; (quot;القدس العربيquot;، 10/3/2012).

ولكن لا حياة لمن تنادي!
وفي عام 2005 قلنا للملك عبد الله الثاني:

إن الشارع الأردني، قد تربى على ما كانت تنشره الصحافة الأردنية من تأييد مطلق للعمليات الإرهابية في العراق.
فهل ننسى ما نشرته جريدة quot;الغدquot; الأردنية، وما سبق أن نشرته جريدة quot;الحياةquot; اللندنية (16/12/2004 ) عن quot;أعراس الدمquot; التي كانت تقيمها مجموعة من العائلات في مدينة السلط؟
وأضفنا قائلين للملك عام 2005:
إن الشارع الأردني، الذي قال نعم لتنظيم quot;القاعدةquot;، وللأعمال الإرهابية التي تجري في العراق وغير العراق، شارع تربى على مقالات الصحافيين الأردنيين في الصحافة الأردنية، التي كانت تصف صدام حسين بالمناضل الشهيد، كما قال ابراهيم العجلوني ( جريدة quot;الرأيquot; الأردنية، 5/6/2003)
والجمهور الأردني في مهرجانات جرش، كان يستمع إلى الشعراء الأردنيين وهم يمجدون الإرهاب في شخص صدام حسين.
فهل ننسى ما قاله الشاعر الأردني خالد محادين أحد المنتفعين الكبار بهدايا، ومطايا، وعطايا صدام في مهرجان جرش 2005، والذي أهدى قصيدة عصماء إلى الطاغية صدام حسين، معنوناً إياها بـ quot;برقية إلى صديقي صدام حسينquot;، مبتدئاً قصيدته بقوله:
تبدو وحيداً إلا مني
أنت الجالس فوق مئذنة النخلة.
والشارع الأردني كان يحمل قبل صاروخ العقبة، (صاروخ quot;جرادquot; الذي أُطلق من جنوب سيناء في 2010 ، واستهدف مستودعاً للتبريد في شمال العقبة)
ويحمل صور ابن لادن، ويطلق عليه quot;الشيخ المناضلquot;. لكن بعد صاروخ العقبة، اختلف المزاج الشعبي. وبعيداً عن استطلاعات الرأي الأمريكية التي اعتبرت الشعب الأردني من أكثر شعوب المنطقة تعاطفاً مع الإرهابيين في العراق وأفغانستان، يمكن القول أن الشعب الأردني برمته ومن مختلف الأصول والمنابت، كان ضد ما حصل في فنادق عمان من تفجيرات إرهابية، ولكن بعد أن وقعت الواقعة، وزلزلت الأرض زلزالها في الفنادق الثلاثة المنكوبة.
ولكن لا حياة لمن تنادي!

وأكدنا للملك في عام 2005:
إن الديمقراطية تتيح للجميع أن يقولوا رأيهم بحرية تامة. ولكن مهمة الدولة أن تنشر الوعي بين الناس، وأن لا تدع الشارع أداة طيعة في أيدي الظلاميين الدينيين والقوميين، والدولة تتفرج عليه، ولا تحرك ساكناً للتوعية، ونشر قيم الحرية والديمقراطية الحقة.

ولكن لا حياة لمن تنادي!
لقد كانت الدولة الأردنية مقصرة تقصيراً كبيراً عندما تركت الحبل على الغارب لمجموعات كبيرة من الصحافيين، دون أن تقوم هي بإعلام مضاد للإعلام الظلامي (المؤيد للإرهاب) الذي سيطر على الشارع الأردني طيلة السنوات الثلاث 2002-2005 ، وكان نتيجته ما حصل في العقبة، وما حصل من تفجيرات إرهابية في فنادق عمان.

ولكن لا حياة لمن تنادي!
إن قراءة متأنية لمقالات الصحافيين والكتاب الأردنيين الذين كانوا يقتاتون من فُتات موائد صدام، وقراءة متأنية لخطاب الجماعات الإسلاموية وحزب البعث والنقابات المهنية، كافية لأن تقنعنا بأن الإرهاب الحقيقي يكمن هنا، وبأن الإرهابيين الحقيقيين هم هؤلاء.
وعندما اكتشفنا أن لا حياة لمن تنادي منذ أكثر من خمس سنوات.. قلنا بعدها والباحة ما قلناه.
فهل نحن ملومون؟!
السلام عليكم