ثورة الشعب السوري ضد النظام الأسدي وهي تدخل عامها الثاني، تكشف العديد من الخفايا خاصة في مواقف السياسيين والمثقفين العرب الذين طالما تشدّقوا بالمواقف الثورية والوطنية، وإذا بهم في اللحظة التاريخية الحاسمة، يتخلون عن وطنيتهم وإنسانيتهم مصطفين إلى جانب القمع والقتل الذي يمارسه الطاغية الديكتاتور ضد شعبه، وهم بهذه المواقف المخزية التي لن تشرفهم، ستضعهم فعلا ضمن قوائم العار المعادية لتطلعات الشعوب التي هي أهم من سطوة الطغاة المفسدين الذين يصرّون كعائلة الأسد على البقاء في السلطة بعد قتل وفساد وسرقة طوال 42 عاما.

مالكي العراق نموذجا
لم يتجرأ سياسي عربي على إعلان مواقف معادية لثورة وتطلعات الشعب السوري كما فعل نوري المالكي الذي شاءت صدف إقليمية وطائفية أن تضعه في منصب رئيس الوزراء العراقي منذ مايو 2006 ، ليعاد ترئيسه في نوفمبر 2010 لفترة رئاسية جديدة بعد انتظار وتلكؤ دام ثمانية شهور بعد نتائج الأخيرة بسبب الخلافات ذات الخلفية الطائفية والتدخلات الإقليمية الإيرانية التي لا يستطيع نوري المالكي الخروج عن طاعتها وتنفيذ قرارتها بشكل من الأشكال. والغريب لدرجة الضحك أو البكاء لا فرق، أنّ تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات الأخيرة جاء من قبل الرئيس جلال الطالباني قبل يوم واحد من انتهاء المهلة الدستورية الممنوحة له، رغم أنّ ما أطلق عليه المالكي quot; إئتلاف دولة القانونquot; حصل على 89 مقعدا في البرلمان بينما حصلت قائمة quot; العراقية quot; المنافسة التي يتزعمها إياد علاوي على 90 مقعدا. و لا يمكن القفز على معلومة وحقيقة أنّ نوري المالكي نشأ وتربى في أحضان النظامين السوري والإيراني حيث ظلّ يتنقل بين النظامين منذ عام 1979 ، ومن قبلهما عاش في حزب الدعوة من عام 1970 وعمره لا يزيد عن عشرين عاما.

الدعم المخزي للطاغية الأسد

من خلال هذه التربية والعلاقات والمصالح الشخصية جاءت مواقف نوري المالكي الأخيرة الداعمة لنظام الطاغية الأسد عبر دماء ما يزيد على تسعة ألاف وعشرات الألاف من المفقودين والمخطوفين في سجون الطاغية ومعتقلاته، وما يزيد على مائة ألف من اللاجئين السوريين خاصة في تركيا والأردن ولبنان. والغريب أن دعم نظام المالكي لنظام الأسد جاء عبر تصريحات استفزازية تهزأ بدماء الشعب السوري الذي ينادي منذ أكثر من عام برحيل هذا الأسد المفترس وعصاباته. فمن هذه التصريحات اللامشرّفة قوله: quot; إنّ لغة استخدام القوة لاسقاط النظام السوري سوف لن تسقطه، قلناها سابقا وقالوا شهرين فقلنا سنتين، ومرت سنة الآن والنظام لم يسقط ولن يسقط ولماذا يسقطquot;.
تصوروا هذا السؤال: ولماذا يسقط؟. ألا تعرف لماذا يا نوري المالكي؟ لأنّ الشعب السوري ينادي بصوت عال منذ أكثر من عام برحيل وسقوط هذا النظام. فلماذا يا نوري تتنكر لرغبة الشعب السوري؟ ألا يكفيه 42 عاما من القتل والسجون والمعتقلات والفساد والسرقة التي لا أعتقد أنّ شعبا عربيا عاشها في ظلّ أي من أنظمته ملكية أم جمهورية. ونداءات الشعب السوري هذه لا تختلف عن نداءات الشعب العراقي المعادية لحكومتك وممارساتها خاصة في مجال القمع والفساد التي لا تقل عن فساد وسرقة نظام الأسد وعائلته وأخواله. ويكفي التذكير بعمليات السطو على المصارف العراقية التي من أشهرها تلك العملية التي جرت في يوليو 2008 وأسفرت عن سرقة 282 مليونا من الدولارات من مصرف دار السلام الواقع في شارع السعدون وسط بغداد، وقد كانت عمليات السطو على المصارف تشبه صرعة أو موضة تلك الأيام، مما يدلّل على أنّ هناك جهات عراقية رسمية قريبة من حكومات المالكي ضالعة فيها، ويكفي أنّ مسؤولا عراقيا رفض الإفصاح عن اسمه علّق آنذاك قائلا: quot; أن العملية تمت بتدبير من جماعة مسلحة تسيطر على شارع السعدون، وسبق لها أن نفذت عدة عمليات سطو وسرقة لمصارف خاصة...و أن الجميع يعرف أن هؤلاء الحراس ينتمون إلى إحدى الجماعات المسلحة، ولكن لا أحد يمكن له أن يتكلم معهم لأنه سوف يتعرض للقتل، وبالتالي فليس من المستبعد أن تكون العملية قد تمت بالتواطؤ بين هذه الميليشيات والحراسquot;.
وأوضح مصدر إعلامي عراقي آنذاك أنّه quot; منذ تولي القيادي في المجلس الإسلامي الأعلى، وزير الداخلية السابق، باقر جبر صولاغ مهام وزارة المالية العراقية، تعرضت أكثر من سبعة مصارف خاصة وحكومية لعمليات سرقة وسطو مسلح في وضح النهار، من بينها ثلاث مصارف تقع جميعها في شارع السعدون وسط العاصمة بغدادquot;. وكذلك تحقيقات ما عرف ب ( هيئة النزاهة في العراق ) التي طالت العديد من المسؤولين في حكومات المالكي عبر سرقات تجاوزت المليارات ولم يتم استرداد دولار واحد منها لخزينة الشعب، فكانت الهيئة وتحقيقاتها مجرد ذر للرماد في عيون الشعب العراقي المنكوب بحكومات المالكي تماما كنكبة الشعب السوري بحكومات الأسود المفترسين. وأخيرا وليس آخرا الفساد والسرقات التي صاحبت نفقات مؤتمر (النقمة العربي ) الذي عقد مؤخرا في بغداد، حيث اتهمت quot;القائمة العراقيةquot; بزعامة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي حكومة المالكي بالفساد المالي في إدارة عمليات تنظيم القمة العربية، وإجراء عمليات اعتقال عشوائية للمواطنين في محيط مدينة بغداد .وقالت المتحدثة باسم quot;العراقيةquot; ميسون الدملوجي في بيان لها أنَّ quot;حملة من الاعتقالات العشوائية سبقت المؤتمر وطالت آلاف الناس الأبرياء في محيط مدينة بغداد quot;.quot; وأضافت الدملوجي: إنَّ quot;مبالغ طائلة أنفقت على البذخ الفائض للمؤتمر تجاوزت بليون وربع بليون دولار، حيث أثارت هذه المبالغ شكوكًا كبيرة في عمليات فساد شابت التحضير للمؤتمرquot;.

وهجوم مخزي على الأنظمة الداعمة للشعب السوري
ولم يكتف نوري المالكي بهذا التنكر لمطالب الشعب السوري عبر دعمه للنظام الأسدي القاتل، الفاسد مثل فساد نظامه في العراق، ولكن كي يعلن عن تبعيته الكاملة لهذا النظام شنّ هجوما على أنظمة عربية ( المملكة العربية السعودية و قطر) تملكت الجرأة للإعلان عن دعمها للشعب السوري وثورته، ومطالبتها برحيل طاغيته وسحب سفرائها من دمشق حيث يعشش فساد وقتل هذا الأسد.

أوامر إيرانية بتنفيذات مالكية

إنّ المتابع لمسيرة نوري المالكي السياسية في رئاسة الحكومات العراقية لا يمكن أن يتغافل عن تبعيته للسياسة الإيرانية بشكل مطلق، وإلا كيف يمكن تفسير تخليه عن اتهاماته السابقة للنظام الأسدي بدعم الإرهاب في العراق، ليتحول مدافعا عن هذا النظام بنفس السياق والكلمات التي يستعملها نظام الملالي في الدفاع المستميت عن النظام الأسدي، وبالتالي لا يدافع عن أي نظام إلا من هو على شاكلته ويرتكب نفس ممارساته الإجرامية. ونظام الملالي في إيران المنكوب به الشعب الإيراني أيضا، يعرف أن نظام الأسود في سوريا هو نافذته الوحيدة في المنطقة لذلك أوعز لحكومته المالكية في العراق وحزب حسن نصر الله في لبنان لدعم هذا النظام، فتخلى المالكي عن اتهاماته السابقة لنظام الأسد بدعم الإرهاب في العراق، وتخلى حسن نصر الله وتناسى اتهاماته داخل اجتماعات حزبه لمخابرات الأسد بالتواطؤ في اغتيال عماد مغنية، ليعلن المالكي وحسن نصر الله دعمهما المخزي لهذا النظام القاتل..ولكن فليدعم من يدعم..فمصير نظام الأسد بيد الشعب السوري الذي أعلنها صراحة من خلال تسعة ألاف قتيل حتى اليوم ( يلا..إرحل يا بشار )..فسيرحل هذا النظام بلا أسف آجلا أم عاجلا ومن خلال ثورة وإرادة الشعب السوري فقط...وستبقى أسماء الذين تنكروا لإرادة الشعب السوري في قائمة العار التي لن تنساها الشعوب الباحثة عن الحرية والكرامة والعدالة.