أثناء حديث مع صديقة عربية عن هموم العراق وصراعات أحزابه، أصابتني حالة من الغثيان السياسي وأنا أحاول الإجابة على أسئلتها: ماذا يجري عندكم، وأي من الأطراف المتنازعة يستحق التعاطف، أي قدرمن الحقيقة تختزنه المصطلحات الكبيرة التي يجري تداولها، كالديمقراطية والدستور والبرلمان والدولة الإتحادية، ما حكاية استجواب رئيس الوزراء أو نزع الثقة عن حكومتة، ماهي الحقوق الدستورية لإقليم كردستان؟ وأسئلة أخرى لم تبخل بها صديقتي، ما جعلني أفكر برحلة بحث عن معاني تلك المصطلحات، فتوجهت لأصحابها، قلت لأسأل أولاً عن الدكتور أياد علاوي (رئيس القائمة العراقية) فلم أجده في البرلمان وعلمت بأن نسبة غيابه كبيرة جداً، وإنه دائم الترحال والإنشغال بغير هموم الوطن. فكرت في رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني لأنه مواظب في عمله، وقلّما يسافر إلا لأمر خطير، وعلمت إنه ممتعظ أشدّ الإمتعاض من صفقة الطائرات التي اتفقت عليها بغداد مع واشنطن ومن فكرة إعادة تسليح الجيش العراقي، لما يشكل ذلك - في رأيه - من تهديد لأمن كردستان، ما دعاه الى توجيه رسالة الى الرئيس أوباما، راجياً منه إلغاء الإتفاق. وقد جاءت الأخبار بما يفيد إن رئيس وزراء الإقليم نيجيرفان بارزاني لفت انتباه الحكومة الإتحادية اإلى عدم جواز quot; الربط بين المشاكل السياسية، وحقوق شعب كردستان ..quot;, وحذر من استعمال هذه الحقوق كورقة ضغط، مبيّناً إن quot; سياسة النفط والغاز في الإقليم تسير بحسب الحقوق التي منحها الدستور ..quot;. أعجبتني كلمة الدستور، ولكن خطر لي قبل تقليب صفحاته أن أنبه القارئات والقرّاء الى أن دولتنا الإتحادية ليس لديها مجلس إتحادي لحد الآن، بمعنى إن فيدراليتنا منقوصة. عثرت على المادة 108، من الدستور، فقالت لي إن : quot; النفط والغازهو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات quot;، لم أكتف فسألت أختها المادة 109، فأفادتني بالآتي : quot; أولاً- تقوم الحكومة الإتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة على أن توزع وارداتها بشكل منصف .. ثانياً ndash; تقوم الحكومة الإتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معاً برسم السياسات الإستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي ..quot;. أحترت في أمر الدستور فهناك تنازع قانوني بين المادتين المذكورتين، وينبغي عرضهما على المحكمة الإتحادية العليا، لتقول رأيها وتلغي نص الحقول الحالية، باعتبار إن النفط والغازهما ملك للشعب العراقي، سواء ما وجد منهما الآن أو في المستقبل، بمعنى عدم جواز انفراد إقليم كردستان باستثمار الحقول المكتشفة بعد العمل في الدستور، وإجمالاً ليس لسلطة الإقليم الإنفراد بالسياسة النفطية، وبالتالي وجود شبهة في العقود التي أبرمتها مع شركات البترول، مراعاة لما تقدم من نصوص. إذاً مسألة الحقوق ودستوريتها بحاجة الى عرضها هي الأخرى على المحكمة العليا. الأمر معقد بلا شك في هذه النقطة. لذلك سانتقل الى الأسهل، الى الصدريين، وقد علمت أنهم جزء من الإئتلاف الذي يضم حزب رئيس الوزراء، وإنه كان بينهم وبينه صولات وجولات، وأن قيادتهم طالما غيّرت مواقفها، وعجبت من كونها ذات صبغة دينية متشددة، ومع ذلك التقت مع من يعرّفه الإعلام العربي بأنه quot;العلمانيquot; وأقصد الدكتور علاوي، ولم أعجب من لقاءاتها مع التحالف الكردستاني، لأن هذا يمتلك قوة على الأرض ويلعب دورا حاسماً أحياناً في نتائج العمليات السياسية، على كل حال لم أفهم شيئاً ولم تفهم صديقتي. أخيراً قررت أن أبحث عن الأجوبة في تصريحات رئيس الوزراء نوري المالكي، لأعرف ماذا حلّ بطلب خصومه استجوابه، ومتى تنزع الثقة عن حكومته. أتضّح لي إن المالكي أبلغ طالبي الإستجواب بأنه لا يمانع في ذلك، ولكن بشرط أن تبحث كل الخروقات التي تورطت بها السلطة التشريعية والتنفيذية، بالإضافة الى المحافظات، quot;لأننا نريد أن نبني دولة quot; حسب تعبيره، وتبيّن من حديثه أن بحوزته ملفات خطيرة، من شأنها إحراج خصومه، ولذلك فإن بعضهم يتهرب من الموافقة على حضور المؤتمر الوطني الذي دعا اليه، خوفاً من المكاشفة. وفي حالة عدم التوصل الى عقد هذا المؤتمر، أو فشله في حل الخلافات، فإن المالكي سيكون مظطراً الى دعوة رئيس الجمهورية للتقدم بطلب حل البرلمان، وبالتالي اللجوء الى انتخابات مبكرة. راعني أن يهدد رئيس الوزراء بالملفات، أليس من واجبه الكشف عنها، ألا يعني كلامه إنه لن يكشفها إذا ما اتفق مع خصومه، اليست هي ملفات قديمة؟
المشكلة إن رئيس الجمهورية ما يزال مريضا وفي رحلة علاجية، وحتى لو لم يكن كذلك، فإنه ينأى عن اتخاذ مواقف حاسمة، حرصاً على إرضاء كل الأطراف والإستمرار بمنصبه، وكان قد أفشل مطالب سحب الثقة من المالكي، قائلاً لأصحاب الطلب، إن عدد توقيعاتكم لم يصل الى النصاب القانوني. إذاً فالأمر منوط بشفاء الرئيس، ما يعني إن العراق مريض أيضاً ولا نعلم متى يشفى.
بعد كل هذا لم استطع تقديم الإجابات المناسبة على أسئلة صديقتي، فقلت لها لدى عودتك الى مصر ستجدين الإجابات أسهل عن مشاكلكم، وكان الحديث يجري على وقع خطاب الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، وهو يقول : لا أسمح ولن أسمح.
ذهبت صديقتي وبقيت أتأمل في حال العراق، هاهو شهر حزيران وقد وصل إلى نهايته، وعندها تحلّ الذكرى الثانية والتسعين لثورة العشرين، التي كانت البداية لتأسيس الدولة العراقية، بدا لي إننا نعود الى نقطة البداية فالعشائر تنهض من جديد، ورجال الدين يستعيدون دورهم، ولكن ليسوا كثوريين، وإنما كداعين الى العودة للماضي بملابس الحاضر، لاعمران ولا كهرباء، ونضال من أجل ماء نظيف.

[email protected]