سيتم تعتيم المواقع الالكترونية في الأردن يوم الاربعاء المقبل احتجاجا على تعديلات مقترحة لقانون الاعلام يراها كثيرون انها محاولة لتكميم الافواه.
تناولت موضوع الاعلام في الأردن قبل عامين عندما شهدت الساحة الاعلامية الأردنية جدلا صاخبا اواخر عام 2010 وبداية عام 2011 يتعلق بتقييد حرية الاعلام الأليكتروني لضبط ما يسمى الانفلات الاعلامي. لا يختلف اثنان ان هناك حالة من الانفلات الاعلامي في العالم العربي. ما عليك الا ان تقرأ بعض المواقع السورية والعراقية أو تشاهد بعض الفضائيات العراقية والسورية لتجد ان الاعلام يستعمل للتشهير والتحريض على العنف والكره وتكريس الطائفية وتغذية وقود الفتنة والتعبير عن الاحقاد الشخصية والاساءة المقصودة وتشويه السمعات والتخوين.
بالاضافة لفوضى الاعلام الفضائي فان الانتشار السريع للشبكة العنكبوتية وسهولة خلق مواقع اليكترونية الذي اصبح بمتناول عدد كبير من الناس ساهم في ترسيخ وتعميق حالة الانفلات الاعلامي. هذا لا ينطبق طبعا على المواقع المسؤولة التي تتمتع بمهنية ومصداقية عالية. من متابعاتي استطيع القول ان الاعلام الأردني لم ينحدر الى تلك المستويات المتدنية. ربما نمتعض من تجاوزات هنا وهناك من قبل بعض المواقع الاليكترونية الثانوية التي لا تؤخذ على محمل الجد في غالب الأحيان. ورغم هذا التحفظ كلنا نتفق ان الاعلام بحاجة لأنظمة وقوانين ضابطة بشرط ان لا تستخدم كوسيلة انتقامية بيد ذوي الاجندات الخاصة أو محاولة لتقليص مساحة حرية التعبير. أي معاقبة المهني والمسؤول بسبب تصرفات الطائش واللامسؤول.
ماذا قالوا قبل عامين:
في اواخر عام 2010 وعام 2011 ظهر موجة من المقالات والتساؤلات والعناوين معظمها تعبر عن قلق في صفوف الاعلاميين الأردنيين حيث كتب طاهر العدوان رئيس تحرير جريدة العرب اليوم آنذاك quot;أن الصحافة ايضا تطالب بتطبيق المعايير العالمية quot; واشار الى تراجع الاعلام في عهد الحكومة الحالية. وتساءل باسل العكور مدير تحرير موقع عمون آنذاك عن مبررات واسباب التعديلات والتوقيت. ويقول quot;اليست هذه التعديلات لاخضاع المواقع تحت قبضة تشريعات تقلل هامش حرية الصحافة؟
وكان هناك حالة من الفزع من تشريعات جديدة لتنظيم العمل الصحفي وانعكست هذه الحالة بعناوين في الصحف مثل quot;الرفاعي يهاجم الاعلام ويهيء لسن تشريعات ضد الحريات الصحفية quot;. ما عليك الا ان تستبدل quot;الرفاعيquot; بالطراونة لمواكبة أحداث الساعة.
وقرأنا ايضا أن رئيس الوزراء الرفاعي كان يرغب في ارضاء بعض النواب المستائين من الاعلام لنقله اخبارا اعتبرها بعض النواب مسيئة مثل المشادات الكلامية والمشاجرات التي تشمل العراك الجسدي. بعبارة اخرى قال الاعلاميون الاردنيون ان الحكومة رضخت لضغوط عدد من النواب لتقييد حرية الاعلام على خلفية الانتقادات الساخرة واللاذعة للبرلمان على افراطه في منح الثقة في الحكومة.
وفي الوقت ذاته أي قبل حوالي عامين قرأنا عناوين تتسم بالطأمنة وتهدئة الخواطر حيث قرأنا أن ايمن الصفدي الناطق باسم الحكومة ونائب رئيس الوزراء آنذاك قال quot;اذا لم تقم الصحافة بالنقد فليست صحافة ولا تقوم بدورهاquot;.
النائب جميل النمري رئيس لجنة التوجية الوطني قال آنذاك quot; اي تعديلات لرفع مستوى الاعلام والاحترافية يجب الترحيب بها وقال ايضا يتعين على بعض وسائل الاعلام الابتعاد عن اسلوب السخرية ونشر التعليقات المسيئة.quot;
وأيضا وفي خطاب العرش امام البرلمان الجديد أكد جلالة الملك على أهمية الاعلام الوطني المهني المحترف.
ألم يقل رئيس الوزراء سمير الرفاعي آنذاك quot;سنعمل على دراسة كافة التشريعات المتعلقة بالاعلام من اجل تقوية الاعلام الوطني وتعزيز دوره المهنيquot;.؟
ألم يتحدث علي العايد وزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصالات الجديد آنذاك اوائل شهر اكتوبر 2010 عن قوانين ناظمة للعلاقة بين الحكومة وبين السلطة الرابعة وعن توفير الموارد المالية والكفاءات والخبرات للنهوض بالاعلام الأردني ووضع خطة لكيفية التعامل مع الاعلام. وأعلن معاليه عن خطة اعلامية جديدة حيث أعلن قبل عدة اسابيع ان الأردن انهى احتكار الدولة لوسائل الاعلام.
قبل عامين كان هناك عزما على رفع سقف حرية الاعلام وبنفس الوقت الرغبة بتنظيم العلاقة بين الاعلام والحكومة والمؤسسات وهذا ما فسره البعض كتدخل حكومي لتضييق هامش الحريات الصحفية. ربما ان توقيت التصريحات المتعلقة بسن قوانين وتشريعات خلقت حالة من الذعر في صفوف الاعلاميين. هذا التحليل قبل عامين من الزمان. ولكن ما حدث الآن ليبرر التعديلات في القوانين والتغيير التي اثارت غضب المواقع الأليكترونية؟
وماذا حدث الآن:
لا شك ان الاعلام الأليكتروني يلعب دورا كبيرا في المجتمعات العربية والأردن ليس استثناء ولفترة زمنية طويلة احتكرت الحكومات والصحافة الورقية الاعلام والمعلومة. ويتميز العصر الحاضر بالسرعة والديناميكية ولم يعد بامكان المصادر التقليدية من تلبية شره الموطن لاستهلاك المعلومة كوجبة سريعة ثم ينتظر المزيد ولا تستطيع اي حكومة حتى دكتاتوريات مثل سوريا من ايقاف فيضان المعلومات. ونشهد الآن حملة اعلامية شرسة ضد حكومة فايز الطراونة ووزير الدولة لشؤون الاعلام سميح المعايطة. يتهم اصحاب المواقع الحكومة بالتضييق على الحريات الاعلامية ومنع الاعلام من فضح الفساد والاخطاء الحكومية.
ولكن هل نستطيع ان نقول بأمانة مطلقة ان الصحافة الأليكترونية بريئة مائة بالمائة وهي التي تفتح المجال لذوي الاجندات والاحقاد ان يضعوا تعليقات مسيئة ومبالغات واتهامات دون تقديم اي اثباتات. اي اصبحت الساحة الاعلامية بمثابة حلبة لتسوية الحسابات والانتقامات. واعترف شخصيا انه كلما ظهر مقال لي تنهال الاتهامات اني قابض من هذا الطرف او ذاك علما اني لم أستلم ساندويش فلافل او فلس واحد من أي مصدر لقاء ما اكتبه.
وهناك من يعتقد ان quot;اقرار الحكومة القانون المعدل لقانون المطبوعات والنشر, بصيغته العرفية الرجعية حسب قولهم , تكشفت نوايا الحكومة, بالانتقام وهدم منجزات المرحلة القادمة المتمثلة بمحاربة الفساد ومكافحته التي وضعت حدا لعبث مافيات السلطة بخزينة الدولة.quot; أضف الى ذلك ان موضوع قانون الانتخابات الجديد هو احد اسباب تقييد حرية الاعلام.
القوانين والاعلام المهني:
علينا ان نقبل ان الحكومات وجدت لخدمة المواطن واجهزة الحكومة هي الاذرع لتنفيذ هذه الخدمة. لذا من الطبيعي والبديهي انه من حق الاعلاميين الحصول على المعلومات ونشر الخبر حسب الاصول الصحفية وخلال فترة قصيرة ويحق للصحافة والاعلام ان تهتم بالقضايا التي تهم البلد وتتابعها وان تنقل الاخبار بأمانة ومهنية.
وايضا يحق للحكومة ان تعترض اذا تم تشويه الاخبار لخدمة اجندات غير وطنية. ويحق للحكومة ان تسن قوانين وانظمة للتأكد ان الاعلام لا يحرض على العنف والكره والفتنة والعصيان والمس من هيبة الدولة والجيش. وحتى في الدول الديمقراطية العريقة مثل بريطانيا والولايات المتحدة هناك قوانين صارمة لمراقبة ومحاسبة الاعلام اذا تم اجتياز خطوط اخلاقية او قام بالترويج لشائعات او قصص يمكن وصفها بالعنصرية او التحريضية ضد اقليات او ديانات اخرى. كما ان هناك قوانين تمنع الاعلام من تعريض الأمن الوطني القومي للخطر. هل سمعتم بقاعدة الثلاثين عام 30 year rule المطبقة في بريطانيا وهي أعرق الديمقراطيات في العالم. لا يتم كشف مناقشات مجلس الوزراء او وثائق تعتير حساسة الا بعد مرور 30 عام. وفقط مؤخرا بدأنا نقرأ عن اسرار حكم السيدة مارغريت ثاتشر في حرب تحرير الفولكلاند من الأرجنتين.
قد يستفيد أعداء الوطن من نشر معلومات حساسة. ولكن تغطية مشاجرة بالأيدي بين برلمانيين او خبر شجار في ملعب كرة قدم لا يأتي تحت اطار الأمن القومي الا اذا اسيء استعماله باعطاء الخبر نكهة انقسامية تحريضية. وهناك ما يسمى قوانين التشهير والحماية من الابتزاز وهذه يتم احالتها للقضاء. بعبارة مختصرة لا يستطيع صحفي ان ينشر خبرا كاذبا او يكتب مقالا مسيئا لا يستند عل حقائق.
ميثاق الشرف الصحفي المهني ينص على ذلك وكل من يعمل في الاعلام من المفروض ان يلتزم باخلاقيات المهنة حتى لو لم يكن هناك اي قوانين.
اذا تم الالتزام بالاخلاقيات والمهنية والاحترافية فلا حاجة للتدخل الحكومي.
ما هو المطلوب؟
الأردن ليست بحاجة لقوانين وتشريعات دراكونية قاسية بل هناك خطوات يمكن وضعها حيز التنفيذ ابتداء بالصحافة التي عليها ترتيب بيتها الداخلي وتفعيل آليات المسآلة والمحاسبة وتشكيل هيئة للنظر في الشكاوي على الصحافة على غرار quot;لجنة الشكاوي من الصحافةquot; البريطانية Press Complaints Commission وهذه الهيئة المستقلة موجودة في بريطانيا ولديها صلاحيات واسعة للنظرفي شكاوي المتضررين من اخبار لا تستند على حقائق أومقالات كتبت بهدف الاساءة وبدون مبرر. حتى ان الاعلام الفضائي والاذاعي وهذا يشمل البي بي سي تخضع لأنظمة اوفكوم OFCOM وهذه اللجنة ترصد بث البي بي سي الأرضي والفضائي واي مخالفات يؤدي لمحاسبة المسؤولين.
المطلوب أيضا تنسيق افضل بين الدوائر الحكومية ووسائل الاعلام وتوفير التفاصيل الكافية عن أي قرارات حكومية مثيرة للجدل للصحافة والاعلام داخل الأردن ولمكاتب الاعلام الأردنية في العواصم الدولية لكي تتمكن هذه المكاتب من القيام بواجبها في شرح موقف الأردن وتصحيح اي تشويهات او مغالطات مقصودة او غير مقصودة. ويجب اعتماد الشفافية كوسيلة للقضاء على ظاهرة التكهنات والشائعات والتشويهات. الاعلام له دور هام جدا وعلى الحكومات ان تساعد الاعلام في القيام بهذا الدور بطريقة مهنية احترافية.
المطلوب اعلام قادر على تصحيح الصورة وفضح التشويهات المغرضة والاجندات العدائية للأردن. أتذكر تماما انه بعد الغاء وزارة الاعلام تحدث ناصر جودة وزير الاعلام اوائل عام 2008 عن تعديلات جديدة على قوانين الاعلام المرئي والمسموع والاليكتروني مؤكدا ان حرية الاعلام سقفها السماء دون انتهاك حرية الاشخاص الآخرين. الاعلام بحاجة لتطوير لكي يبقى مواكبا للعصر التكنولوجي وأشار الكاتب جهاد المومني بتاريخ 6 ديسمبر 2011 في جريدة الرأي لهذه النقطة بالذات ولكنه وضع سؤالا ماذا تريد الحكومة من الاعلام الأردني بالضبط؟
لا حاجة لقوانين صارمة جديدة بل الحاجة الى مهنية واحترافية من قبل الصحافة الورقية والاليكترونية وفي الوقت ذاته شفافية وانفتاح من قبل الحكومة.
مستشار في الاعلام - لندن
التعليقات