يعتبر كلّ من على الوردى فى العراق وعلى شريعتى فى إيران، عالما كبيرا ومفكرا متميزا ومصلحا رائدا فى حركة الإصلاح الإجتماعى من خلال دراسة مجتمعه وبيئته وأسباب التخلف والجمود فيها، رغم الإختلاف بينهما حيث من ينقم على الغرب متأثرا بالماضى لمحاكمة الواقع وهو شريعتى، وآخر متأثر بالغرب لايرى قدسية كبيرة للتراث بل يتجاوزه وينقده بالواقع وهو الوردى الذى ينقد القديم والنص التاريخى بالحاضر والواقع، لذلك تجاوز شريعتى فى نقده وتطلعه وأفقه. وقد أثار كل منهما جدلا فى حياته وبعد وفاته

يعتبر علي الوردي عالم اجتماع وانثروبولوجست تخصص في دراسة المجتمع العربي بصورة عامة والمجتمع العراقي بصورة خاصة ودعى الى ثورة في التفكير الاجتماعي من خلال وضع نظرية إجتماعية ومنهجية علمية وفرضيات تتلائم ودراسة المجتمع العراقي و الشخصية العراقية. كما ان علي الوردي هو quot;علمانيquot;، بمعنى انه غير ملتزم، مثلما هو على شريعتي الذي هو اسلامي ملتزم قبل كل شيء وباحث عن الدليل من خلال التراث الإسلامى الذى يرى فيه جوابا لكل جوانب الحياة.
كما ان علي شريعتي ليس مجرد داعية اسلامية ثورية ومتنورة حيث دعى الى ثورة شمولية في الفكر الاسلامي. فهو درس المجتمع الاسلامي عموما والمجتمع الايراني خصوصا، وتخصص فى علم الإجتماع فى جانبه الإسلامى، واضطلع عميقا في الادب، اضافة الى انه درس الادب الفارسي.
وبالتأكيد، فان كليهما كانا من دعاة الفكر الاسلامي التنويري وأساتذة أكاديميين مرموقين متميزين، غير ان علي الوردي دعى الى الفصل بين الدين والدولة، في حين لم يدع شريعتي الى ذلك، وانما دعى الى تنقية الدين الاسلامي مما حل به من اساطير وخرافات واباطيل ودراسة تطور الفهم الإسلامى والعوامل التى أدت إلى ذلك . لقد انتقد الوردي وشريعتي فئات رجال الدين ووعاظ السلاطين والحكام المفسدين، كما انتقدا الصراعات الطبقية بشكل غير مباشر.
لقد اشتركا فى نقد رجالات الدين ووعاظ السلاطين وحبهم للدنيا وتناقض أفعالهم مع أقوالهم واستغلالهم الدين لمصالحهم وجبروتهم وتعاملهم مع الحكومات الطاغوتية فضلا عن تقسيمهم الطبقى للمجتمع والأرستقراطية الدينية . وان ولوجهما موضوع الدين من خلال نقد وعاظ السلاطين، كان قد كسر المحرم وتجاوز الممنوع، في مجتمع ديني تقليدي ما يزال يرزح تحت وطأة الاستغلال والقمع واستغلال الدين فيما هو أشبه بحكم الكنيسة فى الغرب، وبذلك فتحا باب النقد الديني على مصراعيه بعد ان شعرت امبراطوريات تستغل الدين بالخطر على مصالحهم ودنياهم من هذا الوعى والنقد الذى بدأ ينتشر فى الأمة، ولذلك اعتبر الوردى وشريعتى تنويريين
كلاهما يعتبران الأنبياء مصلحين إجتماعيين عظماء. يقول الوردى (كان النبى ثائرا مجددا يدعو الى التقدم الإجتماعى فى أقصى معانيه وهو لايريد الركود لأمته لأن الدين لايستقيم مع الجمود) وما أقربه الى رأى شريعتى القائل (الدين حركة تجديدية إصلاحية تحمل المبادئ والأهداف لكسر القيود والأغلال بشكل نقدى عنيف). إذن كلاهما لم ينقدا الدين والأنبياء بل نقدا بعض رجال الدين وأتباع الهوى والسلطان والدنيا واستغلالهم للدين فى مصالحهم الشخصية وهم يتكلمون عن الزهد والورع والآخرة بينما هم أحرص الناس على المال والدنيا. ولعل من أمثلته فى واقعنا المعاصر وهى كثيرة جدا مثل امبراطورية حواشى المراجع ووكلاؤهم المعتمدون الذين يملكون البيوت العظيمة والتبذير الواسع فى سفراتهم وموائدهم وزواجاتهم من أموال الخمس والحقوق الشرعية التى ينبغى توزيعا على مستحقيها من الفقراء والمحتاجين وغيرهم.
كل من شريعتى والوردى قد درس فى الغرب وتأثر سلبا أو إيجابا ثم نقد الواقع الإجتماعى والأرستقراطية مدافعا عن الفقراء والمحرومين، لذلك نالا نقدا واسعا ممن ضربت مصالحهم خصوصا طبقة رجال الدين المترفة التى شعرت بتهديد مصالحها وثرائها وطغيانها.
الجدير ذكره أن على شريعتى قد تأثر بالعديد من أفكاره بعلى الوردى وهذا ما لم يتطرق له الكتاب والباحثون عادة ويمثل منطقة فراغ فى العلاقة بينهما. لذلك نجد شريعتى يستشهد مرارا بأفكار الوردى وكتبه خصوصا كتاب (وعاظ السلاطين) الذى يبدو تأثره به كثيرا مثل كتاب (التشيع العلوى والتشيع الصفوى) لينقل أفكار الوردى بشكل مطول ومسهب للإستشهاد بها، ما يشير الى اطلاعه على الوردى وكتبه وربما معرفته العربية ولكنا لم نلمس استشهادا للوردى بشريعتى أو قراءته لكتبه لعل ذلك بسبب عدم معرفته بالفارسية وعدم ترجمة كتب شريعتى الى العربية وعدم توفرها آنذاك فى العراق وظروفه آنذاك لكنا نلحظ ماكتبه الوردى عن التشيع الصفوى فيما هو أقرب إلى نظرية شريعتى فى تحريف الدين وتفريغه من محتواه وتحويله إلى طقوس تملؤها ثقافات الكراهية
ربما يكون شريعتى أكثر شهرة فى الخارج من الوردى لعوامل عديدة أهمها كونه سياسيا معارضا قويا وخطيبا مفوها إذا تحدث سكت الآخرون، حتى قيل أن مركز الإشعاع فى إيران هو طهران العاصمة، وأبرز مواقعها حسينية إرشاد التى تنافس فيها ثلاثة خطباء بارعون، هم مرتضى مطهرى وحسين نصر وعلى شريعتى، لكن أعظمهم وأقواهم وأبلغهم وأكثرهم شعبية وأقدرهم نقدا وتحليلا كان على شريعتى فإذا تكلم سكت الآخرون ومنهم مطهرى ونصر لذلك كان محسودا ومحاربا من جهات كثيرة وعديدة على رأسها نظام الشاه الحاكم إلى طبقة رجال الدين أمثال زعيم حزب الدعوة مرتضى العسكرى رأس الحربة الذى يقول عنه شريعتى بأن العسكرى من رؤوس محرفى التشيع العلوى إلى التشيع الصفوى والجهل والعصبية بعيدا عن الحق والمبادئ والأخلاق والقيم ومانادى به الإمام علي..
كذلك فإن على الوردي برز كعالم اجتماع تنويري مع صعود حزب البعث ودكتاتورية صدام حسين وكذلك لانه ليس خطيبا ملتزما مثل شريعتي، وان استقلاليته الفكرية ومنهجه الإجتماعى وخوفه من زبانية صدام حسين وعدم خروجه من العراق جعله منزويا في صومعته الفكرية ومتوقفا عن الكتابة والتأليف منذ بداية السبعينات. إضافة أن قضية موت شريعتى الغامضة فى لندن واتهام المخابرات الإيرانية مع البريطانية بذلك ومنع الشاه لدفنه فى إيران حتى دفن فى الشام جوار السيدة زينب مما وسع فى مظلوميته وشهرته ومحبوبيته.
العالمان كبيران مارسا تجديدا وتحديا شجاعا للواقع والمجتمع، كما أنهما عاشا زاهدين بعيدين عن هوى النفس والمصالح الشخصية والدنيوية وتركا الدنيا وهما نزيهان يداهما طاهرتان وكان بإمكانهما أن يحصلا على الكثير لو تنازلا عن بعض المبادئ لكنهما رفضا، الوردى أراد تغيير الماضى بالواقع والحاضر بينما أراد شريعتى تغيير الحاضر من خلال الماضى والتراث، الوردى باحث عن الحق والحقيقة والإصلاح الإجتماعى وشريعتى سائر فى طريق الأنبياء والأولياء والشهداء والفرق بينهما كالفرق بين القدرة والعظمة من باب التمثيل لاالقياس والمثال يضرب ولايمكن القياس عليه للفوارق أيضا من جهات متعددة. لقد عاش شريعتى نصف عمر الوردى وقدّم مصنفات هى أضعاف ما قدمه الوردى لظروف موضوعية
يبقى الفكر الإصلاحى لهذين العلمين الكبيرين منارا كبيرا يحتاج الى مصلحين كبار لتكميل المشوار والسير بخطوات جريئة واعية مقدامة خصوصا بعد تطور المجتمعات وتغيرها منذ أن غادرا الحياة الدنيا وحتى يومنا.