دعك عزيزي القارئ من العبارات الفضفاضة مثل quot; حرب تكسير العظام (تصفية الحسابات) بين الإخوان والسلفيين quot;، أو من تعديد البعض quot; للأضرار التي لحقت بالإسلام السياسي والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية quot; علي خلفية إقالة quot; خالد علم الدين quot; القيادي بحزب النور السلفي من منصب مستشار الرئيس الإخواني quot; محمد مرسي quot;، فهذا هو الجزء الظاهر علي السطح، لكن ما تضطرب به الأعماق أشياء أخري (أهم)، منها أنه لا يوجد quot; مشروع إسلامي واحد quot; يجمع مختلف التيارات الإسلامية كما يشاع، وأن شعار quot; الإسلام هو الحل quot; لم يعد صالحا لممارسة اللعبة السياسية اليوم، الأهم من ذلك أن الفاشية الدينية (للأخوة الأعداء) في طريقها إلي إعادة مصر إلي (النظام الأبوي) وquot; ديكتاتورية العسكر quot; من جديد.
تاريخيا لم تنجح quot; الأخوة في الدين quot; أو quot; الأخوة في الدم quot; في تطوير اللعبة السياسية إلي نظام ديمقراطي حديث، وإنما كان مصيرها دوما الفشل الذريع والإنقلابات المستمرة والتقاتل والتآمر والغدر والخيانة، فما بالك بقواعد اللعبة السياسية (وخباياها) في القرن الحادي والعشرين، وحدها فقط (المواطنة) وquot; الأخوة في الوطن quot; وquot; الأرض quot; هي التي أثبتت جدارتها في عالم السياسة، حيث تتكسر كل روابط quot; الدم quot; وquot; الدين quot; لتفسح الطريق في عصر العولمة إلي (الأخوة في الإنسانية) .. بل أقول أنه حتي في النظم الديمقراطية المشوهة (مثل الحالة المصرية الآن) لم تعد هذه الروابط صالحة للاستخدام أو quot; مقبولة quot; سواء في الداخل أو الخارج، وإنما هي مجرد quot; أوهام quot; وquot; أضغاث أحلام quot; في عقول الإسلاميين فقط الذين عجزوا (وهم في السلطة مدة 7 شهور فقط) علي الانفتاح علي بعضهم البعض أو علي إخوانهم في الوطن، فكيف سينفتحون علي الآخر المختلف في الدين والعرق والجنس بل كيف سيندمجون في عالم يقارب تعداده 7 مليارات نسمة أصبح حجرة صغيرة؟
قبل 25 يناير 2011 وفي آخر انتخابات لمجلس الشعب 2010 في نظام الرئيس مبارك (شبه المدني أو النصف ديني)، تنافس quot; الأخوة السادات quot; في دائرة تلا بمحافظة المنوفية، وهم : زين وعفت وطلعت، أبناء عصمت السادات شقيق الرئيس quot; أنور السادات quot;، علي (مقعد واحد). ولم يتقبل وقتئذ الشعب المصري صاحب الخبرة النيابية الطويلة (الذي قدم للعالم أول برلمان في المنطقة عام 1866) التلاسن اللفظي بين الإخوة ناهيك عن فكرة التنافس نفسها التي تفسد quot; صلة الرحم quot;، رغم أن السجال بين المتنافسين السياسيين في الشرق والغرب علي السواء، أمر طبيعي.
الشئ نفسه ndash; وبالمصادفة في نفس التوقيت (2010)ndash; حدث في انجلترا صاحبة أعرق الديمقراطيات الحديثة في العالم، حيث تنافس علي زعامة حزب العمال البريطاني الأخوان: quot; ديفيد quot; وquot; إد quot; ميليباند، وتابع العالم هذه الدراما السياسية العائلية بالصوت والصورة، في محاولة للإمساك بخيط الدخان الذي يفصل بين ما هو (ذاتي) أو شخصي وما هو (موضوعي) في بنية النظام الديمقراطي الراسخ في انجلترا.
اللافت للنظر أن البريطانيين لم يتقبلوا أيضا فكرة الجمع بين (العداء) و(الحب)، الخصومة والمودة بالنسبة للإخوة بصفة خاصة، والعائلة السياسية الواحدة بوجه عام، فهو أمر لم يتقبله بعد الحس السليم ولا (المنطق) العقلي البارد.
وهو ما كشف عن أمر جديد كل الجدة بالنسبة للديمقراطية في القرن الحادي والعشرين، فقد كتبت quot; إيفا هوفمان quot;، رئيسة تحرير مجلة نيويورك تايمز سابقا، مقالا مهما بعنوان (سياسة الدم) جاء فيه : quot; كان السباق بين الأخوين ميليباند في بريطانيا بمثابة محاولة لتجريد السياسة من كل الارتباطات الخاصة أو الشخصية. فبينما جلس الأخوان معاً، وتحدي كل منهما وجهات نظر الآخر، حاول كل منهما أن يحافظ علي (وهم مزدوج) مفاده: أنهما من ناحية لا يوجد بينهما ارتباط خاص، وأن خلافاتهما الشرسة من ناحية أخري لم تؤثر علي عواطفهما الأخوية.
لكن بمجرد أن فاز الأخ الأصغر quot; إد quot; بنسبة ضئيلة، انكشف الأمر برمته في سلسلة من الأحداث غير اللائقة، وظهرت مقارنات في وسائل الإعلام بين هذه الأحداث المؤسفة وبين سرقة يعقوب لحق أخيه عيسو (في البركة من والدهما اسحق سفر التكوين إصحاح 27) كما جاء في العهد القديم، وبين العديد من الوقائع الشكسبيرية التراجيدية.
quot; هوفمان quot; أشارت إلي صعوبة الفصل بين الشخصي والسياسي في نهاية مقالها المهم، وقالت : quot; رغم أننا قد لا نريد للساسة أن تحركهم مصالحهم الذاتية، فلابد وأن نعترف بأن أهل السياسة (بشر) يتشكلون ويتأثرون بالعديد من العوامل ndash; والعواطف quot;.
أهمية مقال quot; هوفمان quot; الواقعي أنه : في عالم السياسة اليوم ndash; ومصر ليست استثناء - (لا عصمة لحاكم) ولا قداسة، ولا quot; دين quot; ولا quot; شريعة quot; ولا quot; فقه quot; أو (لاهوت)، ولأن الحاكم هو كائن بشري فهو معرض للصواب والخطأ والميل والهوي والعواطف والضعف والمرض، ولأنه بالفعل كذلك لا يمكن أن يحكم (بالدين) أو يفسره أو يطبقه أو يفرضه علي البشر الآخرين (المحكومين) في دساتير أو قوانين دينية، بل يجب أن يتنزه (الدين) عن الهوي ولا يتلوث بالسياسة وألاعيبها ومكرها، وإلا نسب المحكومون اخطاء الحاكم إلي (الدين) وكفروا به وكفروه، وعندئذ لن يشفع شيخ المشايخ ولن يجدي أي نص ديني من النصوص في إعادة الناس إلي سابق عهدهم بالدين!
[email protected]