بعد عام كامل من الفوضى الإقليمية و الفشل الذريع على مستوى العمل القومي، و التفرج العربي و الدولي على مأساة الشعب السوري الحر الذي يتعرض لحرب إبادة ممنهجة من قبل نظام سادي مجرم تجاوز كل الحدود واوغل في الجريمة مؤيدا ببعض النتوءات العربية و الإقليمية التي تماهت مع جرائم النظام بل وحاولت تغطيتها أو التقليل من آثارها المدمرة، بل وشاركت مع الجهد العسكري العدواني للنظام السوري عبر التعاون مع عصابات فيلق القدس الإرهابية للحرس الثوري الإيراني و بما جعل من مسألة العمل القومي العربي المشترك مهزلة حقيقية، لقد تميزت المرحلة التي أعقبت قمة بغداد العربية التي إنعقدت في العام الماضي بعد تعثر طويل بحالة مرعبة من الفشل في معالجة الملفات العربية الساخنة، وهو فشل منبثق من فشل الحكومة الطائفية المتأزمة في العراق التي فشلت في إدارة عملية الصراع العراقي الداخلية وحيث يعيش العراق اليوم على كف عفريت مهددا بسلامته الوطنية ووحدته و أمنه وسلامه الأهلي، فيما تشتعل الإنتفاضة الشعبية في أرجائه الساخنة لتقابلها الحكومة العاجزة و الناقصة و الفاشلة بالتخويف و التبشير بحرب اهلية طاحنة لن تبقي أو تذر مما كرس حالة الفشل السياسي الرهيب في العراق، لقد مر عام كامل من ترؤس العراق لمؤسسة القمة العربية بعد القمة المسلوقة التي عقدت في بغداد، ولم تحقق الدبلوماسية العراقية التي يقودها هوشيار زيباري أي إختراق دبلوماسي حقيقي بل ظلت ضائعة وتائهة في بحار الأزمات الداخلية التي إنعكست على المجال الدبلوماسي، فالعراق كحكومة ودولة و بقيادة أحزاب طائفية المرجعية و الولاء لا يمكن أن يكون عنصرا مناسبا للتعامل مع الأوضاع العربية الراهنة التي تشهد حراكا سياسيا و شعبيا واسعا لايحظى بقبول الجماعات الطائفية الحاكمة المعتاشة على عقلية المؤامرة، لقد كان هنالك إنفصام فظيع بين الواجبات المترتبة على عاتق العراق بإعتباره زعيم للقمة العربية، وبين ما يستطيع تقديمه من عطاء تميز بالقصور و الفشل كما اثبتت التجربة السورية المرة تلك الحقيقة، فالعداء العراقي الرسمي المرير ضد ثورة الشعب السوري قد أفرغ قمة بغداد من كل فاعليتها المفترضة،.. اليوم وبعد مرور عام كامل من الفشل القومي الكارثي جاء الدور لتصحيح المسيرة و الأوضاع، وحطت سفينة العمل القومي مرساها في العاصمة القطرية ( الدوحة ) التي تتميز دبلوماسيتها المتميزة بقوة دفع هائلة و بخزين ستراتيجي لا ينضب من العزيمة و الإرادة و القدرة على المحاورة و المناورة و البروز المتألق و بما يعطي أو يوفر ثورة تصحيحية حقيقية للدبلوماسية العربية الكسيحة العرجاء التي وقفت مشدوهة وعاجزة عن التوافق و التوائم مع الأوضاع و المتغيرات الساخنة، وصول القمة العربية لمحطة الدوحة معناه الحقيقي أنها قد وصلت بكل تأكيد لمرفأ الأمان، و لمكانها الصحيح و لقاعدتها المركزية و الأساسية المتوافقة مع التوجهات التغييرية الكبرى السائدة في العالم العربي، لقد حان وقت التحدي الحقيقي للدبلوماسية القطرية العالية الأداء و المستوى و التي يقودها بشكل هجومي و تنويري وفاعل رئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وفقا لقواعد صارمة من الإلتزام الأخلاقي و الضميري بحركة الشارع العربي وخصوصا من جهة نصرة الثورة السورية ودعمها و العمل الحثيث وبمختلف وسائل و أساليب الدبلوماسية الفاعلة لتطوير أدائها وجمع الحشد الدولي حولها و التخلص من حالة الفشل و الشلل التي طبعت المرحلة السابقة، بكل تأكيد قيادة دولة قطر للعمل القومي قد جاء في الزمن الصعب وفي الوقت المناسب أيضا، والهجوم العدواني الشرس و الحاقد الذي تتعرض له السياسة القطرية من أطراف التحالف الطائفي / الإيراني الفاشي هو عنصر قوة لا ضعف، فدبلوماسية الإقتحام و التصدي و المصارحة و المكاشفة و الهجوم على بقايا معسكر الفاشية و التخلف و الإرهاب في الشرق القديم هي من السمات الراسخة و المؤكدة لحيوية و تعبوية الدبلوماسية القطرية في زمن التغيير العربي الشامل من أجل كسب خيارات المستقبل، فالرهان على الشعوب الحرة قد أدخل السياسة القطرية في عز وكر الثعابين السامة التي تحاول حرف مسيرة التاريخ و الوقوف اليائس ضد الحتمية التاريخية التي تؤكد إنتصار الشعوب الحرة على طغاتها، قمة الدوحة العربية قد جاءت في وقتها المناسب وفي مكانها الصحيح لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهي إذ تحط رحالها في بلد ماعرف سوى النجاح كهوية تعريفية ثابتة، فإن النجاح سيكون هو سمة المرحلة القادمة، في دوحة العرب سيكون بلسم العرب....

[email protected]