بعد ساعات من إقرار الأمم المتحدة لوثيقة تناهض كل أشكال العنف ضد المرأة، شاهدنا بأعيننا حادث عنف مخزٍ إرتكب في مصر بحق النساء، جاء ذلك مساء 16 مارس الجاري، عندما فوجئنا بأحداث عنف تعرضها مقاطع الفيديو، حيث ظهر شخص مجهول ليزيل ما قام به الناشط أحمد أبو دومة من رسم جرافيتي علي أرضية الشارع بالقرب من مقر مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين بالمقطم، ثم ظهر شابان وبدآ في السب بألفاظ خارجة ليتبعهم أشخاص يحملون السلاح الأبيض والكراسي، وتجمعوا على quot;أبو دومةquot; الذي كانت ترافقه الناشطة ميرفت موسى، وتشاركه أعمال الجرافيتي، وعندما وجدت موسى أن زميلها يكاد يلفظ أنفاسه بين أيديهم تحركت صوبهم دفاعا عنه لتخلصه منهم، فما كان من أحدهم إلا أن قام بصفعها صفعة شديدة جمدت الدماء في عروقنا، ونحن نشاهدها على الشاشة، وناهيك عن العبارات الخادشة بشكل سافر والحركات التي يعاقب عليها القانون بمايعتبر خدشاً للحياء العام.
هل جاء هذا الفعل البربري احتفالا بالوثيقة التي أقرتها الأمم المتحدة لإزالة أشكال العنف ضد المرأة هذه الوثيقة التي وقعت عليها مصر بعدما كادت برفضها لها أن تجهضها، أم هل جاء هذا التصرف الهمجي كرسالة يتم توجيهها للرجل المصري الذي وقف يساند المرأة في مشوارها لنيل حقوقها؟ فعندما يتم صفع النساء بهذه القسوة في حضور الرجال، ويسحل الرجال بهذا الشكل، وتوجه لهم معا كل أنواع وأشكال السباب الذي يقع تحت طائلة القانون، ففي هذه الحالة يتم كسر الرجل حيث لم يتمكن من حماية امرأة في كنفه، ويتم في نفس الوقت كسر إرادة المرأة التي تجرأت وخرجت لتشارك، إنه كسر للوطن وإرادته
وهو الترجمة الحرفية لحقوق النساء حاليا في مصر بل وحقوق الرجال أيضا، حتى يخرس الجميع وهو تصرف لا يعرف صاحبه أي دين ولا تقاليد ولا أصول، فلو كانوا يعرفون الدين حقا لكان لهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وهو رغم قدره ومكانته الشريفة كانت أم جميلة زوجة أبي لهب تؤذيه دائما، ولم يتعرض لها أبدا لا بالقول ولا بالفعل
وإذا لم يكن لهم في الحبيب أسوة، فأي القيادات يتبعون؟ إنهم حتى لم يصلوا لأخلاق أبي جهل، الذي شعر بالعار عندما لطم السيدة أسماء، حتى أنه قال للكفار quot;اكتموها علىّ لئلا يقال أن العرب يضربون نساءهمquot;، فأي منهج يتبعون؟ وأي طريق يأخذون مصر إليه؟.
و من عجائب القدر أن يكون شهر مارس وهو الذي عرفناه شهر المرأة، حيث اليوم العالمي للاحتفاء بها، يصبح هذا الشهر بعد الثورة التي نادت بالحرية والكرامة هو شهر إهانتها.
ففي مارس 2011 وبالتحديد في اليوم الثامن منه، كانت بعض الناشطات قد قمن بدعوة لعمل مظاهرة مليونية للمطالبة بمساواة كل المواطنين المصريين، تحقيقا لأهداف الثورة بصرف النظر عن الجنس، أو الدين، أو الطبقة الاجتماعية، ولأن المجتمع المدني ينقصه التنظيم والتواصل الجيد، فلم يحضر وقتها سوى 1000 متظاهر ومتظاهرة، وتحولت المظاهرة السلمية المطالبة بحقوق الكافة إلى هتافات معادية للمرأة والمساواة بل وتعرض الجميع للتحرش اللفظي المشين، وقيل للمتظاهرات يومها quot;قرن في بيوتكنquot;، ومن قالها لا يعرف شيئا عن الدين، فهذه الجملة جاءت في القرآن العظيم موجهة لزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم دون غيرهن.
بل ومن قالها أيضا هو من كان يذهب للنساء في بيوتهن، يحضهن على الخروج للاشتراك في مظاهرات الثورة، وهو أيضا من نراه بعد ذلك يذهب لهن لتشجيعهن على الخروج من بيوتهن غائبات عن أسرهن بالساعات يقفن في الطوابير ليعطونه أصواتهن التي يعتبرها عورة! يا لها من تشابكات عجيبة سيسجلها التاريخ بأحرف الخزي والعار، وسيلعننا أحفادنا وهم يستذكرونها في دروسهم، خاصة عندما يقارنون ما يحدث بما قامت به درية شفيق عام 1951 عندما قادت مظاهرة قوامها 1500 فردا واقتحمت بهم مبنى البرلمان وطالبت داخل قاعته المهيبة بحقوق المرأة المصرية، فكان لها ما أرادت. ولم تكن 2012 أفضل حالا من سابقتها، حيث أصبح نجم تيار الإسلام السياسي أكثر بزوغا، وهو ما وجدناه يرتبط عكسيا مع وضع المرأة والأقليات والفئات المهمشة في المجتمع.
فبدأ العنف ضد المرأة يتطور وينضج أكثر، متخذاً اتجاها أكثر شراسة وإيلاما، لنجدها في مظاهرتها في الثامن من مارس 2012 لا تتعرض للعنف اللفظي فقط، بل ويتعداه للتحرش الجنسي والضرب والإهانة البدنية، وكان من المفترض أن تبدو الأمور أفضل مع انتهاء مرحلة انتقالية ووجود دستور ورئيس، لكننا سنجد أن العنف يزداد ليصل ذروته في حالات اغتصاب مخططة للمتظاهرات اللاتي يجرؤن على الخروج والمشاركة في محاولة منهن لإنقاذ وطن بدا وكأنه يستنجد، ويبدأ العنف ضد المجتمع متمثلا في أضعف حلقاته وهي المرأة بتكميم فم الناشطة المعروفة شاهنده مقلد كشكل رمزي لتكميم الأفواه.
وهي الرسالة التي رفضتها المصرية وأصرت علي مواصلة الكفاح، ومن تحرش لضرب لإهانة لمحاولات مستميتة بهدف كسر إرادة المرأة ورجولة الرجل الذي تعتبره حاميا لها،لتهميش كامل لحقوقها عبر أوراق دستور ولد مشوها مكللا بالاحتجاجات، مطرزا بالدماء التي صارت أكثر غزارة من حبر أوراقه، وبين محاولات إبقاء حفيدة حتشبسوت بعيدة عن المشاركة، في محاولة قهرها بأن تعود للبيت، والبيت فقط، وحتى في البيت لن يضمنوا لها قوانين تحميها كزوجة وأخت، عليها فقط أن تعود ولا تخرج إلا لقبرها محاولات مستمرة استهدفت كرامة المرأة المصرية وأمنها النفسي عن طريق التلويح بإلغاء آدميتها فهي مجرد تابعة ذليلة للرجل، سواء كان زوجها، أو شقيقها أو حتى ابنها.
والمصيبة الأكبر أن تساهم نساء يظهرن الآن على سطح صورة مهتزة في المجتمع تتحكم في المشهد السياسي ليصبحن أكثر قسوة وأكثر بطشا لحقوق النساء، فمن تقف ضد سن قانون لتجريم التحرش ضد المرأة وتلقي بالتبعة كاملة على الضحية حيث المرأة في نظرها هي المسئولة عن التحرش بها لأنها لا تحتشم في زيها، متناسية أو جاهلة الإحصائيات الصادمة التي خرجت علينا تؤكد أن 75% ممن يتعرضن للتحرش هن من المحجبات وحتى المنتقبات، ومن تنادي بإلغاء الخلع الذي شرعه الله للمرأة من فوق سبع سموات،وبين من تعترف بمرض نفسي تعانيه عندما تؤكد أنها على استعداد أن تخطب لزوجها إن كان هذا سيسعده وتشجع النساء أن يفعلن نفس الشيء.
وسط هذا المناخ الضبابي الظلامي تستمر المرأة المصرية تجاهد ألا تسقط في فخ الضياع، وتحاول مثابرة أن تحافظ على تاريخ جداتها اللاتي سطرن صفحات مضيئة في طريق العمل النسوي حفاظا على حقوق نصف المجتمع لضمان وطن صحي، تسير علي حد خنجر الظروف التي أحاطت بها منذ الثورة، وتعرف أنها تعبر هوة عميقة تتأجج فيها نيران التطرف، والتشدد الغير مبرر الذي يتخذ من الدين وسيلة لقهرها، والدين منه براء، وتحاول جاهدة ألا تفقد ساقيها فوق نصل شديد الحدة، وألا تقع في آتون النيران، وسط هذا المشهد العبثي تسير المرأة المصرية الآن تحيط بها العتمة في ظل أناس يكرهون النور، فمن تعود على الظلام تؤذي عينيه الشموع