بعد مقال الملك الاردني عبد الله الثاني المثير للجدل حيث وصف الرئيس المصري محمد مرسي بالسطحي جاء الرد غير المباشر من خلال نائب رئيس حزب الحرية و العدالة و الذي حمل معنى ضمني مفاداه ان الاردن و اسرائيل وجهان لعملة واحدة في اليد الامريكية التى ورثتهما من بريطانيا و تلقت كل منهما دعما ماليا وسياسيا وامنيا واستخباريا كبيرا حسب ما كتب على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي.
واستنكر ذلك من الجانب الاردني رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري في رد يتيم عاطفي مغالط للتاريخ، حسب رؤية البعض، اكثر منه وثائقيا، معلنا استهجانه الشديد لما صدر عن نائب رئيس حزب الحرية والعدالة المصري عصام العريان.
و يعتقد البعض ان رئيس مجلس الاعيان كتبه على مضض او طلب منه ذلك، و ان كنت لا اوافق هذا الرأي. وقالquot; المصريquot; الذي يراس مجلس مستشاري الملك المٌسمى بمجلس الاعيان في تصريح صحفي quot;ان الدولة الأردنية دولة عربية متجذرة نشأت بسواعد أبنائها وبقيادة هاشمية كريمة وهي ثمرة طيبة للثورة العربية الكبرى، خلافاً للأطماع الاستعمارية والمشروع التوسعي الصهيوني، ولم تنشأ برعاية أميركية وبريطانية كما يدعي العريانquot;وان الزج باسم الأردن إلى جانب إسرائيل في ادعاء العريان عن هكذا رعاية هو أمر مستغرب جداً ويفتقر إلى المنطق والأمانة وخاصة انه يصدر عن عربي مسلم يشغل موقعاً قيادياً في جماعة الاخوان المسلمين بمصر الشقيقة، وموقعاً رسميا كذلك، ولهذا فإن من الصعب استيعاب أو قبول واستساغة هكذا ربط بين الأردن العربي المخلص لقضايا الأمة والمضحي من أجلها عبر التاريخ، وبين إسرائيل المحتلة للقدس ولأرض العرب في فلسطين وسواها. اذن هذا رد quot;المصري quot; فكيف لو اتي الحديث من غير عربي مسلم، فهل هو مقبول؟ و لماذا لم يأت اي رد على مئات الكتب و المراجع و الوثائق البريطانية و الفرنسية و الاسرائيلية؟
و اقصد هنا ان هنالك من يرى الرد ضعيف وركيك و لا يستند الى اي وثائق او حقائق من قبل شخص حمل حقائب وزارة الخارجية الاردنية الاسبق و رئيس مجلس النواب و رئيس مجلس الاعيان ذو الاصول المصرية و الجذور الفلسطينية حامل الجنسية الاردنية، خصوصا و ان الدكتور عصام العريان لا يتحدث عن ابنية و طرق و انشاءات و مطاعم تمت بسواعد ابناء الاردن و الهاشميين، بل يتحدث عن دول اقامتها بريطانيا العظمي لخدمة مصالحها، يتحدث عن سياسات و رؤى و استراتيحيات و مؤسسات امنية و غيرها، و عن دولة حسب الوثائق اصبحت الركيزة الاساسية للولايات المتحدة الامريكية و الحليف الاقوي في منظقة الشرق الاوسط حسب تصريحات رؤساء الولايات المتحدة الامريكية في مختلف العصور الرئاسية quot;الديمقراطية و الجمهورية quot;.
واود الاشارة الى هنالك العديد من الوثائق و الكتب و المراجع لدى الحكومة البريطانية و منشورات عالمية توثق لما قاله الدكتور عصام العريان ويمكن شراؤها من المكتبات في الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا، و منها على سبيل الذكر ما ورد ان بريطانيا العظمي كانت تراقب عن كثب ما يحدث من قبل الدولة العثمانية خصوصا في جنوب سوريا و على قناة السويس، و كانت متحالفة مع فرنسا في مواجهة المانيا لحماية طرق تجارتها التى تمر في الشرق الاوسط و عبر ما احتلته الدولة العثمانية، علما بان بريطانيا كانت تفضل دولة عثمانية منهارة و ضعيفة اكثر من مستعمرات فرنسية قوية، و كانت تسعى لاقامة كيانات من مجموعات عربية تعيش في المنطقة تحمي مصالحها و منها الاردن و تجميع اليهود في دولة يطلق عليها اسم اسرائيل.
انيينالشريف حسين و الانقلاب على العثم
و كان الشريف حسين رحمة الله عليه، امير مكة، التى يبلغ تعدادها في ذلك الزمن سبعين الفا، متحالف مع و الاقرب الى حزب الترقي و العدالة العثماني، و في عام 1909 قبل ان ينقلب و يتحول الى بريطانيا بناءا على استمالة لورنس له،قال للسلطان التركي، quot; في حال اي امر منكم يا ايها السلطان فأن الحجاز اول من يلبي مطالبكم و يخدم توجهاتكم quot;. ثم انقلب من الداخل على الدولة التى امنت له الولاية.
و تذكر الوثائق ايضا ان الشريف حسين ارسل ابنه الامير عبد الله رحمة الله عليه الى القاهرة في طريقه لحضور اجتماع برلماني في القسطنطينية حيث قابل اللورد البريطاني quot;كيتشنر quot; لتبدء عملية التعاون مع الانجليز و خيانه العهد مع الدولة العثمانية.
و رغم ان هنالك لقاءات مع الانجليز في الاعوام 1912 -1913 الا ان الاكثر تاريخا و توثيقا هو العام 1914 و شهر فبراير منه تحديدا حيث العديد من اللقاءات هدفها اقناع الانجليز في خطة الانقلاب على الدولة العثمانية مقابل وعد باقامة مملكة تحمل اسم quot;الاردن quot; و هو ما سخر منه اللورد كيتشنر في ذلك الوقت الذي اعجب بقرض الامير عبد الله للشعر و المعلقات اكثر من فكرته باقامة دولة اردنية.
كانت مطالب الامير عبد الله من الانجليز اسلحة و مال و امارة مقابل نسف خط الحديد الحجازي و قتل الاتراك و ذبحهم و اعتقال جزء للمساومة بعد ان رفضت الدولة العثمانية منحه حق الولاية الكاملة للحجاز و اولاده من بعده.
تشرشل و فكرة اقامة امارة شرق الاردن
عام 1920 وبعد مؤتمر سان ريمو (1920 ) و مؤتمر فرنسا للسلام (1919)، و في خطاب القاه رئيس الوزراء البريطاني quot;تشرشل quot; في القاهرة اعلن فكرة اقامة امارة شرق الاردن على حدود سوريا الجنوبية ( لم يكن هنالك شيء اسمه الاردن، كان فقط نهر و منطقة يطلق عليها عبر النهر او عبر الاردن )، و التى اصبحت تحت الانتداب البريطاني في عام 1912.
كان الداعم لتلك الفكرة رجل استخبارات بريطاني يعمل في القاهرة اسمه quot;ستورز quot; و هو الذي اجتمع مع الامير عبد الله و قدمه فيما بعد الى ماكمهاون الذي تولى مكان و منصب اللورد كيتشنر في القاهرة و نشرت فيما بعد quot;مراسلات مكماهون quot;.
بروتوكول دمشق و خارطة الشام بدون الاردن
الاسرائيليون يتهمون تشرتشل بأنه اقتطع جزء من فلسطين بدون وجه حق و التى اصبحت فيما بعد المملكة الاردنية الهاشمية مدعين انها quot;الدولة الفلسطينيةquot; ولا يجوز اقامة الدولة مرتين في التاريخ.
بالاضافة الى ما سبق فأن خارطة المنطقة في بروتوكول دمشق لا يوجد بها اي ذكر او حدود لدولة اسمها الاردن و التى تم الاعتراف بها او استقلالها في عام 1951.
هذه بدايات اوردها لعل هنالك من يرغب في اعادة كتاب التاريخ الحقيقي للمنطقة، و للحديث مراجع لمن يرغب.
و كنت اتمنى ان اجد ردا واحدا اومؤلفا موثقا عربي او اردني يدحض قيام الاردن بناءا على خطة بريطانية استعمارية اساسها وعد يانقلاب على الدولة العثمانية مقابل مملكة، او يشير الى غير ذلك.
و مع كل ما سبق فأن النكتة ان الساسة العرب يهتمون بالرد على بعضهم البعض و يتركون وثائق بريطانية و اسرائيلية و امريكية و فرنسية دون رد او توضيح، و الاسوء انه لا يوجد مؤرخين او موثقين للاحداث او خرائط مساحية موثقة عالميا لدى العرب، و للتأكيد على ذلك فأن خلال المفاوضات الاسرائيلية الاردنية من اجل السلام تم الاتصال بهولندا للحصول على حدود الاردن، نعم حدث هذا و سافر من المانيا مسؤول مياه انضم بعدها للمفاوضات و اصبح وزيرا لاحضار خرائط حدودية، و لم يكن الوضع افضل من ذلك في مفاوضات طابا.
الجزء الثاني من الوثائق و المؤلفات الخاصة بوعد بلفور (المنشورة عام 2010 ) يشير الى اجتماعات تمت في مدينة جدة، بين كل من سايكس و بيكو و الشريف حسين و التى بناءا عليها تم التقسيم.
و للحديث بقية في زمن لم يعد السكوت له معنى، و لم يعد الكذب و تزوير الحقائق ينطلي على الشعوب، في زمن انفتح العالم في عولمة تتجاوز تصريح quot; العريان و رد المصريquot; عليه، زمن يحتاج الى رجال و تأريخ واستعادة حقوق ضاعت بسبب اغلاق الافواه و تزوير الحقائق و توزير المنافقين.
هذا لا ينفي ان الاردن بناه ابنائه الوطنيين الغيورين من عرقهم و جهدهم و صحتهم وسواعدهم التى لا تكل و لا تمل، البناء شيء و السياسة شيء اخر، و لكن يبدو للمنصب ثمن ابسطه شطب الحقائق.
هل نفتح حوارا صادقا للتاريخ العربي ام ننتظر الربيع العربي لاعادة كتابة التأريخ، خصوصا و ان رئيس وزراء الاردن الاسبق عبد الرؤوف الروابده تحدث في حلسة سرية سجلها له احد اعضاء مجلس النواب و قال فيها quot; لايوجد بلد عربي بعيد عن الربيع العربي quot;.!! الايام حبلى بالمفاجأت.