معظم العلاقات الإجتماعية محكومة بصراعات خفية ومعلنة، وإسقاط لاشعوري للأمراض النفسية، وبحسب تعبير المحلل النفسي بيير داكو : (( فلا يتصرف الإنسان حسب وضوحه، بل حسب مرضه )) ومعنى هذا الكلام ان البشر جميعا بما انهم كائنات تعيش في التاريخ وداخل معترك الحياة.. فإن كل واحد منهم يحمل قدرا من المتاعب و الأمراض النفسية تختلف نسبتها من شخص لآخر، وهذه حالة طبيعية بحكم الإستهلاك اليومي لأنفسنا وتعرضنا للإرهاق والمتاعب، زائدا عامل الوراثة.
الفلسفة الروحانية تقدم مقترحات رائعة تسمو بالعلاقات بين البشر الى مستوى النبل والصفاء والرعاية المتبادلة، الروحاني الألماني Eckart Tolle لخص بعض هذه المقترحات وأكد على إستعمالها عند لقاء الآخرين وهي :
- الحضور والسكينة في نفسك تشع وتنتقل الى الآخرين، ويقصد بالحضور إفراغ العقل من الأفكار المتعلقة بالماضي والمستقبل، والتركيز على لحظة الحاضر والتواصل مع الوعي الكوني الله وما يصنعه من هالة حولك وطاقة إيجابية تنبعث منك.
- قابل الناس من دون العنونة والمسميات.. أي من دون تصنيفهم طبقيا ودينيا وقوميا، وكذلك من دون تصنيف نفسك، ودع اللقاء يكون بين إنسان وإنسان.
- المهم الإستماع والإصغاء للأخرين دون الإنشغال في تحضير الإجابة بعد كلامهم، ويقصد هنا الإنفتاح الروحي وإستيعاب الآخرين من دون محاولات التربص بهم وإفتراسهم بالأسئلة والإجابات والكلام والسقوط في منحدر مرض حب الظهور من أجل السيطرة عليهم، والتحفز للرد والإجابة عن كل كلمة ينطقها الآخر يحول اللقاء الى معركة ديوك وثرثرة تصدع الرأس. وأشدد هنا على ضرورة الإنتباه الى الأثر السيء لعادة الإنهماك في تحضير الإجابة وعدم التركيز على المتحدث.
في مجتمعاتنا - غالبا - ماتكون عملية التواصل بين الناس أشبه بصراع الغابات في العصور البدائية وإن إختفى عنها أدوات الحرب السيف والرمح، لكن ظلت نوازع قهر الآخر ومحاولة إلغائه وسحقه فكريا ونفسيا بهدف السيطرة عليه وإشباع نزعة الإفتراس وإقامة الأفراح على جثث الضحايا !
إن أهم المشاكل التي تواجه العلاقات بين البشر هي : إغراءات حب الظهور وإبراز الذات ومحاولة التفوق على الآخر، وعملية الإسقاط اللاشعوري للعقد النفسية عليه، وعدم إحترام حق الإختلاف، وغياب الثقافة والإيمان بوجود حقيقية علمية هي الفروق الفردية بين الناس التي تعطي لجميع البشر حقهم في التميز والإختلاف وممارسة كل واحد منهم حريته في التعبير عن ذاته وتفرده.
التعليقات