بالبداية لابد أن نبين ان النظام الفيدرالي عبارة بالأساس عن تنظيم مؤسساتي للإدارة اللامركزية، وهذا المنظور يشكل القاعدة الأساسية للأنظمة القائمة على الفيدراليات المبنية على الأقاليم أو المقاطعات أو الولايات أو المحافظات في المجتمعات المحسوبة ضمن المنظومة الديمقراطية، ويتميز النظام بالمرونة ومميزات عديدة تساعد على إرساء حكومات محلية تتسم بالشفافية والعدالة والتنمية لتحقيق مطالب المجموعات السكانية الممثلة لها حسب مناطقها ووحداتها الادارية.
ولاشك بعد سقوط صنم الاستبداد عام الفين وثلاثة في العراق تم اعتماد دستور ديمقراطي تعددي برلماني فيدرالي للبلاد وبعملية استفتائية شارك فيها أغلبية العراقيين، وتم ارساء نظام سياسي على اساس الفيدرالية والأقاليم والمحافظات حسب خيارات مواطنيها، ومع ترسيخ النظام الديمقراطي على اساس الانتخابات تم اختيار مجالس حكومية محلية للمحافظات العراقية، واعتبرت المحافظات بمستوى الأقاليم وفق منظور الدستور الدائم ومنحت لها صلاحيات واسعة في تصريف شؤونها العامة وفق السلطات المخولة لها في الدستور، ومن يتعمق في البنية الإدارية لهذه الصلاحيات فإنها تعتبر بحق حكم ذاتي مشرع به دستوريا وفق آلية معينة محددة لهيكلته وبينته مع إدارة أموره بنفسه حسب خيارات المجموعة السكانية.
ونموذج الاقليم الكردي يعتبر مثالا واقعيا وميدانيا لنجاح التجربة الفيدرالية الكردستانية على مستوى العراق ودول المنطقة، وقد حقق هذا النموذج نجاحا باهرا في تحقيق طفرة نوعية في كافة المجالات العمرانية والانشائية والاقتصادية والتجارية والمعيشية والحياتية بالرغم من الفساد الذي يعم الحكومة واحزاب السلطة في اربيل توازيا مع غول الفساد الذي يعم الحكومة المركزية والسلطة الاتحاية برئاسة نوري المالكي، والنموذج الكردي يعتبر الوجه المشرق الوحيد للعراق العليل المصاب الذي يعيش ظلاما دامسا من جراء الحكم الطائفي المقيت المفروض على البلاد.
وضمن المفهوم السائد للنظام الفيدرالي فإن الميزات التي يتميز بها مهمة وتحتل الأولوية ضمن اهتمامات الدولة الحديثة، وهذه الميزات تنحصر بما يلي: دعم ارساء الديمقراطية وضمان حقوق المواطن وحقوق سكان الوحدات الإدارية وتحقيق المساهمة الفاعلة في الإدارة وإيصال مطالبهم وحاجاتهم الى مجالس الحكومات المحلية المنتخبة لتحويلها الى سياسات وإجراءات عملية بموجب برنامج وخطة عمل معينة بغية تنفيذها، وتحقيق التوازن والتوافق بين المصلحة العامة ومصلحة المجموعات السكانية لتقديم أفضل الخدمات لهم، ومراعاة التوازن بين مصلحة الإقليم ومصلحة الوحدات الإدارية الصغيرة التابعة له من خلال تنظيم العلاقات بين المستويات الإدارية المختلفة وتقسيم الحقوق والواجبات فيما بينها وتوفير الصلاحيات اللازمة وتحديد نمط العلاقة بين الأطراف المعنية ضمن إطار عام من التنسيق والتكامل والتعاون بين المستويات المختلفة، وتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد البشرية والطبيعية والمالية لصالح تحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة، والعمل على تلبية حاجات سكان الاقليم في كل وحدة أدارية مع خلق تنمية حقيقية تعمل على زيادة الدخل مع تحقيق مستوى معاشي وحياتي مناسب على اساس ضمان العدالة الاجتماعية لكل السكان وتوازيا مع المستوى العام في البلد.
إضافة إلى هذه الميزات فان نظام الاقاليم يتصف بزيادة القدرة والسرعة والمرونة في اتخاذ القرارات ومتابعة نتائجها لتنمية الوحدات الإدارية، وإزالة بؤر النزاعات والتوتر بين المجموعات المتنوعة لأسباب قد تتعلق بالملكية أو أسباب اجتماعية أو مذهبية أو سياسية، وحل المشاكل والمعضلات والأزمات الداخلية التي تواجه الاقليم أو المجموعة السكانية نتيجة أسباب معينة من خلال إشراك المواطنين بادارة الاقليم واخذ آرائهم كحلول ضامنة لإزالة المشاكل من خلال المعايشة الميدانية للواقع دون تعقيد ودون تأزيم المشكلة، وتلبية حاجات السكان أو الوحدات الإدارية وفق أفضليات واولويات واهتمامات تتطلب توفيرها وتقديمها للمواطنين اعتمادا على إدارة منتخبة ومتمتعة بالصلاحيات والسلطات اللازمة.
ويتصف نظام الاقاليم الفيدرالي ايضا باستمرارية وديمومة التنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي ضمن موجبات استراتيجية مدروسة قائمة، ويتميز بتنشيط المجموعات السكانية والوحدات الإدارية المهمشة التي تعاني من نقص التطور والتنمية في إطار البلد الواحد، ويتصف بزيادة مشاركة المجموعات السكانية في وضع السياسات العامة واتخاذ القرارات وإبداء الرأي والمشاركة في الأنشطة الخاصة بتحديد الأهداف النابعة من ضرورات الحاجة للاقليم، وتأمين التوافق والانسجام مع السياسات العامة للدولة.
والاحداث السياسية التي يمر بها العراق بالمناطق السنية في الانبار وديالى وصلاح الدين والموصل قد شجعت مواطني هذه المحافظات المحتجة ضد المالكي وحكومته بالتفكير الى اللجوء الى تبني خيار نظام الاقاليم لضمان حقوقهم العامة مع التشديد على قبول هذا النظام على اساس الفيدرالية لتشكيل أقاليم عديدة شبيهة بإقليم كردستان.
وكما قلنا في السابق وبغض النظر عن نظام الاقاليم على الساحة العراقية فان فكرة التقسيم كانت ومازالت تطرح على بساط البحث بأوراق عراقية وإقليمية ودولية، ولهذا بين الحين والاخر تطفو الى السطح فكرة تقسيم البلاد من سنوات وعقود طويلة.
واليوم، وبعد تعثر العملية السياسية في العراق وظهور بوادر حرب أهلية وطائفية، فان الضرورة الوطنية تلزم الجيمع بتطبيق فكرة أقلمة العراق وتقسيمه الى فيدراليات واقاليم حسب خيارات شعوبها ومواطنيها لضمان وحدة البلاد بعيدا عن اي صراع قومي او طائفي، وفكرة الأقلمة او الفيدرالية او الاتحادية منصوص عليها في الدستور الدائم في المادة الاولى التي تنص على quot; جمهورية العراق دولةٌ اتحاديةٌ واحدةٌ مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌquot;، واستنادا للنظام الاتحادي الفيدرالي الوارد في الدستور الدائم بهياكله التنظيمية والمؤسساتية لإدارة الدولة العراقية فان رغبة العراقيين بدأت تزداد بدرجات كبيرة لتطبيق النظام الفيدرالي للأقاليم وفق النهج الديمقراطي المثبت لنقل السلطة مدنيا وانتخابيا في العراق عن طريق صناديق الاقتراعات.
ولهذا تبرز أهمية فكرة أقلمة العراق وتقسيمه الى أقاليم لضمان تحقيق المصالح العليا للعراقيين وهو الضامن الرئيسي لتحقيق السلام والامان والاعمار والتنمية والتطور لمجتمعات الحكومات المحلية وفق رغباتها ومطالبها ومصالحها وعلى أساس تحقيق العدالة الاجتماعية لجميع المكونات المتنوعة بعيدا عن المحاصصة والطائفية والتركيبة الهشة للعملية السياسية التي يمر بها العراق.
لذا نجد من باب الحكمة والتعقل والمنطق دفع العراقيين الى اختيار خيار أقلمة العراق بجدية وبقناعة تامة لانقاذ البلاد من حرب شرسة تنتظره لتأكل الأخضر واليابس، وحسم قرار تحويل الانبار الى اقليم وتحويل المحافظات المحتجة صلاح الدين وديالى والموصل الى أقاليم يعتبران مسألة مصيرية لاتخاذ القرار الحاسم بهذا الشأن، وهذا الخيار سيحافظ على الدولة العراقية الاتحادية بطريقة حكيمة، ويشكل أسساسا حديثة لبناء البلاد لضمان وحدته وسيادته، ولا شك فان هذا الخيار الوطني سيلبي الحاجات الوطنية الحاضرة والمستقبلية لكل المكونات العراقية في كافة المجالات السياسية والقومية والاقتصادية والاجتماعية والعمرانية.
ولا شك بارساء هذا النظام الحديث لادارة الدولة المدنية في العراق سيشكل الانطلاقة الاساسية لإرساء نهجا جديدا في البناء والتنمية على مستوى الأقاليم والمجموعات السكانية للمحافظات، وهذا سيشكل الفرصة الذهبية أمام العراقيين لتجاوز الأزمات المتلاحقة والمتخانقة التي يعاني منها جميع المواطنين لضمان الوحدة ومنع التقسيم الطائفي للنهوض بالبلد العليل ورسم حاضر مشرق ومستقبل زاهر للاجيال العراقية اللاحقة.
كاتب صحفي-كردستان العراق