بدأت الرياح تعصف باتجاه دولة اعتبرت نفسها سيدة الشرق الاوسط، صاحبة القرار الأول والأخير في تقرير مصير المنطقة، والمشروع والحلم القديم الجديد للسيطرةعليها وإعادة زمن جحافل العثمانيين، ذلك الزمان الذي ولى ولكن بعدما ترك الشعوب والبلاد في تخلف وتعفن ودمار، تلك الدولة العثمانية التي عزلت العرب وغيرهم من الشعوب ومنعتهم من التواصل مع باقي شعوب العالم، تركتهم يعيشون في ذكريات أليمة وماضي أصبح جزءً من الحاضر.. تلك الدولة التركية التي بنيت على جثث ودماء وأراضي شعوب عانت من اضطهاد وظلم السلاطين، بدت اليوم في حيرة من أمرها، وفي معركة داخلية، ليس مع الكورد ولا مع الأرمن ولا العرب، هذه المرة مع شعبها، مع الأتراك في عملية لاسترجاع تاريخها المعروف والمشهود. لم أستغرب اليوم عند سماعي خطابه على خلفيه ما يحصل في تركيا، ولم أستغرب عندما وصف المتظاهرين ببعض الزعران، ورداً على ما كان يردده المنتفضين بأن أردوغان ديكتاتور، أفاد السلطان: لا أعرف ما أقول لمن يتهم من يخدم البلاد ويسميه بالديكتاتور، وبدأ يتكلم عن مبدأ ونظرية المؤامرة وأن هناك من يحاول زعزعة الأمن في تركيا..quot; شر البلية ما يضحك quot;.. الجواب يدل على ذكاء هذه الشخصية النرجسية الفذة المصابة بجنون العظمة والتعليق لك عزيزي القارىء.. ألم يكن أردوغان من وقف إلى جانب الشعب السوري والشعوب العربية الأخرى؟ ألم يكن هو من أتهم quot; بشار الأسد quot; بالديكتاتور، ودعا الشعب السوري بالانتفاضة اثناء خطاباته الرنانة، وأكد أن تركيا ستقف مع الشعوب المضطهدة وستدعمهم، وفي عدة مناسبات وتصريحات أفاد بأن صوت الشعب ومطالبه فوق كل حاكم وكل سلطة؟ وأن لجميع الشعوب حق تقرير المصير، وأن المظاهرات السلمية حق مشروع للشعوب للتعبير عن رأيها.. وأن الحاكم الذي يواجه شعبه بالعنف فهو حاكم ظالم!!.. ما الذي حصل اليوم، وما الذي تغير في خطاب أردوغان السلطان؟ لا شيء.. أردوغان هو هو، لم يتغير، ولكن كل ما تغير أن السحر انقلب على الساحر، وانكشفت الأكاذيب والأوراق والمسرحيات الرخيصة التي لعبها السلطان وحاول الإختباء خلفها، وأصبحت الصورة واضحة لمن لم يكن يعرف الحقيقة التركية العثمانية، و تاريخها وعشقها للحكم والسلطة، وعدم اهتمامها للوسائل والطرق، المهم الوصول إلى الغاية، وإن كان ذلك على حساب دماء الأبرياء وجثث الملايين من المدنيين. إن التراكمات التي حصلت عبر الحكومات المتعاقبة في تركيا، ولدت إحتقاناً عند الشعب التركي والشعوب الإثنية التي تسكن في أراضيها التاريخية في ما سميت تركيا في ما بعد، عبرالتهجير والتتريك وتضييق الحريات عليها، وبالأخص عمليات القتل والاعتقال التي تمت ضد المثقفين والكتاب والصحفيين والفنانين من جميع الأطياف حتى الأتراك منهم ممن قال كلمة الحق لم يُرحم، والذين كانوا بالآلاف، أعتقلوا فقط، لمجرد إبداء آراءهم في موضوع ما.. هناك اخطاء كثيرة وكبيرة قامت بها الحكومات التركية المتتالية بالتعامل مع كل ما جرى من أحداث في تركيا عبر تاريخها القصير، بتزوير الحقائق إلى ما هنالك من تلفيق جرائم قامت بها تركيا ونسبتها إلى غيرها من الدول والشعوب، إلى يومنا هذا مع الاحداث الجارية في المنطقة، استخدمت الشعوب وقوداً لأجندتها ومازالت. إن استمرارية هذه المظاهرات سببت القلق للنظام التركي، وزعزعة للأمن وغياب لهيبة السلطان، فكان واضحاً من ملامح أردوغان أثناء خطابه اليوم، مدى الخوف الذي دخل قلبه والقلق الذي ربط لسانه، فإن استمرارية هذه المظاهرات ستفرض احتمالية وقوع الأطراف الثلاثة quot; العلمانيين، القوميين، والإسلاميين quot; في نزاع من الممكن أن يضع أول مسمار في نعش أردوغان وتكون منطقة quot; تقسيم quot; أول خطوة في تقسيم ما سميت بتركيا.. ومنها تبدأ عملية الاستفاقة عند الشعب التركي، وكشف الحقائق في تاريخ هذه الدولة. هل المعارضة التركية تحاول استغلال هذه المظاهرات للإطاحة باردوغان، وهل ستنجح؟.. أم ستنتهي الاحتجاجات ويبقى السلطان مسيطراً على تركيا؟.. أم أن الشعب سوف ينهي حقبة السلاطين وتبدأ حقبة جديدة يعترف فيه الشعب بتاريخ أجداده المخجل ويتصالح مع ذاته. ألم يحن الوقت ليفتح الناس أعينهم على الحقائق؟ منذ صنع أو ظهورالسلطان أردوغان على الساحة السياسية، وهو يوعظ ويعطي دورات ودروس عن الديمقراطية والدولة المدنية والمواطنة وحقوق الإنسان.. سأقول للسيد أردوغان.. إن زمان السلطان ولى، اليوم السلطان، هو الشعب. إن واحد من أهم الأهداف الأساسية لتعليم المواطنة، هو تعزيز ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، والإعتراف بالأخطاء والمصالحة الذاتية، هذه الثقافة التي تمكن الأفراد من تنفيذ مشروع مشترك يحفظ كل الحقوق المدنية للمواطنين. إن المشروع السلطوي القائم على الدموية يحطم ويدمر المجتمع والدولة ومن ثم الشعب، ولن يبقى أحد من دون حساب، فكل شخص يدفع ثمن أعماله، كان خيراً أم شراً.. والله يمهل ولا يهمل.
في بداية quot; الربيع العربي quot;، بدت تركيا واثقة من قدرتها على تحديد مصير الشرق الأوسط، وأصبحت تدور في وهم السلطان الذي يسيطر على كل من هم من حوله ويضع أسس اللعبة ويحدد اللاعبين ومراكزهم فيها، ولم يتوقف السلطان الجديد من تقديم الدروس والانتقال من منبر إلى آخر ومن دولة إلى أخرى، وهو يتكلم عن الديمقراطية، لم يتوقف هذا الذي اعتبر نفسه سلطاناً جديداً لهذه الحقبة من الزمن من تقديم الوعظ لدول ولأنظمة عربية وغير عربية، عن الدولة المدنية وحقوق الإنسان والحريات، حتى وصل لدرجة أنه صدق نفسه، ووصلت الفورة به بأن يعتبر نفسه من الدول والقوى العظمى، ونسي أنهم من صنعوه وأوصلوه لذروة ما وصل إليه برغبتهم واختيارهم، وهم من يقرروا متى وكيف ستنتهي هذه اللعبة وينتهي دوره ويحرقون ورقته ويكسرون قلمه، ولكن لا ألوم السلطان هنا، على ما يبدو أنه يشاهد الكثير من المسلسلات التركية التي يفوز فيها البطل التركي دائماً، وهو وحده!! يتغلب على جميع من في المسلسل... ولكي يرى الأمور من وجهة نظر أخرى و بواقعية أكثر أنصح السلطان بتغيير عاداته بعض الشيء بالخروج من المنطق التركي العثماني إلى منطق الإنسان الذي يعترف بسلبياته ويترك الناس يتكلمون عن إيجابايته.
quot;يمكنك أن تخدع الناس لبعض الوقت، ولكن ليس طوال الوقتquot;
- آخر تحديث :
التعليقات