تاريخ المملكة الاردنية الهاشمية يشهد للمخابرات الاردنية و ضباطها قدراتهم الاستراتيجية و امكانتهم المتميزة في الحفاظ على كينونة الدولة و استقرارها و حمايه مكتساباتها، و الاهم الابقاء على مؤسسة العرش بعيدا عن غبار ملوث بادعيات سمية خادعة يغلفها شعارات الديمقراطية و الحرية.

ليس هذا بجديد، منذ عهد ضابط المباحث الذي احضر من الضفة الغربية حيث كان يؤدي خدمته العسكرية الى ان ارتقي سده الجهاز الامني مديرا للمخابرات، و هو الفريق محمد رسول الكيلاني مرورا برجال اوفياء، مفكرين، قارئين، محللين، ائتمنوا على اسرار الدولة الاردنية و التعامل الهاديء و الامن مع اعاصير التغيير منذ المد الناصري القومي العربي، و انقلابات البعث و شهوة ابتلاع الاردن الى التيارات الاسلامية المسيسة و اخيرا و ليس اخرا التدخل الاخواني بعد وصولهم الى سده الحكم في مصر، و حديثا الى سفير الاردن في المغرب فيصل الشوبكي و الذي عين مؤخرا مديرا للمخابرات الاردنية و يدان له بذكاء و عبقرية التعامل مع ربيع عربي جارف، اريد له ان يمر زورا و بهتانا في الاردن عبر حناجر مغرضه و اجندات خاصة تستغل الحراك الشبابي الطاهر و الشريف، وهو البلد الامن المتماسك و القوي بملك هاشمي و ملكية مستقرة تمت مبايعتها دستوريا منذ الازل.

و استطاعات المخابرات الاردنية ان تنقذ الاردن الذي يجلس بين كماشة العراق ذو الرئيس المخلوع و اموال حزب البعث التى جاولت شراء من هنا و هناك و الصرف على انتخابات هنا و هناك في الساحة الاردنية، الى تداخلات الناصرية و القومية و تعاملت مع التنظيمات الفلسطينية في الساحة و العقائدية المرتبطة خارجيا و ذات شهوة الحكم، و كل من تلك التيارات كانت تهدف في لحظة ما الانقضاض على الاردن و تهشيم هاشميته، و في جهة مقابلة كنات تقف دوما كماشة الاحتلال الاسرائيلي غرب النهر و تهديداتها و سعيها الى اقامة النظام البديل.

و لان الساحة الان تدور في فلك quot;الاخوان quot; و اقصائهم من السلطة في مصر بعد انكشاف فشلهم في ادارة الدولة المصرية، و تحزبهم، ومايشاع عنارتباطهم الخارجي و اتفاقاتهم مع الرئيس الامريكي اوباما السرية على منح اربعين في المائة من سيناء للفلسطيينين مقابل ثمانية مليارات دولار، لا شك ان quot;جرسا يدقquot; لخطة تعامل جديده مع اخوان الاردن.

تنظيم الاخوان المسلميين في الاردن، اثبت انه اكثر الناس قدرة على التفاوض و المراوغه و لعب دور المعارضة لتثوير الشارع و المقايضة السياسية ويمتلكون نفسا طويلا و مدربون على الصوم الطويل و الاضراب عن الطعام واحتمال السجون والاتفاقات تحت الطاولات و خلف الابواب و لديهم من القدرات التنطيمية و الاعداد و لوجستيات الانتقال ماهو اكبر من كل تصور، و هو ما نمى و ترعرع تحت انظار الجهاز الامني الاردني الحارس على امن الوطن و المواطن في مرحلة قديمة من عبق التاريخ السياسي للاردن.

و قد يسأل البعض عن وثيقة اتفاق quot;اوباما _الاخوان المسلميين quot; الخاصة بييع مصر و تخصيص جزء من سيناء لاقامة دولة فلسطينية؟ وعن اتفاق مماثل بين اخوان الاردن و امريكا حول الوطن البديل اذا كان ذلك صحيحا؟ فهل هذا وارد ام لا؟ رغم تصريحات كل اطياف الاخوان باقامة دولة فلسطين على ارض فلسطين، من النهر الي البحر، و لكن سقوط اخوان مصر اظهر المخفي و المسكوت عنه، و ما سوف يعلنه على الملأ الفريق عبد الفتاح السيسي الذي اتخذ قرار الانصياع الى ثورة ابناء مصر حفاظا على quot;مصرية مصر quot; و على سياده قرارها الوطني و استقلاله.

كثير من الجلسات في داخل اروقة المخابرات الاردنية تمت مع قيادات من الاخوان المسلميين و منذ سمح لهم بالمشاركة العلنية و العمل في الساحه رغم حل كل الاحزاب الاردنية في الخمسينات و استخدمتهم quot;المخابرات quot; ورقه سياسية و انتخابية في مواجه البعث و التنطيمات الفلسطينية و الشيوعين و اليساريين، وتمت اجتماعات في عقر دارهم و في فنادق اردنية و عبر شخصيات قيادية جمعت الاخوان و ضباط الامن، نتج عنها خلال سنوات الاتفاق على حدود المعارضة و صوتها و درجاتها، و على امكانات تقاسم السلطة، و على اعداد المشاركين من الاخوان المسلميين في الانتخابات البرلمانيه سواء ثلاثة و عشرون نائبا او تسعة عشر، و على النقابات المهنية و من يرأسها.

و كانت البدايات بترشيح المهندس حسني ابو غيدا نقيبا للمهندسيين على قوائم حماس و الاخوان المسلميين بمباركة دائرة المخابرات، و الذي خرج بالمنصب الى العلن بعد اتفاقات ادارها الفريق سعد خير على ان يكون النائب له من الاخوان و الذي تميز بالخلق و الادب و حسن التعامل ولكنه ايضا كان له quot;مرشداquot; في اطار تنظيم الحركة الاخوانية للاستيلاء على النقابات المهنية و قد نجح المهندس عزام الهنيدي في امتلاك النقابات المهنية، و بعدها فتحت الساحة النقابية لهم ليحتلوا المراكز في النقابات الاخرى لسنوات، دون تواجد تلك الصورة الهزلية لنقيب مؤجر من الدولة او بديل بلا صوت و لا صورة، و هو اسلوبا اتبع في عهد السادات ادي الى انتخاب المهندس عثمان احمد عثمان نقيبا على قائمة اخوانيه تملك هي القرار، و ايضا من اتي بعده المهندس حسب الله الكفراوي على نفس النمط.

و لم تتوقف قدرات المخابرات الاردنية عند هذا الحد و هي التى ادارت دفه الصراع على السلطة و ابطلت مفعوله الاثم، بل ان الاخواني المهندس الشاطر خيرت الذي درس في هندسة الاسكندرية على سبيل المثال نائب المرشد في مصر، كان ضيفا لمده تقارب ثمان سنوات في الاردن، و سبقه زيارات و اقامات لعديد من تيار الاخوان المسلميين استوعبتهم الادارة الامنية الاردنية و رصدت تحركاتهم و تفاهماتهم، و بات يعرف ان قارورة ماء المخابرات الاردينة مليئة بما هو اكثر من الماء الاخواني الاردني، اكثر مما يدلل به انه quot;زمزم quot;، و هي التى تمتلك القدره على ازاحة العطش او اغلاق الماء عن راغبي الشرب.

اليوم، و مع بروز كثير من اخطاء تنظيم الاخوان المسلميين في مصر، و اللذين خرجوا من السجون الى كرسي الرئاسة و مؤسسة السلطة دون تاهيل و دون معرفه بالواقع على الارض السياسية و الاقتصادية، يدفعون ثمن غياب فرض عليهم، و تركه ورثوها من نظام quot;مبارك quot;.

ايا كان الظرف في الاردن مختلف و لكن اخطر لان quot;اخوان الاردن quot; لديهم التجربة و الخبرة، وهم في دائرة الضوء، و ان كانوا يوما او لازالوا في جيب المخابرات الاردنية، في وضح النهار تسلموا وزارات التربية و العمل و الاشغال و غيرها، و استلموا رئاسة البرلمان و النقابات المهنية، و شاركوا في حكومات اقامت سلام مع اسرائيل و برلمانات مررت اتفاقية السلام، و القصد انهم اكثر تجربه و حصافة و معرفة من تيار الاخوان المسلميين في مصر مما يجعلهم اكثر خطورة حتى و ان كان هناك تفاهمات و اتفاقات.

و لكن، و هنا اضع نقاطا واضحة، ان كلا التيارين المصري و الاردني، و هما بالمناسبة غير متطابقين و بينهما خلافا فقهيا و جدلية حول الحكام و مؤسسات و الحكم و الوتقيت في الانقضاض، الا انهما يجمعون على انشاء الخلافة الاسلامية و الاطاحة بالحاكم.

و اذكر هنا واقعة وقت ان اجريت لقاءً متلفزا، استضفت فيه في برنامج السياسي انذاك على شاشة التلفزيون الاردني مع مستشار الاخوان السياسي و نائب في برلمان الاردن عند التصويت على حكومة الشريف زيد بن شاكر، لم يكن وقتها منح لقب الامير من قبل الملك الحسين، حيث قال لي الشيخ حمزة منصور،quot; اننا لن نمنح الثقة لحكومة امريكية هبطت بالبارشوت علينا، حكومة محملة جوا quot; انتهي الاقتباس. و بعدها و عند سؤاله و ماذا هدفكم و رؤيتكم؟، فاجاب quot; اننا نسعى الى تطبيق شرع الله حيث لا ملكية في الاسلام quot;. و بالمناسبة فأن الشريط كان و لا يزال في التلفزيون الاردني و اطلع عليه نائب رئيس الوزراء ووزير الاعلام انذاك الدكتور خالد الكركي، و مدير التلفزيون الاردني ناصر جودة و الذي تسلم منصب وزير الخارجية الاردنية الحالي وبوجود لواء من المخابرات الاردنية.

و اقصد ان مهما حدث او تم التفاوض عليه او حوله فأن النهج quot;الاخواني quot; هو الاطاحة بالسلطة و مؤسسة الحكم في الوقت المناسب و متى اتيح لهم، و هم دوما مفاوضين و مراوغين و مسالمين ثم ينقلبون في لحظة ويعلنونها صراحة quot; سنقتل و و نضحي بدمائنا في سبيل الشرعية quot; كما قالها المرشد العام في مصر بعد عزل رئيسها، و كأن الشرعية بالدم و السيوف و رصاص و مولوتوف.

واضح هنا ان quot;المراجعات quot; التى تبناها نظام وزير الداخلية المصري اللواء حسن ابو باشا مع المعتقلين من تنظيمات اسلامية في السجون المصرية، و منذ ان اختطف الشيخ quot; الذهبي quot; في مصر، و التى عرفت بمراجعات الاخوان للتوبة و الخلاص من quot;القتل و التكفير quot; لم تكن الا مرحلة مؤقته و تحايل على الامن المصري لاجل الهبوط و الانقضاض على الحكم، و هو ما يؤشر الى ان الفكر لدى quot;الاخوان quot; قادر على التعامل مع الامن مرحليا الى ان يعرقله و يحيده و يعود الى الممارسات الارهابية. بل ان quot; المراجعات quot; الامنية المصرية اثبتت فشلها.

المخابرات الاردنية، قامت بدورها الوطني في الحفاظ على الاردن، و حماية مؤسسة العرش، و حماية الشعب بتحويل و تنفيس مسارات الاخوان، التى تميل في الاردن الي العيش بالقرب من دوائر الامن و البشر، الى طرق فرعيه قبل ان تصدم قوة جدار الوطن و تماسكه في مواجهة مخططات التقسيم و التبديل و الخرق و الاختراق لنسيج وطني يرى ان الملكية هي طوق النجاه و سفينه انقاذ الشعب و الوطن.

لرجال المخابرات الاردنية الاوفياء، اللذين وقفوا في مواجه الالات الاعلامية الخارجية وابواقها الداخلية في تصويرهم بغير حقيقتهم كل التقدير و الاحترام، و ليطمئن العالم و شعب الاردن قبلهم ان تلك العيون الساهرة على الوطن لديهم من الجيوب الكثيرة التى تمتليء بما يحقق استقرار الوطن.

ولكن، مع كل هذا و ذاك و جيوب الساحرالامني، لا بد من التحذير انمن في الجيب قد يقرض و يسبب الالم و المرض و أن اسنان الفئران اصلب من الحديد او الصلب مما يمكنها من قرض اخشاب و طوب القصور.

لقد لعب تنظيم الاخوان المسلميين في الاردن دور الذكي المحظوظ و لكن جرعاته التخديرية للامن و بعد سقوط و انكشاف quot;مرسي quot; لا يحتمل الا اليقظة و التعامل الحذر اللطيف معهفهو يجلب المتاعب.


[email protected]