لنأخذ فترة من الراحة من الخوض في الأمور الراهنة والمتلاحقة، آخرها انفجارات بيروت، ثم ما يدور الآن من احتمالات أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بضرب سوريا، بعد التاسع من أيلول... فالأحداث المتسارعة كلها توشي بهذه الضربة التي اتخذت من استخدام النظام السوري سلاحاً محرماً ضد مواطنيها في الغوطة كي توجه له ضربة، وكأن الآلاف الذين كانوا يُقتلون بالرصاص والأسلحة الأخرى القتل فيها حلال!!..

ولنكف قليلاً عن التنظيرات السياسية التي صرنا ndash; ككُتَّاب ndash; نلهث ورائها متحفزين بكل هممنا لمواكبة الأحداث، وكأننا إن لم نفعل فإننا نعد من المتخلفين عن قضايانا الوطنية!!.. ولنرجع قليلاً الى كوارث ممتدة ضمن دائرة الثقافة والمثقفين العرب.
bull; منذ فترة ليست قصيرة حضرت ندوة ثقافية في إحدى الدول العربية.. على امتداد (13) جلسة، ناقش مثقفو الأمة العربية فيها (146) ورقة عمل تناولت أزمات الثقافة المعاصرة، ثم انتهت إلى أن يتمخض الجمل ليلد سلحفاة.. فجاءت توصيات دهاقنة الثقافة العربية على الشكل التالي:
أولاً: أن وحدة الثقافة العربية كانت ولا تزال عاملاً رئيسياً.. إلخ..
bull; أنا واثق أن أي طالب بالمرحلة الإبتدائية يستطيع إكمال بقية الفقرة الأولى من بيان المثقفين العرب!!..
ثانياً: يؤكد المؤتمرون أن إنجاز الاستقلال الوطني، هو إنجاز ينبغي الحفاظ عليه..!!
bull; لست أدري عن أي إنجاز يتحدث المثقفون العرب؟!.. أهو إنعدام الحريات؟!.. أم الاضطهاد؟!.. أم استفحال الفكر الظلامي؟!.. ربما يقصدون بالإنجاز هو حكم الفرد الذي ساد ويسود في الأمة العربية!!..
ثالثاً: يرى المشاركون في المؤتمر أن للأمة العربية من المقومات ما يدفع عنها اليأس، ويدرأ التفريط والتهاون في المسائل القومية.
bull; بالله عليكم.. أعيدوا قراءة الفقرة الثالثة هذه، لعلكم تستخلصون منها جملة مفيدة.. بعد أن فشلت في معرفة ما تقصده!!
رابعاً: يطالب المشاركون في المؤتمر المنظمة العربية بإلغاء الأحكام العرفية التي تحاصر الحريات!!
bull; طبعاً.. فقد أُصيبت الأنظمة العربية بالهلع والخوف من هذه الفقرة، فسارعت فوراً إلى إلغاء الأساليب القميعة، وطهّرت السجون، وشرعت في تطبيق الديموقراطية، وسمحت بأجواء الحريات!!.. كل هذا حدث خوفاً من بيان المثقفين العرب..!!؟
خامساً: المطالبة بتطوير التعليم العام والجامعي، وإصلاح الجهاز المدرسي!!
bull; اقتُصر بيان صفوة المثقفين العرب على النقاط الآنفة، لينتهي كالعادة بالتصفيق للانجازات التي حققها المؤتمر.. أعيد وأكرر أن هذه النوعية من المؤتمرات إحدى أسباب الكوارث التي تجري فوق مساحة كبيرة في وطننا العربي!!..
bull; ما أنا بصدده قبل ختام هذا الموضوع ليس بعيداً عن الكوارث الثقافية والمثقفين، يتعلق بمثقف عربي ليبرالي علماني كان برلمانياً اسرائيلياً، وكانت له مواقف مشرفة في صراعه مع العدو الاسرائيلي داخل اسرائيل، أقصد الدكتور عزمي بشارة.. هذا الرجل يحيرني أمره، التقيته في لندن في أواسط تسعينيات القرن الماضي على مائدة عشاء أُعدت خصيصاً للتفاوض معه كي ينضم الى كُتَّاب المجلة التي كنت أحد كُتابها، وفي اليوم التالي عندما التقيته منفرداً أخبرني أن هذه المجلة سعودية المصدر وبالتالي أنا لا أريد أن أمسح تاريخي النضالي بالعمل في مجلة سعودية!!..
هذا الرجل (عزمي بشارة) العلماني الليبرالي الناصري القومي يعمل منذ سنوات مستشاراً ومنظراً لدولةٍ تحتل أراضيها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، وتلعب سياستها أدواراً على الساحة العربية والدولية لا أحد يستطيع حتى الآن تفسير كُنهها!!.. والأغرب من كل هذا وذاك أن عزمي بشارة الليبرالي العلماني (المسيحي) يتباكى بدمٍ على الاخوان المسلمين في مصر ويُنظر لعودة مرسي الشرعية!!..
ألم أقل لكم أن أشد الكوارث التي لعبها مثقفونا العرب أصبحت تتمثل بشكل فاقع بالمُنظر والخبير السياسي الاستراتيجي العلماني الليبرالي الذي يحظى بنفس مميزات القرضاوي، الدكتور عزمي بشارة!!.. يا خسارة!!..
* * *