حين تأتي تهديدات ننفعل، ونتحدث بصوت عال، ثم نكتشف أنه لا يوجد ما يبرر الانفعال، ولا ما يستدعي الصوت العالي، أقول هذا الكلام بسبب ما أثير من ضجة حول قرار غلق سفارات بريطانيا واستراليا وكندا في القاهرة، بسبب ما وصفوه بتهديدات أمنية، هذا في ظنهم ، ولأن بعض الظن اثم، فإن الواقع يقول إن مصر آمنة، هذا شعوري، وأنا الذي عشت خارج مصر قرابة عقد ونصف من الزمان، ولست مستقرا بشكل دائم في القاهرة.

منذ عقود طويلة ونحن نرى السفارات الأجنبية فى مصر قلاع محصنة ، إذا حدثتك نفسك بالمرور بجوار هذه السفارات فقط من باب الفضول، وزاعت عيناك هنا أو هناك، تري شرطيا يرمقك بنظرات حادة، وربما يأتي ليستجوبك لتدخل في س ،ج، ومع هذه الحماية الزائدة عن الحد، يأتي الإعلان من جانب بعض هذه السفارات عن إغلاق خدماتها أمام الجمهور لأسباب أمنية، وحين تبحث الجهات المسؤولة تكتشف أنه لا توجد تهديدات على الإطلاق، ويذهب مسؤولون من وزارتي الداخلية والخارجية للقاء العاملين بهذه السفارات، وبلبوا طلباتهم بإعادة النظر في عمليات التأمين، والانتشار لقوات الأمن حول هذه السفارات، يظل موقف هذه السفارات على حاله كنوع من الابتزاز ، وتوصيل رسائل سلبية للخارج بأن السفارات غير آمنة في مصر، ليلغى من خططوا لقضاء الكريسماس في مصر حجوزاتهم، وليفكر المستثمر الذي قرر العودة إلى الاستثمار في مصر الف مرة قبل أن يأتي بأمواله

للاستثمار في بلد يصوره الإنتهازيون بأنه غير آمن، وهي آساليب الآبالسة من الحاقدين وشياطين الأنس والجن الذين يحاولون وقف المراكب السائرة.

إتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية المبرمة في إبريل 1963 تتضمن مبدأ مهما يسمى (المعاملة بالمثل) وهو يحدد الفوائد والامتيازات التي يحصل عليها المواطنون في دولة آخرى، وهذه الحقوق لا نعرف عنها شيئا، فالمواطن العربي حين يحتاج إلى تأشيرة سفر للغرب، يقف في طابور طويل أمام سفارات هذه الدول بعد خضوعه للتفتيش وكأنه إرهابي، وإذا قبل جواز سفره عليه أن يدفع رسوما مبالغا فيها ، وينتظر أسابيع حتى يحصل على التأشيرة، وبعض السفارات ترسل هذه الجوازات إلى الخارج للمراجعة قبل الحصول على التأشيرة ، فمثلا للحصول على تأشيرة المملكة المتحدة من القاهرة ، يتطلب إرسال جواز السفر إلى أبوظبي، واذا رغبت في تجديد جواز سفرك الانغليزي مثلا في السفارة البريطانية في القاهرة، يجب إرسال هذه الجواز عبر السفارة إلى المانيا، وهذا ينطبق على كل من يحمل جواز سفر انغليزي، ولا يعيش في المملكة المتحدة.

الغريب أنه لم تحدث حالة اعتداء واحدة على السفارة البريطانية في القاهرة ، عاشت في حماية المصريين عقودا عديدة، وتشغل مساحة واسعة على كورنيش النيل ، لماذا إذن تقرر السفارة غلق أبوابها في وجه مواطني دولة وشعب ومواطني دول أخرى قد يحتاجون للسفر للعلاج أو العمل أو السياحة.

لابد من إعادة النظر في التعامل مع هذه السفارات فهي أولا لا تعمل المصريين بشكل لائق ، وتفرض رسوما باهظة وربما تدفع الرسوم ولا تحصل على تأشيرة ، يجب أن نطبق مبدأ المعاملة بالمثل، فالمشكلة لدينا نحن العرب، وليس لدى

السفارات الأجنبية ، فنجن نقبل المعاملة السيئة لمواطنينا فى السفارات الغربية، ولا نتكلم ، ومن يغلق في وجه مواطنينا سفاراته لأسباب واهية ، نعامله بنفس المبدأ ، وحسب الأعراف الدبلوماسية والقنصلية ، والندية لا التبعية هي ما يجب أن يسود في التعامل بين الدول.

&