مقتل الزميل محمد بديوي على يد ضابط يحمل رتبة رسمية وسلاحاً مُرخّصاً وينتمي لفوج رئاسي ليس مجرد حادثة فردية، انما سلوك مليشياوي، لا يخص جهة او قومية او طائفة.
اليوميات العراقية تتحدث عن مئات الاعتداءات والاهانات ضربا وشتما يتعرض لها مدنيون من قبل قوات حكومية رسمية، فضلا عن مليشيات ومسلحين. الامور تبدو طبيعية، لأنها شائعة، الكثيرون لا يتوقفون عندها، او ربما اعتاد اغلب الناس على المهانة، ولم يعودوا يشعرون بها. زادت الجرعة على quot;المعتادquot; في جريمة قتل محمد بديوي، وسابقتها جريمة قتل مدرب نادي كربلاء محمد عباس بيد افراد من قوات سوات الحكومية. بالمحصلة العلاقة بين المدني والعسكري هي علاقة بين محكوم بحاكم، تختصرها quot;سيديquot;.
مفردة سيدي يفترض ان تبقى متبادلة بين العسكريين، اما في العراق، يشيع استخدامها من قبل المدنيين مع المسؤولين العسكريين، وكأنهم جنود، ويحادث المدني مقابله الأمني بكثير من الخوف الممزوج بالذل والدونية. والعلاقة بين الاثنين تأخذ شكلا اخر في الكثير من الاحيان؛ المدني يستقوي بصديقه او قريبه او معارفه واقاربه الضابط، يستقوي على الاخرين عندما تستدعي الحاجة، ما ينم عن قابلية لدى المدني لأن يمارس الاذلال على الاخرين، ويرى نفسه سيدا على المكان.
ثقافة الاستعلاء والاستقواء وثقافة الدونية واعتياد الهوان، الى جانب الدمج الشامل للمليشيا في القطاعات الحكومية المسلحة، تشكل الخلفية المنتجة لوضعنا الراهن، لسلوك عدواني شائع يواجه بالصمت أو التعود. ويعزز الغطاء السياسي العابر للقانون من الاستهتار اللا محدود، ربما القوانين العشائرية هي الوحيدة القادرة على الحد من ذلك، اما قوانين الدولة فحالها حال الثقافة الشائعة، لا تمنع أي سلوك عدواني يمارسه العسكري. كل ذلك يوفر فرص استهداف المواطنين من قبل أي حامل سلاح رسمي، لما يشعر به من تميز وسيادة، حال ينطبق على القوات الحكومية، سواء كانت القوات الاتحادية او البيشمركة او أي قوة رسمية عسكرية وأمنية أخرى.
ان يقوم ضابط بقتل مواطن اعزل، غير مقتصرة على القوات الكردية او الفوج الرئاسي، فالعقل المليشياوي للعسكر الموجود على الارض يتيح العنف باستمرار، يسمح باستخدام القوة ضد أي فرد عندما quot;يسيء الادبquot; مع عنصر بزي رسمي، والذي يحدد شكل اساءة الادب وعدم الاحترام هو الماسك بالسلاح، وليس الاعزل، ولا القوانين، لأن سلاح quot;الدولةquot; فوق القانون. هكذا شريعة القوة للغالب، الامر الواقع.
مؤخرا أخذت الحساسيات بين الكرد والعرب اتجاهات خطيرة، الساسة من الجانبين يقفون وراء ذلك، اتهامات متداولة، وابتزاز متبادل، اعطت انطباعا لدى العربي بأن الكردي يعيش على ماله ولا يعطي شيئا، ولدى الكردي بان العربي لم يتخلص من الشوفينية. وفي الحقيقة ان الامر ناتج عن صراع على المال والحكم بين زعيمين هما المالكي والبرزاني، يُلبَس ثوب التصدي للشوفينية او حماية وحدة العراق.
ولا علاقة للجريمة بهذا الخلاف، الفاعل هو انفلات الماسك بالسلاح، والفعل يحصل بين العربي والعربي، والكردي مع الكردي، وربما تقوم به الاقليات المعروفة بهدوئها لو قدر وامتلكت فصيلا عسكريا. الجريمة واقع عراقي صرف، يذهب ضحيته الناس، وسببه الرئيسي ثقافة تسلط شائعة، واحزاب مليشياوية، وعدم وجود رد فعل شعبي حقيقي، وquot;مشروعيةquot; حرب مستمرة تبقي السلاح مباحا.