ربما يستغرب المواطن العادي في بلداننا من ردة فعل دول العالم والفرنسيين من الهجوم الارهابي على اسبوعية شارل ابدو، وكانت من أبرز تجليات ردة الفعل ماذكرته وسائل الاعلام ان أكثر من ثلاثة ملايين فرنسي شاركوا في مسيرة الجمهورية بالاضافة الى مشاركة عشرات كبار المسؤولين لخمسين دولة فيها، وأيضا بيعت 3 ملايين نسخة من أول عدد للأسبوعية بعد الهجوم.

وأعتقد أن من حق هذا المواطن ان يستغرب لأنه يرى يوميا هجمات سواء بتفجير عبوات ناسفة أو سيارات مفخخة أو اغتيالات أو هجمات بالأسلحة الرشاشة أو سقوط القذائف، والى جانب كل هجوم يرى بركا من الدماء، ومع ذلك لا يرى خروج مسيرات مليونية ولا تضامن من منظمات دولية فما بالك من رؤساء وكبار المسؤولين في دول العالم، خاصة عندما يقارن (المواطن) بين ما يحدث في بلاده وهجوم باريس الارهابي يجد ان الهجوم على شارل ابدو لا يعد شيئا مقابل ما يحدث في بلداننا كالعراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان وفلسطين المحتلة.

ردة الفعل الفرنسية والعالمية على شارل ابدو طبيعية وفي محلها ولا يمكن التشكيك بها حتى لو كان بعض القائمين عليها يريدون توظيفها لأغراض دنيئة، اذ يتعين على البشرية جمعاء أن تنتفض وتهتز لمقتل أي انسان لم يرتكب جريمة بحق الآخرين، فعلى الرغم من أن المسيئين للمقدسات الاسلامية يجرحون مشاعر ملايين المسلمين الا ان أي مذهب اسلامي لا يدعو الى معاقبة المسيء بالقتل بل أن تعاليم الاسلام تدعو الى التغاضي عن الاساءة وعدم الرد عليها فما بالك بقتل المسيء.

ردة الفعل هذه كشفت فيما كشفته عظمة العراق وشموخه وصلابته في مواجهة الارهاب رغم حجمه ووحشية الارهابيين الذين لا يوفرون وسيلة الا واستخدموها لتدمير العراق والفتك بالعراقيين، ومع ذلك لا يزال العراق واقفا على رجليه.

الآلاف من الذين يسيرون على نهج الاخوان كواشي متواجدون اليوم في العديد من مدن وقرى العراق مدججين بكافة أنواع الأسلحة يسعون الى تركيع العراق ويغرزون مخالبهم في اجساد العراقيين، ولكنهم لن ينالوا من كرامتهم رغم ان اجسادهم مثخنة بالجراح وتسيل منها الدماء.

علاوة على ان الارهابيين اقتطعوا جزئا من جسد العراق الا أنهم وغيرهم من الارهابيين لا يمر يوم الا وينفذون العشرات من الهجمات وخاصة في بغداد وضواحيها، ولا تتوقف جرائمهم عند حد القوات المسلحة والحشد الشعبي والمسؤولين العراقيين سواء كانوا عسكريين أو سياسيين وانما يستهدفون الحرث والنسل.

ربما يبرر الاخوان كواشي جريمتهم ضد شارلي ابدو باساءة الأسبوعية للاسلام والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن بماذا يبرر الذين يسيرون على نهج كواشي استهدافهم البائعين الجوالين والذين ينتظرون في مآرب ومواقف السيارات والمناطق المكتظة بالناس وعموم الابرياء في العراق، أليست الكارثة التي يواجهها العراق أكبر بمئات الاضعاف من كارثة الهجوم على شارلي ابدو؟

لو تجاوزنا كارثة الجماعات الارهابية وجرائمها التي ينفذونها من أجل تدمير العراق وتركيع العراقيين فان الفساد الذي ينخر في جسد العراقيين لا يقل تدميره للعراق عن الارهابيين، ان لم يفوق تدميره دمار الارهاب بل ان من الارهابيين من يستغل الفساد لتبرير جرائمه، واذا كان الارهاب واضح للجميع ويستهدف الجميع فان الفساد لا يعرفه الجميع ولا يستهدف الا المواطن الذي بالكاد يحصل على ما يسد رمقه، والانكى من كل ذلك ان الجميع يدينون الفساد ويطالبون بمعاقبة وابعاد الفاسدين عن السلطة.

ألا يثير صمود العراق والعراقيين بوجه الارهاب الاستغراب والدهشة؟ فمن المفترض أن يتحول العراق اليوم الى أرض جرداء يصول فيها الارهابيون والفاسدون ويجولون دون حساب ورقابة، لا نجد هناك تفسير لصمود العراق الا ارادة ربانية شاءت ان يبقى العراق صامدا، وكذلك ثلة من العراقيين الذين اخلصوا لوطنهم سواء كان دافعهم ديني أو وطني أو خصالهم الذاتية، هؤلاء هم الذين يجب أن يتعرف عليهم العراقيون ويقفون الى جانبهم ويدافعون عنهم ويختاروهم في اي انتخابات قادمة.

&