الذي يعرفه العلماء ولا يجادلون فيه هو أن الجسيمات الأولية، الوحيدة عديمة الكتلة، كالفوتونات، هي الوحيدة القادرة على الرحيل بسرعة الضوء، وهي 854 297 992 متر في الثانية أو 300000 كلم في الثانية،وأي جسم مادي ذو كتلة، مهما صغرت، بأنه بالضرورة يرحل بسرعة أدنى من سرعة الضوء، وكلما امتلك الجسيم طاقة عالية ازدادت سرعته ويمكنه الاقتراب من سرعة الضوء لكنه لن يتمكن أبداً من بلوغها، وهذا ما يتعين عليها إدراكه وحفظه في أذهاننا، لأنه عندما تقترب سرعة جسيم ما من سرعة الضوء فإن سرعة الضوء ذاتها تبقى ثابتة بالنسبة لهذا الجسيم. فلو تخيلنا فوتون يتنقل بسرعة الضوء، وحاولت أن تطارده بسرعة وبلغت سرعتك 299000 كلم في الثانية، فربما تغرك سرعتك الهائلة أن تسرع أكثر كيلومتر واحد إضافي في الثانية لتبلغ نفس سرعة الفوتون أي بسرعة الضوء، فإن ذلك لن يكون ممكناً، لأنه لايمكن لأي جسم مادي ذو كتلة أن يسير بسرعة الضوء ناهيك بسرعة أكبر من سرعة الضوء، وبالتالي فإن تقبل هذه المسلمة يتطلب استعداداً وانفتاحاً ذهنياً خاصاً، والمقصود هنا بالطبع الضوء الفيزيائي، لكن الضوء والأنوار هي قضية فلسفية أيضاً. فهناك روحية وعصر الأنوار الذي أتاح تفوق الرؤية العلمية على الرؤية الخرافية، وهي التي فرضت غاية ومحدودية أفعالنا البشرية، باعتبارنا ورثة عصر الأنوار، فما هي المسافة التي تفصلنا عن روحية ونمط تفكير رجال عصر الأنوار؟ نوقش هذا الموضوع خلال اللقاءات الفيزيائية والتساؤلات الجوهرية في المؤتمر الذي نظمته الجمعية الفرنسية للفيزياء في المكتبة الوطنية في فرنسا يوم السبت 24 نوفمبر 2014 والمكرس للضوء الفيزيائي والأنوار الفلسفية".

إن طرح هذا التساؤل لا يعني الاعتقاد بمثالية عصر الأنوار بل مجرد اعتباره إحدى المرجعيات الفكرية. لقد أوضح غاستون باشلار بأن:" الضوء يلقي دائماً ظلالاً في مكان ما" وهذه المقولة تنطبق على الضوء الفيزيائي مثلما تنطبق على فلسفة الأنوار، التي تحتوي على منحدرات معتمة، فيما تحدث الفيلسوف الفرنسي بيير بورديو عن :" ظلامية الأنوار، التي يمكن أن تتخذ شكل التيمية أو عبادة العقل أو تأليه وتقديس العقل والتعصب للشمولية ". كما يمكن تطبيقها على قرن الأنوار ذاته، الذي تجاورت فيها الانسكلوبيديا أو دائرة المعارف والاحتفالات الباذخة والمقصلة. بقي أن نعترف أنه في قرن الأنوار بزغت فكرة التقدم ومعها بزوغ الأمل بتحسن مستقبلي لظروف حياتنا ففكرة التقدم تعني تحقيق درجة إضافية من الأمل، ولذلك لا يمكن أن نوقف التقدم.

فالتفكير بالعلم يتم باعتباره انعكاساً موثوقاً به للعالم الخارجي وإطاراً يضم القواعد التي تحكم العالم المادي. فالأبحاث العلمية الفعلية تجري على نحو شبه محتوم في إطار من الإبهام نطمح من خلاله إلى تحقيق التقدم بالرغم من عدم تمتعنا بيقين حقيقي.

والحال إن الأبحاث التي تجرى، وأهم الأسئلة العلمية التي تطرح، في مجال فيزياء الجسيمات وميكانيك الكموم أو الكوانتوم وعلم الكونيات أو الكوسمولوجيا، تملك القدرة على تغيير جذري لفهمنا للعالم من حيث بنيته وتطوره والقوة أو القوى الأساسية التي تحركه وتسيره ومعرفة طبيعة المادة المكونة له، المرئية منها والمعتمة أو المظلمة أو السوداء وكذلك الطاقة الملموسة والمظلمة أو الداكنة. فأدواتنا للبحث هي الرياضيات الحديثة والمتطورة جداً وكذلك الضوء الذي هو بمثابة ذاكرة الكون.&

وبالعودة للضوء الفيزيائي فإنه ينطوي على شيفرة كونية وبفك هذه الشيفرة وتحليلها يمكننا الولوج إلى لغز التركيب الكيميائي للنجوم والمجرات ومعرفة سر تحركها وذلك لأن الضوء يتفاعل مع الذرات المكونة للمادة المرئية في الكون المرئي أو المنظور. إذ لايمكننا إدراك الضوء إلا من خلال تفاعله مع الأجسام، كما لو إن النور الذي يضيء كل شيء يكون غير مرئيا بدون المحيط المادي الذي يعترض طريقه أو مساره فلكي يظهر ويكو مرئياً لا بد أن تعترضه الأجسام المادية سواء كانت حزقة العين أو بتلة أو تويجة الزهرة أو لوحة الرسام أو مرآة التلسكوب، فالضوء والحالة هذه يعتمد على التركيبة الذرية للمادة التي يتفاعل معها حيث يتم امتصاص أو عكس الضوء في مستويات معينة من الطاقة. فلو تلقينا الطيف الضوئي لنجم أو لمجرة، أو بتعبير آخر لو فككنا التكوين الضوئي عبر موشور لمختلف مكوناته من الطاقة أو الألوان المختلفة للضوء لأكتشفنا أن أن هذا الطيف ليس مستقيم بل مقطع إلى خطوط امتصاص أفقية تتناسب مع الطاقات التي تمتصها الذرات.

إن توزيع تلك الخطوط الأفقية الناجمة عن تفكيك الضوء إلى أطيافه عبر الموشور ليس عشوائياً بل هو إنعكاس أمين لتنظيم مدارات الإلكترونات في نوى الذرات وهذا التنظيم يكون خاصاً لكل عنصر من عناصر المادة. فهو بمثابة بصمات أو بطاقة هوية للعنصر الكيميائي الذي يسمح للعالم الفيزيائي بالتعرف عليه على نحو قطعي وبلا أدنى شك أو تردد. وبالتالي فإن الضوء يكشف لنا التركيبة الكيميائية للكون. كما يسمح الضوء بدراسة حركات الأجرام السماوية فلا شيء ثابت أو ساكن في الفضاء فكل شيء يتحرك. فالجاذبية تجعل كل محتويات الكون المرئي، من كواكب ونجوم ومجرات وسدم وحشود وعناقيد مجرية وغازات كونية وكل شيء في الكون، في حالة حركة وتجاذب لكنها لاتسقط فوق بعضها البعض لوجود قوة نابذة أو طاردة مساوية أو معادلة وهي قوة التمدد أو التوسع الكوني التي تسببها الطاقة السوداء أو الداكنة. فالكون في حالة تغير وحركة دائمة. وبذلك ماتت الفرية الآرسطوطاليسية التي تبنتها الكنيسة كمذهب رمسي لها بخصوص الكون،والتي تحدثت عن ثبات وسكون واستقرار السماوات. لكننا على مستوى البشر، وفي زاوية مهملة في أحد الكواكب العادية في نظام شمسي عادي جداً، لايمكننا أن ندرك ذلك الهياج الكوني وتلك الحركة الدائمة في الكون المرئي وذلك بسبب المسافات الهائلة التي تفصلنا عن النجوم والكواكب الأخرى وبعدها المهول عنا، وقصر عمر البشر. وتتغير ألوان الطيف حسب حركة الجرم السماوي أو مجموعة الأجرام سواء كانت نجوم أو مجرات، بالنسبة لموقع المراقب لها، فكلما ابتعدت مال لونها للأزرق، وكلما اقتربت مال لونها للأحمر وبواسطة قياس هذا التحول اللوني للطيف الضوئي يتمكن العلماء من تصميم التحركات الكونية، ومعرفة اللحن السري أو النغمة السرية للكون la mélodie secrète de l’univers على حد تعبير العالم تران كزيوان تيوان Trinh Xuan Thuan الذي نشر كتاباً بهذا العنوان.

توجد من بين مكونات الكون الكثيرة مواد كثيرة لايمكننا أن نراها لأنها لاتعكس الضوء رغم أهميتها وتأثيرت ثقالتها أو جاذبيتها على المكونات الأخرى. ومن بين أهم تلك المواد، المادة السوداء المظلمة، وهي من إسمها لاتراها العين أو التلسكوبات ولا يمكن رصدها ومشاهدتها وبرغم ذلك يسعى العلماء إلى معرفة طبيعتها وكشف ماهيتها لأنها مادة تحدث تأثيراً جاذباً لكنها لاتمتص الضوء ولا تشعه، فالذي نراه في ما حولنا يحدث بفضل تفاعله مع الضوء والحال أن المادة المرئية التي تتفاعل مع الضوء وتسمح لنا بريتها لاتمثل سوى 4% فقط من كثافة المادة الكلية في الكون في حين تصل نسبة المادة السوداء أو المظلمة إلى 23% والتي لم يتم تعريفها على نحو قاطع ومؤكد بعد. وهي مادة بكل معنى الكلمة وتتماسك أجزاءها بتأثير ثقالتها أو جاذبيتها وتساهم إلى جانب شقيقتها المادة المرئية في تكوين البنى المختلفة للكون بيد أنها لا تتفاعل مع أي شكل من أشكال الضوء ويمكننا إدراكها من خلال تأثيراتها الثقالية دون رؤيتها على نحو مباشر وبالتالي يصعب علينا معرفة ماهيتها بدقة وهي مكونة حتماً من جسيمات أولية دقيقة مماثلة لجسيمات المادة المرئية ولديها كتل وتتفاعل فيما بينها لكننا نجهل الكيفية التي تحدث فيها تلك التفاعلات. الأمر المؤكد والمطابق للحسابات الرياضية هو أن الكون يحتوي على القدر الكافي من هذا النوع من المادة يتطابق مع القدر الذي تم قياسه لتأثيراتها الثقالية الجاذبة. ويعتقد أن مصادم الهادرونات الكبيرLHC في سيرن المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية الموجود على الحدود الفرنسية السويسرية سوف يمدنا بالكثير من الإجابات المنشودة بهذا الخصوص قريباً حيث تجرى التجارب للكشف عن ماهية وطبيعة هذه المادة الغريبة المظلمة أو السوداء. وهي تتفاعل على نحو ضعيف مع المادة التي نعرفها وهو تفاعل، رغم ضعفه، فهو قائمة على عمليات حسابية دقيقة والتي توضح بجلاء لا ريب فيه، أن الجسيمات المستقرة التي ترتبط تفاعلاتها بنطاق الطاقة التي اكتشفها مصادم الهادرونات الكبير تتسم بالقدر الصحيح من الطاقة اللازمة لأن تكون مادة مظلمة أو سوداء ويعتقد بعض العلماء أنهم اكتشفوا فعلاً هذه المادة في المختبر وفي الفضاء الخارجي. وهناك تجارب مستمرة على الأرض وفي الفضاء لكشف أسرار هذه المادة السوداء أو المظلمة لتوضيح طبيعتها وتفاعلاتها وكتلتها في الكون. كما يوجد 73% من مكونات الكون على هيئة طاقة سودا أو معتمة أو داكنة أو مظلمة وهي تفوق المادة السوداء غموضاً. ويعد اكتشاف وجودها حاسماً في تصحيح مسار الفيزياء في أواخر عقود القرن العشرين وبدايات عقود القرن الحادي والعشرين ورغم التقدم المتحقق علمياً وتكنولوجياً في الآونة الأخيرة، إلا أنن ما نزال نجهل الكثير عن نشأة الكون وما نعرفه لحد الآن مدين لنظرية الانفجار العظيم ونظرية التضخم الكوني المفاجيء والتمدد وتسارع التوسع التي أثبتتها نتائج المعلومات والمعطيات التي زودنا بها تلسكوب بلانك الفضائي المذهل، الذي درس وحلل بدقة إشعاعات الخلفية الكونية الماكروية المتخلفة عن الانفجار العظيم والمنتشرة في جميع أرجاء الكون.وتحمل بصمات مرحلة الانفجار العظيم عندما كان الكون عبارة عن نقطة لامتناهية الكثافة والسخونة والتي انفجرت لتشكل كوننا الحالي وبردت على مر الزمن مخلفة هذا الإشعاع الأكثر برودة الذي لا تتجاوز درجة حرارته اليوم 2.7 كلفن وهو أعلى ببضعة درجات من الصفر المطلق. قدم لنا آينشتين المعادلات الرياضية اللازمة لدراسة الكون في بدايات القرن العشرين المنصرم والتي أوضحت لنا كيفية اشتقاق مجال الثقالة أو الجاذبية مع توزيع معين للمادة أو الطاقة، وهما مرتبطتان وفق المعادلة الشهيرة الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء، ومن هنا يتعين علينا معرفة المادة والطاقة المحيطتان بنا، والحال أن نفس تلك المعادلات الآينشتينية تنبأت بوجود نوع جديد من الطاقة لا تحمله المادة المعروفة وهي طاقة لا تحملها الجسيمات أو أي مواد أخرى نعرفها في الكونو لا يتماسك بعضها ببعض كما نلاحظ في المادة العاديةولا تقل كثافة هذه الطاقة مع تمدد الكون بل تحافظ على ثبات كثافتها وهي تتسبب في إبطاء تسارع التمدد الكوني. كان آينشتين قد اسماها " الثابت الكوني" في معادلاته، ومن ثم تراجع عنها وأعتقد أنه ارتكب خطأ فادح لأنه أقحمها لتفسير ثبات الكون كما كان يعتقد لكن اثبتت التجارب أن الكون غير ثابت وغير ساكن بل متحرك ويتمدد ويتوسع كما اثبت إدوين هابل، وهو تمدد حقيقي بل ويتسارع بسبب ذلك النوع من الطاقة الغريبة والغامضة التي سماها العلماء بالطاقة المظلمة أو المعتمة أو السوداء وهي البديل للثابت الكوني الذي اقترحه آينشتين كحل.

فضاء لامنتهي وغطاء مركب من قطع:

لنبدأ هنا على الأرض بعيدا عن الامتداد اللامتخيل وغير قابل للتصور أو الإدراك للكون المرئي الذي هو في حالة تمدد دائم. فعدد لا متناهي من التكرار لعدد متناهي من التركيبات يعطي نتيجة لانهائية. إن هذا المفهوم الأولي هو أساس علم الكون أو الكوسمولوجيا لكون لامتناهي. ففي كون لا متناهي، يقع الجزء الأكبر من مناطقه في ما يتجاوز أو يتعدى ما يمكننا رصده ومراقبته أو رؤيته حتى بأفضل التلسكوبات وأكثر تقدماً وتطوراً من الناحية التكنولوجية. وبالرغم من أن الضوء يسير بسرعة مذهلة وهي 300000 كلم في الثانية، إلا أن أي جرم سماوي بعيد يبث ضوءاً، حتى لو كان قد أطلق ضوئه بعد الانفجار العظيم بقليل، فلن يكون لديه الوقت الكافي ليصل إلينا، لأن عمر الكون التقديري هو 13.8 مليار سنة، وبالتالي باستطاعتنا منطقياً أن نستنتج أن كل ما يوجد وراء المدى الزمكاني التقديري للكون أي 13.8 مليار سنة ضوئية يكون موجود في منطقة اللامرئي وغير القابل للرصد والسنة الضوئية هي ما يقطعه الضوء بسرعته الهائلة أي 300000 كلم في الثانية لمدة سنة من سنواتنا الأرضية والحال إن توسع الكون المستمر يزيد من المسافات التي تفصلنا عن الأجسام والأجرام السماوية التي انطلق منها الضوء وبسرعته الثابتة منذ زمن بعيد جداً وتلقين بعضه اليوم من خلال ما نشاهده من نجوم ومجرات مضيئة في السماء والتي قد يكون بعضها قد مات واندثر منذ ملايين أو مليارات السنين فالضوء الذي يصلنا ينقل لنا ماضي النجوم المرصودة وليس حاضرها.ومن هناك يقول العلماء أننا في المستقبل القريب سنتمكن من رؤية ورصد أجرام وأجسام تبعد أكثر من 41 مليار سنة ضوئية. والمهم الذي يجب أن نعرفه الآن ليس هو القيمة الحقيقية للزمان والمكان الذي توجد فيه تلك النجوم والأجسام، بل هو أن ندرك بأن هناك مناطق كونية كثيرة جداً تقع خارج نطاق قدرتنا على الرصد والحساب أو القياس مثل القوارب أو البواخر التي تختفي وراء أفق البحار والمحيطات بالنسبة للناظر إليها وهو واقف على الشاطيء. لذلك يطلق علماء الفلك والفيزياء النظرية عليها صفة الأجرام التي وراء الأفق الكوني المنظور أو المرصود بتلسكوباتنا الحالية، الأرضية والفضائية على السواء. ونفس الشيء فيما يتعلق بالضوء الصادر عن منظمتنا الشمسية، حيث لا يملك الوقت الكافي لبلوغ الأفق الكوني ويتعداه ليصل الى المناطق الكونية القابعة فيما وراء الأفق الكوني. وبالمناسبة يجب أن نعرف أن الأفق الكوني لايحدد فقط ما يمكن أن نراه أو لا نراه : فبموجب قوانين النسبية الخاصة لآينشتين،بتنا نعرف أن لا يوجد أية إشارة ولا أي تأثير ولا أية معلومة ولا أي جسم يمكنه أن يسير بأسرع من سرعة الضوء الثابتة. وبهذا فإن هناك شبه إجماع علمي بوجود منطقتين في الكون المنظور إحداهما مرئية والأخرى غير مرئية يقعان على جانبي الأفق الكوني، ولهول المسافة التي بينهما فإن أي اتصال أو تفاعل أو تاثير متبادل بينهما مستحيل، لأنه لايوجد للضوء المنبعث منهما الوقت الكافي لكي يصل من أحدهما إلى الأخرى، وأنا أتحدث هنا عن منطقتين في كوننا المنظور وليس عن أكوان متعددة ومتوازية، في كوننا المرئي أو المنظور فقط الذي لايشكل في حقيقة الأمر سوى جسيم ميكروسكوبي من بين عدد لامتناهي من الأكوان التي يضمها كون مطلق حي.

ولتقريب الصورة يمكننا مقارنة امتداد وسعة الفضاء أو المكان الكوني الممتد في معطى زمني معين، بسبب تداخل البعدين المكاني والزماني، بغطاء لامتناهي الأبعاد شبكي الهيئة en patchwork، مع قطع دائرية متداخلة ومتشابكة بحيث أن كل نير empiècement منها يمثل أفقاً كونياً. فالمراقب الذي يتواجد في مركز النير يمكنه أن يتفاعل ويرى ويحسب ويقيس كل ماهو موجود في داخل النير من حوله ويمكنه رؤيته أو رصده ولكن لن يكون عنده أي اتصال مع ما يوجد في النيرات المماثلة في الفضاء لبعد المسافات التي تفصل فيما بينها قد تكون النقاط الموجودة على أطراف أو حافات النير أقرب إلى النقاط الموجودة على أطراف أو حافات النير الآخر المجاور مقارنة بالمسافات التي تفصلها عن باقي مكونات وأجسام الموجودة في مركز النير الذي يحتويها، لكنها لاتتصل بها في حين يمكنها الاتصال بمكونات النير الذي يضمها رغم بعد المسافات، إلا في حالات نادرة. ففي حالة وجود فضاء شاسع لكنه محدد، يمكننا تقسيمه الى أعداد فلكية لكنها محدودة الأبعاد وبالتالي نيرات محددة، ولكن في حالة وجود فضاء لامحدود فسيكون هناك عدد لامحدود من النيرات المستقلة عن بعضها البعض. ووفقاً لهذا التصور، فإن كل جسيم مادي، كل المادة وكل أشكال الطاقة في كل حيز أو نير، لايمكن تنظيمه أو ترتيبه إلا وفق عدد محدود من التركيبات المتنوعة والمختلفة configurations. وكما يقودنا المنطق البشري إن الظروف المطبقة في هذا العدد اللامتناهي من النيرات، المتباعدة بعضها عن بعض، والمستقلة بعضها عن بعض، أي مناطق من الفضاء كالمنطقة التي نحتلها ونعيش فيها نحن، إلا أنها موزعة على نحو ما في اللانهئي الكوني سوف تتكرر حتماً.

عدد محدود من الممكنات:

نحن نتقدم باستمرار ونتطور علمياً وتكنولوجياً وبايقاع مذهل، وبالتالي نزيد من دقة أجهزتنا العلمية ما يعني زيادة عدد المواقع والسرعات المقاسة لكل جسيم أولي خاصة لو لجأنا إلى قوانين وخصائص النظرية الكمومية أو الكوانتية. فلو صدقنا الميكانيك الكمومي أو الكوانتي،هناك تحديد أساسي ودقيق جدا للتدقيق الممكن الذي تعطيه حساباتنا ولا يمكن أبداً تجاوز هذا الحد أو التحديد بالرغم من جميع تطوراتنا التقنية والتكنولوجية، وهذا التحديد يغدو أحد المفاتيح الرئيسية للميكانيك الكمومي أو الكوانتي، ألا وهو مبدأ الريبة أو عدم اليقين لهيزنبيرغ Principe d’incertitude.

هناك أبحاث متواصلة نجح بعضها في الكشف عن الموجات الثقالية للجاذبية ودراسة الإشعاعات غير المرئية الصدر عن الثقوب السوداء الناشئة رغم رفض بعض العلماء مؤخرا لوجود شيء غسمه الثقوب السوداء مثل ستيفن هوكينغ الذي كان أرقى خبير في الثقوب السوداء سابقاً. وسوف نراكم المزيد من المعلومات عن التضخم الكوني بعد أن ثبت حصوله، الى جانب ما يمكن أن تزودنا به كواشف الأشعة تحت الحمراء من أجسام غريبة أخرى جديدة في الفضاء.