أولا وقبل كل شيء لا نقاش في أن من حق ايران وحزب الله الرد على الضربة الاسرائيلية التي وجهتها لمقاتليهما في بلدة القنيطرة السورية، ولكن السؤال المطروح هو، هل سيقومان بالرد في غضون الايام القادمة على الضربة أم انهما لن يفعلا، وماذا ستكون طبيعة الرد؟

عندما قلت في الأيام القادمة فكنت أعني ما أقول، لأن عددا من المسؤولين الايرانيين وحزب الله توعدوا اسرائيل بالرد، وليس أي رد وانما الرد القاسي والمؤلم، وأطلاق مثل هذه التصريحات والتهديدات أمر طبيعي، غير أن الذي يكتسب أهمية في الموضوع هو وقت الرد وطريقته.

فيما يتعلق بايران فمن المستحيل أن ترد بشكل مباشر على الضربة لوجود عدة اعتبارات وأسباب تشترك فيهما مع حزب الله، وقبل ان نستطرد بذكر الأسباب والاعتبارات، هناك ملاحظات لابد من الالتفات لها وهي:

أولا: ان الحزب يتميز عن ايران في ان لديه القدرة على الرد المباشر، سواء باطلاق الصواريخ أو تنفيذ العمليات عبر الحدود، بينما ايران لديها ايضا القدرة على الرد المباشر كاطلاق الصواريخ أو تنفيذ عمليات في داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة أو ضد الاسرائيليين في الخارج، ولكنها لن تفعل ذلك، لأن الرد وتبعاته ربما يشعل المنطقة كلها وهذا لا يخدم ايران بتاتا.

ثانيا: ينبغي التمييز بين قضيتين هما القدرة على الرد والامتناع عنه، فقد أثبتت التجربة أن ايران وحزب الله لديهما القدرة على الرد ولعل عملية شبعا التي نفذها الحزب قبل نحو شهرين تثبت ذلك ولكن يضطر الى تأجيله لوجود بعض الحسابات، واما ايران فترد ولكن على طريقتها الخاصة، كدعم الاحزاب الفلسطينية.

ثالثا: صحيح أن تلقي ضربة من العدو مؤلم حتى لو كانت صغيرة ولكن توظيف هذه الضربة ربما يعود بمكاسب أكبر من الرد، فمن الواضح أن رد ايران وحزب الله على الضربة الاسرائيلية ربما يجر المنطقة الى حرب مدمرة، وبالتالي فان السيطرة على النفس وعدم الانجرار وراء ردات الفعل الانفعالية يوجه رسالة دبلوماسية للمجتمع الدولي ان هذا الطرف بيده مفاتيح اشعال الحرب أو اخمادها.

رابعا: اسرائيل استنفرت كل قواتها لمواجهة أي رد خاصة اذا وقع خلال الايام القليلة القادمة، وبما أن الطرف الآخر يريد ايقاع خسائر أكبر باسرائيل فانه سيستخدم عامل المفاجئة في الرد، لذلك قمن الطبيعي أن لا توقت ايران وحزب الله ردهما ضد اسرائيل، الا اذا كانا يريدان اشعال حرب مفتوحة معها.

أما الأسباب والاعتبارات التي تفرض على ايران وحزب الله تأجيل الرد على الضربة الاسرائيلية فهي:

1/ الرأي العام الغربي معبأ اليوم ضد العالم الاسلامي جراء هجمات باريس، ويكفي أن تصدر أية حركة عسكرية من أي بلد أو جهة اسلامية ضد اسرائيل الحليفة للغرب، فانها سرعان ما ستتحول الى اجماع دولي للتصدي الى تلك الدولة أو الجهة، وهذا بالتأكيد لن يخدم أي دولة أو حزب.

2/ تمر المفاوضات النووية بين ايران ومجموعة 5+1 بظروف حساسة ومن المرجح حسمها خلال فترة التمديد الثانية، وسيكون من الصعب حسم الملف مع وجود معركة بين ايران أو حزب الله مع اسرائيل، فطالما رفضت اسرائيل انهاء الحظر عن ايران وتسوية ملفها النووي بذريعة أنها تشكل خطرا عليها، لذلك فان اندلاع الحرب بين ايران أو حزب الله مع اسرائيل سيقدم الدليل العملي على ما تريد تحقيقه اسرائيل من ادعائها.

3/ تواجه اسرائيل في الوقت الراهن ضغطا غير مسبوق من بعض الدول، خاصة فيما يتعلق بانضمام فلسطين الى المنظمات والمعاهدات الدولية وتقديمها شكوى الى محكمة الجنايات الدولية للنظر في اعتداءات اسرائيل وجرائمها وانهاء الاحتلال، واندلاع الحرب سواء كانت صغيرة أو كبيرة سيجعل من اسرائيل هي الضحية وبالتالي سيرغم الدول التي تعتزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية الى تغيير موقفها.

4/ عودة التوتر بين الفرقاء اللبنانيين، فمن المؤكد أن رد حزب الله على اسرائيل سيفتح باب التراشق بين القوى اللبنانية على مصراعيه ويغلق باب الحوار بعد ان أوصد لأكثر من سنتين وانعكس غلقه على الوضع السياسي في لبنان، ولعل عدم انتخاب رئيس للجمهورية أحد افرازات تعطل الحوار، وحزب الله لا يريد أن يقاتل على أكثر من جبهة.

حسابات اسرائيل في أختيار الوقت المناسب لضرب ايران أو حزب الله أو سوريا ليست بالضرورة تنتهي الى ما كانت تخطط اليه بل على العكس تماما فلربما تكون النتائج عكسية، خاصة وان الطرف الآخر لن يقف مكتوف اليدين ويتلقى الضربات دون ان يحرك ساكنا.

&