سمعنا الكلام الكثير عن تداعيات الاتفاق النووي على الشأن الإيراني بشكل عام لكننا لم نسمع شيئا عن تداعياته على قضية الشعوب غير الفارسية في إيران بشكل خاص. ولبحث هذا الموضوع يجب ان ندرس وضع السلطة الحاكمة في إيران وماتواجهه من تحديات بعد التوقيع على هذا الاتفاق لانها تقع في صلب الموضوع.

يبدو ان التقارير الاستخباراتية التي كانت تصل من الداخل الإيراني الى صناع القرار في إدارة اوباما في الاعوام الثلاث الماضية اقنعت هذه الادارة بان "الفاكهة الإيرانية" باتت يانعة اثر العقوبات الهائلة المفروضة على بيع النفط والقطاع المصرفي وآن الاوان بان تقطف الشركات الكبرى في الولايات المتحدة واوروبا ثمارها بدل ان تأكلها الشركات الصينية والروسية لوحدها. اذ انحت الادارة الامريكية الخيار العسكري جانبا وقامت بمفاوضات سرية مع حكومة احمدي نجاد اولا وحكومة حسن روحاني ثانيا تبعتها مفاوضات ماراتونية في جنيف وفيينا انتهت الى اتفاق نووي بين الدول الست العظمى من جهة وايران من جهة اخرى.

لكن علاوة على هذه الظروف الموضوعية، هناك ظروف ذاتية ساعدت على توقيع هذا الاتفاق وهي دور اللوبي الإيراني النشط جدا في الولايات المتحدة، بداءا من "بهروز والاناهيد" الصهر الإيراني لجون كيري ومرورا بالمجلس الوطني الإيراني – الاميركي وليس ختماما ب "سحر نوروز زاده" مسؤولة ملف إيران في مجلس الامن القومي بالبيت الابيض.

فقد فشلت خطة فرض الديمقراطية بالقوة كما حدث في العراق، واخذت الولايات المتحدة العبر من ذلك، اذ تخشى الدول الكبرى في الغرب والشرق من ظاهرة الدول الفاقدة للحكومات وتوسيع رقعة الارهاب اكثر من انتهاك حقوق الانسان كما نشاهد في سورية. اذ لاارى امكانا لأي تدخل عسكري في المدى المنظور بعد هذا الاتفاق. فلذا يجب ان نقرأ الوضع الراهن في إيران على هذا الاساس.

وحول السلطة الحاكمة في إيران يمكن ان نتكهن بالاحتمالات التالية:

1. لم تتغير تركيبة السلطة بما هي عليه حاليا، اي ان القوة الاساسية تبقى بيد المتشددين بقيادة خامنئي والى جانبه قادة الحرس الثوري، واذا توفي خامنئي يمكن ان يختاروا بديلا له مثل رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني او هاشمي الشاهرودي نائب رئيس مجلس خبراء القيادة في إيران. وفي هذه الحالة لن يتم اي شيء لصالح القوميات غير الفارسية في إيران، بل وحتى لن يتم تطبيق المادة ١٥ من الدستور الإيراني والتي تنص على تدريس لغات القوميات غير الفارسية في المدارس، رغم وعود الرئيس روحاني بتطبيقها خلال حملته الانتخابية في العام 2013. لكن لم تُطبق هذه المادة منذ العام 1979 بسبب معارضة مراكز القوى التابعة للقومىة الفارسية المهيمنة والمتنفذة في طهران.

2. في هذا الاحتمال اتوقع وقوع انقلاب عسكري متلبس بلباس ثوري كحركة العسكر في بعض دول المنطقة او كتلك التي وقعت في العام 1925 عندما قام الميجور رضا خان ميربنج بانقلاب عسكري ضد سلطة السلالة القاجارية واصفا نفسه بالشاه رضا البهلوي ملك إيران. فالشبيه الحالي لرضا خان هو الجنرال قاسم سليماني حيث نشهد فئات واسعة من القوميين والليبراليين واليسار الفارسي تؤيده وتدعم خطواته وتدخلاته العسكرية في العراق وسورية، ناهيك عن الحرس الثوري وفئات وشخصيات من المؤسسة الدينية. في هذه الحالة ايضا لاامل بحدوث اي تطور لصالح الشعوب غير الفارسية في إيران.

3. احتمال ان يكون هناك تغيير تدريجي ينطلق من الانتخابات البرلمانية ومجلس الخبراء وصعود مايسمى بالمعتدلين والإصلاحيين ووقوع بعض التحولات مثل إطلاق سراح السجناء السياسيين التابعين للمعارضة الخضراء وعلى رأسهم مهدي كروبي وميرحسين موسوي، يتزامن ذلك مع الاستثمارات النفطية وغير النفطية الهائلة للشركات الاميركية والاوروبية وانتعاش الاقتصاد الإيراني والذي يؤدي كل ذلك الى دعم مواقف القوى المعارضة للمتشددين في السلطة وخارجها وطرح قضايا انتهاكات حقوق الانسان وعلى رأسها حقوق القوميات غير الفارسية. كما يمكن ان أُشير الى تأثير التحولات

التي ستحدث في اليمن وسورية والعراق على الشأن الداخلي في إيران كعامل ثانوي.

وفي هذه الحالة ستؤدي التحولات الاقتصادية والسياسية الى تطور المجتمع المدني ومن ثم الحراك السياسي ليس في العاصمة فحسب بل وفي الهامش ايضا واعني الاقاليم التي تقطنها شعوب غير فارسية بما فيها اقليم عربستان. وهذا يمكن ان يؤدي في متوسط وطويل المدى الى اضعاف السلطة المركزية وتغيرات شبه راديكالية لايمكن التكهن بكل تفاصيلها من الان، لكننا نعلم ان كل شيء يضعف السلطة المركزية الفارسية اساسا في طهران يقوي شوكة الشعوب غير الفارسية ويعزز نضالها من اجل احقاق حقوقها القومية المغتصبة.

اني لااتوقع وقوع ثورة اخرى في إيران لاسباب منها ان الشعوب الإيرانية سئمت الثورات بسبب انحراف ثورة فبراير 1979 من المبادئ التي قامت من اجلها وهي الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. فوفقا لعلم اجتماع الثورات لاتقل الفترة الزمنية بين ثورتين في اي بلد عن سبعين عاما. وقد جربنا ذلك في إيران حيث شهدت ثورتين - بمعنى الحقيقي للثورة - في تاريخها المعاصر: الاولى ثورة الدستور (1906 – 1909) والثورة الاسلامية (1979). وكذلك في مصر: الثورة العرابية (1879 – 1882) وثورة يناير 2011.

انتفاء الهجوم العسكري على إيران وكذلك وقوع ثورة عنيفة كتلك التي وقعت في 1979 تفتح الابواب امام التحولات السلمية التي يمكن ان تصل بنا في النهاية الى عصيان مدني او اي شي من هذا القبيل يؤدي الى تحولات سياسية على الساحة الإيرانية.

يطرح البعض في إيران موضوع تغيير النظام، فيما يطرح البعض الاخر تغيير سلوك النظام بسبب استحالة تغييره. فآخر خطوة فشلت لتغيير او إسقاط النظام كانت ما توصف بالإنتفاضة الخضراء في العام 2009. اذ دخلت عناصر من منظمة مجاهدي خلق واليسار الراديكالي على خط المظاهرات التي استمرت عدة اشهر في ذلك العام وطرحت شعارات راديكالية تطالب

بإسقاط النظام الاسلامي لكنها فشلت لسببين: الاول عدم تحرك اقليم أذربيجان وسائرالاقاليم غير الفارسية والثاني القمع المفرط للسلطة. واذكر هنا اقليم أذربيجان بسبب الدور الرئيسي والحاسم للشعب الأذري – قياسا بسائر الشعوب غير الفارسية - في الثورات والانتفاضات التي وقعت في ايران المعاصرة.

وبسبب معايشتي للوضع الإيراني قبل وبعد ثورة فبراير 1979 يمكنني القول ان المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية علي خامنئي اخذ درسا هاما من الشاه محمدرضا البهلوي الذي سجنه ونفاه في السبعينيات من القرن المنصرم وهو ان الشاه ترك الساحة ولم يستخدم كل قواه لقمع الثورة الاسلامية حيث كان بامكانه ان يقضي عليها لو صمد امام مد المظاهرات والاعتصامات في العام 1978 وهذا ما فعله خامنئي امام الانتفاضة الخضراء في العام 2009 مستخدما كل قواه القمعية للقضاء عليها وعلى القوى المطالبة بالحرية والديمقراطية. فلم يكتفي علي خامنئي بهذا الدرس بل لقنه لتابعه بشار الاسد مشجعا اياه باستخدام كل ما في جعبته للقضاء على الثورة السورية. فان تدخلات ايران في دول الجوار ليس لحفظ النظام الديني الاستبدادي بل للحفاظ على الامبراطورية الفارسية المتبقية، وتوسيعها إذا سمحت الظروف.

وسيتحدد مستقبل ايران على اساس موازنة القوى على المستوى الداخلي والدولي، وستلعب الشعوب غیر الفارسية دور محوري في اي تغيير مستقبلا، او بالاحرى سينفجر الوضع في اقاليم هذه الشعوب بعد ان تتم ازالة بعض الموانع مثل سقوط او تزلزل الاستبداد والمركزية الحديدية في طهران. وهذا ماحدث في يوغسلافيا السابقة ويحدث حاليا في سورية. اذ يمكن ان نلمس بوادر عدم الثقة والكراهية بين المكونات الاثنية والقومية في المجتمع الايراني وآخرها ما سمعناه من هتاف (الموت للفرس) من قبل الجماهير التركية الأذرية خلال مباريات كرة اليد في مدينة اورمية باقليم أذربيجان. فرغم الهتافات والشعارات السابقة المطالبة بحقوقهم القومية وكذلك المحرجة للقومية الفارسية، لاول مرة في تاريخ إيران المعاصر نسمع مثل هذا الهتاف الخطير ذوالمعاني الكبيرة.