&عندما نددت إيران بالغزو الأميركي على العراق رغم خلافها الشديد مع نظام صدام، وطالبت الولايات المتحدة بانهاء احتلالها له، دافعت واشنطن عن نفسها باتهام طهران بالتدخل في شؤون العراق، وبدل أن تصطف دول المنطقة الى جانب ايران وترفض الاحتلال الأميركي للعراق انساقت وراء واشنطن وبدأت تكرر معزوفة التدخل الايراني في العراق.
عندما دعت ايران دول المنطقة والعالم الى التوقف عن المطالبة برحيل الرئيس السوري والسماح للشعب السوري بتقرير مصيره بنفسه، اتهموا ايران بارسال جيوشها وقوات الحرس الثوري الى سوريا للدفاع عن النظام الحاكم، وابقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، والدفاع عن العلويين والسماح لهم باارتكاب المجازر ضد السنة.
عندما شجعت ايران الحوار الوطني في اليمن ورأت أن الاحتكام لطاولته والعمل بمخرجاته سبيلا لحل الأزمة اليمنية وأكدت أن الحرب والعنف يعقد الأزمة اليمنية ولن يسهم بتاتا في حلها، اتهموها بمساندة "المتمردين الحوثيين" ودعمهم في انقلابهم على "الشرعية" وتحويل اليمن الى نقطة نفوذ جديدة لايران.
عندما نأت ايران بنفسها عن الأزمات السياسية في لبنان وأعلنت أنها تدعم أي حل يتفق عليه كل اللبنانيين، قالوا إنها أوعزت لحليفها في لبنان بتعطيل أي حل لا ينسجم مع سياستها التوسعية.
عندما طلبت طهران من المنامة الاستماع إلى مطالب المعارضين، وأن الحل الأمني مع المعارضة لن يجدي نفعا، اتهموها بتأجيج فتنة طائفية وتأليب الشيعة على السنة.
عندما رأت ايران ان المقاومة هي المنطق الوحيد الذي تفهمه اسرائيل ويرغمها على الامتثال لمطالب الشعب الفلسطيني فقامت بتقديم كل أنواع الدعم لفصائل المقاومة، اتهموها بشق الصف الفلسطيني والسعي الى تقويض السلطة الفلسطينية.
غير خاف على أحد أن ايران لم تتدخل بشكل عملي إلا في دعم فصائل المقاومة الفلسطينية، وتقديم الاستشارة للحكومتين العراقية والسورية في سبل التصدي للجماعات المتطرفة، التي تشعر كل دول العالم اليوم بخطرها وتهديدها للأمن الاقليمي والدولي، أما فيما يتعلق ببقية الملفات فان الأمر لا يعدو عن اعلان مواقف سياسية واعلامية.
هل المطلوب من ايران أن لا تعلن عن موقفها تجاه أي قضية في العالم، اذا كان هذا هو المطلوب فيجب تعميم ذلك على كل دول العالم وليس ايران، سواء كان هذا الموقف مؤيد أو معارض، لا أن نسمح لأوباما وكاميرون والقاصي والداني باعلان مواقفهم ولا نعترض عليها بينما تنتابنا حساسية مفرطة تجاه أي موقف ايراني.
اليوم يطالبون ايران أن لا تنبس بشفة حتى حول مصير رعاياها في منى، أرقام الضحايا أصبحت مهولة، حتى كتابة هذه السطور وصل عددهم الى 228 قتيلا، بينما وصل عدد المفقودين الى 248، وبما أنه لا أمل بأن يكون المفقودون أحياء فهذا يعني أن أكثر من 450 حاجا ايرانيا قضوا في حادث منى.
لم تطلب إيران شيئا أكثر من معرفة مصير رعاياها، والسبب الذي أدى الى وقوع الحادث، خاصة وأن هناك روايات متعددة حول الاهمال المتعمد، ومن بين هذه الروايات التي رواها أحد الحجاج الايرانيين وأكد فيها اغلاق الطرق أمام الحجاج وتوجيههم نحو ممر ضيق كانت بوابته مغلقة، وعندما وقع التدافع لم يتقدم أي من العناصر المسؤولة عن توجيه سير الحجاج لنجدتهم على الرغم من أنهم كانوا بالمئات، ويؤكد الحاج أن فرق الانقاذ والاسعاف لم تصل الى موقع الحادث الا بعد 4 ساعات، ولو كانت هذه الفرق والعناصر الذين يحيطون بالممر سارعوا وساهموا في انقاذ الحجاج لانخفض عدد القتلى إلى أقل من ذلك بكثير. حسب رواية الحاج الايراني.
جوبه طلب طهران بالكشف عما حدث ومعرفة مصير الحجاج الايرانيين بعشرات الاتهامات، من بينها سعي ايران الى توظيف القضية سياسيا، وانتزاع تنظيم موسم الحج من يد المملكة، وتحويل شعيرة الحج الى مشروع سياسي، واثارة الفوضى والقلائل في موسم الحج.
أسوأ ما قرأته حول حادثة منى والذي ينم عن ضحالة التفكير والثقافة، هو الاتهام الذي ساقه أحد الكتاب لايران عندما أوحى في مقاله بأن ايران خططت ودبرت ونفذت حادثة منى لتحرج المملكة وتصورها على أنها غير كفوءة في ادارة موسم الحج، فهل يا ترى هناك جنون أكبر من هذا الجنون؟
ربما الكاتب ليس مجنونا بل مقتنع بشكل كامل بهذا الاستنتاج لأنه يرى أن حكومته أو حكومات أخرى قامت بإبادة شعبها لتحقيق أهداف معينة، كما فعل صدام حسين عندما استخدم الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد في حلبجة، وهنا مكمن الخطأ، فليس ما تفعله حكومات المنطقة مع شعوبها ينطبق على ايران، وأقل ما يمكن قوله أن لايران برلمانا يحاسب المسؤولين على كل شاردة وواردة، الأمر الذي تفتقده أغلب دول المنطقة.
&
التعليقات